ليث فائز الأيوبي : لا أنتمي إلا لنفسي ..


*حوار: ياسر جيجو

خاص (ثقافات) 

في حوار مطول أجريناه مع الشاعر ليث فائز الايوبي مؤخرا في بغداد أثناء انعقاد مهرجان بغداد الدولي للكتاب وبمناسبة صدور مجموعته الشعرية السابعة ( فضيحة الاسكندر المقدوني ) نقتطع منه هذا المحور المكتمل على أمل اكمال باقي المحاور قريبا ، سألناه بداية :
* غالبية الشعراء العرب يطمحون اليوم إلى ترسيخ مواقعهم على خارطة الشعر في بلدانهم ، والدخول ضمن اجيال شعرية معينة تتيح لهم فرصة تناول النقاد لتجاربهم بالدراسة والتوثيق .. رأيك بهذه الاشكالية التي طالما أثارت التساؤلات بين رافض لها ومؤيد ، والى أي جيل شعري تنتمي .. ؟
– المتاجرة بغلال الأجيال الشعرية في نهاية كل موسم ( زراعي ) خاسر قضية لا تعنيني .. ولا تشغل تفكيري إطلاقا ، فأنا أسد طليق في غابات الشعر العراقي رضيتْ الخراف أم اعترضتْ ، والأسد كما هو معروف يترفع عن حشر اسمه مع باقي الكائنات الاخرى داخل أي سلة للملابس أو حوض لأسماك الزينة أو قفص استعراضي ضيق .. حتى وإن كان هذا القفص النقدي مدعوما بمروضي خيول خشبية أو طهاة مهرة يجيدون اخفاء رائحة الطعام المحروق في نهاية كل وليمة تنكرية أو مهرجانات ريعية مسلية أو ما شابه .. ما يعنيني هو النص الذي أتركه خلفي بلا غبار أو رتوش أو تنهدات نقدية فارغة أو مديح أعمى مدفوع الأجر أو تصفيق رخيص بلا رصيد .. مؤكدا أن كل هذا الضجيج العالي والتهريج في نظري لن يدوم ولن ينطلي أبدا على حارس بوابة نزيه وفطن في نهاية المطاف اسمه التاريخ !
أما انتمائي لأي جيل فأنا لا أنتمي إلا لنفسي ..
* هل تعتقد أن النقد الأدبي أنصف تجربتك الشعرية أم ترى أن العكس هو ما حصل ؟
– مع احترامي لعدد محدود جدا من النقاد الذين تناولوا تجربتي الشعرية بمنتهى النزاهة وبلا نوايا أو غايات مسبقة أصبحت هي السارية في وقتنا الحاضر مع الأسف ولم تعد خافية على أحد ، لكني أرى أن أغلبية النقاد العراقيين أصبحوا اليوم بلا تأثير ، يترافعون عن قضايا خاسرة في محكمة النقد الأدبي ، بسبب نضوب مناهجهم النقدية وكساد مهنتهم التي أصبحت لأسباب شتى مرتعا خصبا لأشباه الكتبة والصحفيين المبتدئين ، كل ذلك أدى إلى تقاعس أغلب النقاد عن اداء واجبهم بنزاهة وموضوعية .
لهذا أنا لا ارى أي أهمية لوجود نقد مطعون سلفا بهيبته ومصداقيته وأهليته . بقدر حاجته هو إلى نص متفرد ينتشله من براثن النسيان مرة واحدة وإلى الأبد .. وليس العكس .
ومع ذلك وعودة لسؤالك ، فإن تجربتي الشعرية حسب معلوماتي المتواضعة التي أستقيها عادة من أساتذة عدد من الجامعات داخل وخارج العراق ممن يتابعون كتاباتي من بعيد رغم تقاعسي وعدم تواصلي معهم إلا نادرا ، وهم يحثونني مشكورين منذ أعوام على تزويدهم بمجمل أعمالي الشعرية أو ما يستجد منها لاحقا لأسباب تتعلق بالبحوث الجامعية ورسائل التخرج .
* بودي السؤال عن أصولك القومية .. هل صحيح انك تنحدر من أصول كردية ؟
– ثقافتي ولغتي عربية وأنا اتشرف بهذه اللغة التي منحت أسرارها لي وأمدتني بكنوزها وثرائها وبلاغتها منذ نعومة أظفاري واستطعت من خلالها أن أرسخ اسمي وتجربتي باقتدار داخل المشهد الشعري العراقي بعيدا عن التكتلات والجماعات والمافيات ، وأفتخر كذلك لكوني من أصول كردية معروفة ومتجذرة في مدينة أربيل أيضا رغم عدم المامي بلغتي الاصلية نوعا ما بسبب نشؤئي في بغداد .
* ألم تجد أي تعارض أو انقسام حاد بين كونك من أصول قومية معينة وتتكلم وتكتب بلغة مغايرة ؟
– لم يراودني أي احساس أو عقدة من هذا النوع خصوصا وأن فطاحل الادباء العرب في الفكر والشعر واللغة والطب والجدل وكل صنوف المعرفة الأخرى على مر العصور كانوا من أصول غير عربية . وتلك ملاحظة جديرة بالتأمل !
* رأيك بالدعوات المثارة مؤخرا من قبل بعض المثقفين ومطالباتهم بضرورة تبرؤ المثقف عن طائفته ومذهبه وعدم التعويل على أي مظاهر تتستر بالطائفية ؟
– نحن كمثقفين طليعيين مستقلين نتعامل بمنتهى التجرد عن طوائفنا وقومياتنا بل أكاد أقول حتى عن أدياننا أيضا مع احترامنا لها ، وأستغرب أن يسعى البعض من عديمي الشأن والأهمية إلا في حدود مربعاتهم الضيقة وبؤرهم للمتاجرة بقضايا محسومة سلفا ، أستغرب أن يلعب اولئك المهووسون بالاضواء بعقول السذج لأغراض شخصية لا غير ، مؤكدا انها كسواها من الدعوات الفنطازية السابقة دعوة مضحكة لا تستحق التعليق لكونها صادرة عن أفواه مليئة بتراب التحزب والتخندق حتى وقت قريب ، فهؤلاء مع شديد الاسف هم أول من رسخوا وتبنوا الطائفية اللقيطة والشللية المقيتة في مضارب وخيام الأدب العراقي وصحفه الصفراء وإلا لما غاصوا هم إلى ركبهم بطين اأاضواء الدبقة وسمح لهم منذ البداية بالعمل في صحف غبارية ووسائل إعلام صفراء وطائفية حتى النخاع . وفضيلة التكفير عن ذنوبهم لا تكمن بقيادة سرب البطاريق إياها في أتون كثبان رملية مترامية الأطراف بل الصمت والتواري عن الأنظار رحمة بنا واحتراما للحقيقة وعدم زج الثقافة مستقبلا في طموحاتهم المتوعكة وأحلامهم العليلة.
* ما هو دور المثقف في خضم هذه التحولات إذن ؟
– على المثقف الحر أن لا ينحرف مع هذه الزوارق الورقية المرمية على سطوح المستنقعات التي تميل حيثما مالت الرياح ، فمرة نراهم معممون بلحى مزيفة وأخرى متظاهرين بلافتات مريبة وتارة منشدين في فرقة الإنشاد ( الغجرية ) وحينا يتباكون على دموع التماسيح وهي تلتهم ضحاياها بدم بارد وأعصاب فولاذية .
* ما يشغل تفكيرك حاليا .. هل من مشاريع قادمة ؟
– أعكف حاليا على تنسيق عدد من مجموعاتي الشعرية المنشورة على مدار أعوام سابقة لأصدار مجلدين من أعمالي الكاملة في القريب العاجل بالاضافة إلى جمع عدد من أعمدتي الصحفية ومقالاتي الخاصة بالشأن الثقافي لغرض نشرها في كتاب خاص اسميته ( محنة الاحجار الكريمة ) ، اما باقي المشاريع فانا في طور الشروع بوضع اللمسات الاخيرة على مجموعتين شعريتين جديدتين سأسعى جاهدا لنشرهما في الوقت المناسب ، ولي عدا ذلك أهم مشروع شعري قيد الكتابة أسعى لأكماله قريبا ويمثل انعطافة وإضافة ملحوظة ومهمة في تجربتي الشعرية ، وهو عبارة عن نص شعري طويل غير منشور أعول عليه كثيرا في تقديم منجز جديد أعتز به وأعتقد أنه سيشكل بلا مبالغة اضافة متقدمة للشعرية العراقية والعربية في المستقبل القريب ، آمل بعد نشره أن انطلق بعيدا لمديات أوسع مدى وأكثر رحابة وغنى وطمأنينة على صوتي الخاص وبصمتي الشعرية التي آليت على نفسي أن تكون مغايرة منذ البداية .
* ألا ترى أن هذا الاعتداد بالنفس نوع من أنواع الغرور ؟
– سمه ما شئت .. غرورا .. نرجسية .. تعالي .. لا ضير في ذلك .. المهم إني تجاوزت مرحلة الشعور بالطرب امام أي مديح عابر أو إطراء كائنا من كان قائله ، حتى وإن كان صادرا من المتنبي ذاته .. ولم أعد أحفل بالتقريظات المجانية والتمجيدات والتبريكات أو التعظيمات السارية حاليا على قدم وساق وبشكل فج يدعو للسخرية ، بل أكاد أشعر إزاءه بالتوتر والخجل والرغبة بالتواري بعيدا عن الأنظار ، والعودة مجددا إلى عالمي الخاص وصومعتي الحميمة .. ولهذا اضطررت إلى إغلاق صفحتي الشخصية ( الفايسبوك ) قبل عام تقريبا وإنشاء صفحة جديدة فيما بعد بأصدقاء محدودين جدا ، مؤكدا أن وسائل التواصل الاجتماعي في بلداننا النامية يشوبها نوع من عدم الفهم وقصور النظر والسذاجة إذا صح التعبير .. وإلا فما معنى أن تكتب أي فتاة عابرة أو رجل ينتحل صفة أنثى جميلة ( شكو ماكو ) فينهال عليها كذا مئة لايك وعشرات التعليقات السمجة والتهليلات من عشرات المتصابين أو المراهقين .. انها لعمري ثقافة شاذة تستحق الركل بالأقدام .. أما أدباء ال ( شكو ماكو ) فتلك فضيحة أخرى لم تعد تضحكني فحسب بل امتدت لتعيد البهجة والقهقهات الماجنة إلى قلوب الثكالى والأرامل في عراقنا المأزوم ( بالمضحكات ) وما أكثرها من مضحكات .
* أسباب اتجاهك الجديد للكتابة على النسق التقليدي .. هل هي رغبة البحث عن جمهور غائب ..؟
– صدقا ، أنا لا أجد أي مستقبل للقصيدة التقليدية على المدى المنظور رغم كتابتي لها لأسباب شخصية لا أكثر وفي حالات نادرة جدا .. مؤكدا أن هذا النوع من الشعر الفلكلوري ربما يثير إعجاب وتفاعل جمهور الشعر الشعبي البسيط و محبي ( الهوسات ) إذا صح التعبير .. أما باقي النخب الثقافية الرفيعة الاخرى فلا أعتقد ..
ولا أجد جازما أي مبرر لوضع شاعريتي في كيس ضيق ، وخيالي في قفص مفروش ومحدود بنافذة وحيدة .. 
ولكني اكتشفت مؤخرا أن هذا النوع من الشعر المطلوب في وقتنا الحاضر ( وهذه طامة كبرى طبعا ) عبارة عن ضد نوعي ناجع ومبيد حشري فاعل في مواجهة القوارض الثقافية إياها وذيولها ، فالبعض لا يقرأ مع الأسف إلا هذا النوع من المضادات الحيوية ولا يتفاعل ولا تهتز غدده ولغده طربا إلا إذا رش عليه هذا الصنف المألوف من الغازات المهيجة للغرائز والمثيرة للاعصاب .
* ماذا بشأن الشعر العراقي إذن.. ؟
– هناك القلة القليلة من الأسماك الحية في مياه الشعر العراقي ، لا يمكن اصطيادها وحصرها في شباك العلاقات والتكتلات والتجمعات ، يقابلها أطنان هائلة من الزعانف المتحركة رغم نفوقها وبعضها من ذوي ( الأعمال الكاملة ياللعار ..! ) حتى أصبح لون المياه لفرط هذا التخبط الاعمى موحلا وراكدا.. والغريب أن هذه الأوهام التي أخذت بالباب الملسوعين بدائها بدأت تتفاقم وتمتد طولا وعرضا لتشكل جيشا عرمرما من الطين يقوده زعيم نافذ اسمه ( جامع القمامة ).
* والوسط الثقافي 
– الوسط الثقافي المنظور في معظمه لم يعد ينتج إلا معامل رديئة للثرثرة والسمسرة وتحالفات مشبوهة للمواساة ورفع المعنويات المتدنية . لا أكثر … و ( كلمات .. كلمات .. كلمات .. ) بلا قيمة على حد وصف شكسبير ..
* لديك موقف سلبي واضح كما يبدو من المهرجانات الثقافية التي تعقد بين فترة وأخرى خصوصا الشعرية منها .. ممكن توضيح هذه المسألة ؟
– المهرجانات الشعرية في العراق عبارة عن برامج استعراضية ريعية مملة غايتها الأساسية الكسب والمردود المالي وإنشاء التكتلات لأمور انتخابية معيبة وحسب ، شأنها في ذلك شأن عروض السيرك المسلية التي لا تقتضي أكثر من توفير قراد بارع في تمرير الحركات الخفيفة وحفنة من القرود المطيعة والمزودة بأربطة أعناق وذيول وبدلات موحدة ومناديل مزركشة وأصوات مبحوحة .. ليس إلا ..! أما التظاهر بغير ذلك فهو جبن وخيانة للحقيقة والأنكى من ذلك أن هذه الفصائل ( الشعرية ) البكماء كما يتندر البعض مزودة بمكبرات صوت ومنصات وقوف وبروجكترات ومصفقين ونقاد جنابر ومحرري صفحات ثقافية زقاقية لا يميزون بين مؤخرة الرضيع وصلعة أي شاعر عراقي مهم .. المهم لديهم ما تدره لهم الأبقار من خوار والضفادع المنتفخة بالمياه الآسنة من نقيق ..
باختصار .. جميع مهرجاناتنا الشعرية بدون استثناء عبارة عن نعوش فارغة يحملها موتى يتكررون مع كل مأتم !

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *