* عثمان حسن
تزور الشاعرة الأمريكية ناتاشا تريثوي الإمارات لتلقي بعض القصائد أمام الطلبة والجمهور، وتلقي بعض المحاضرات حول الشعر، وقد كانت مناسبة لإجراء هذا الحوار معها، حيث تحدثت عن تجربتها الشعرية وكيفية فهمها لطبيعة الشعر، كما وقفت عند كثير من القضايا الفنية في الشعر وتجربتها الخاصة في ديوان “حارس محلي” الذي حظي باهتمام كبير من قبل الأوساط الأكاديمية في أمريكا .
ولدت الشاعرة الأمريكية ناتاشا تريثوي في غلفبورت في المسيسيبي في عام ،1966 ونشرت أربعة دواوين شعرية، أولها (عمل أليف) في عام ،2000 اختير هذا الديوان من قبل ريتا دوف لنيل جائزة (كيف كونيم) الشعرية كأفضل ديوان لشاعرة أمريكية – إفريقية، كما فاز هذا الديوان بجائزتين أخريين هما: جائزة معهد المسيسيبي للآداب والفنون في 2001 وجائزة ليليان سميث الشعرية في العام نفسه .
بعد هذا الديوان نشرت تريثوي ثلاثة مؤلفات شعرية هي: “أوفيليا بيلكوك” 2002 و”حارس محلي” 2006 الذي حصل على جائزة البوليتزر الشعرية، و”العبد هوتون ميفلن” 2012 .
في مقدمة ديوان “عمل أليف” قالت ريتا دوف “إن تريثوي تتجنب اللحظة الخاطفة، وتختار أن ترد لنا أشواقنا النبيلة، وآمالنا المرتجفة تلك التي تصاحب أفكارنا الذاتية، لنسترد تلك الحياة الداخلية، حيث الحقيقة ذاتها، ناصعة ومتوحدة في أحلام اليقظة من أجل القوة” .
تريثوي مدرسة مادة الكتابة الإبداعية في جامعة إيموري في أطلنطا، كما تشغل مقعد فيليس ويتلي للشعر، وهي إضافة إلى ذلك تتبوأ مناصب وتكريمات عديدة كالزمالة في معهد الدراسات المتقدمة في هارفارد، وزمالة مؤسستي روكفلر وغوغنهايم . في 2012 تم اختيار ناتاشا تريثوي شاعرة الولايات المتحدة، وهي بذلك تحتل الرقم التاسع عشر في هذا التكريم .
في شعر ناتاشا تريثوي تلمس روحاً خاصة، تنم عن تجربة عميقة وفهم راسخ لمعنى الشعر، يتجلى ذلك في كثير من قصائدها، على سبيل المثال تتذكر في “مرثية حارس محلي” الجنود الذين تركوا في أرض المعركة بعد أن ماتوا في الحرب الأهلية الأمريكية ومعظمهم من الزنوج الأمريكيين، ولم يبق ما يدل عليهم سوى ذلك النصب، وتؤكد تريثوي أن هؤلاء الجنود قد تم نسيانهم، بل وتجاهلهم في كثير من المناسبات، حتى إن أسماءهم لم يعد هناك من يتذكرها، الشيء المثير في الأمر أن هذا النصب الذي يشير للجنود الأمريكيين السود تم تدشينه في إبريل/نيسان من هذا العام، أي بعد مرور حوالي 200 سنة على الحرب .
وتشير تريثوي إلى أنها حين تبدأ كتابة الشعر تحاول نسيان مسألة الجوائز وينسحب على ذلك رأي النقاد في تجربتها، وتقول “لا أقيس ما أود أن أكتبه في ضوء معايير النجاح والفشل، لكن استحضار بعض الأمور التي تشغلني في الكتابة هو أمر مهم بالنسبة إليّ، أنا أكتب ما يقلقني ويشعرني بإنسانيتي، ومن جهة أخرى فإن مثل هذه الجوائز ربما تشير إلى أنني أقوم بالعمل الصحيح” وتضيف تريثوي “إن هذا ما يولد لديّ الثقة لأكون الشاعرة التي يجب أن تكون عليه، إنه أشبه بإثبات مشروعية ما أقوم به وما أود انجازه من غير إضافة ولا نقصان” .
وفي معرض رصدها لأغراض وموضوعات الشعر الأمريكي، وعما إذا كانت هذه الأغراض قد تغيرت الآن تؤكد تريثوي استمرارية هذه الموضوعات فمنها ما هو ذاتي، وما يتشعب ويلامس الكثير من القضايا والهموم العامة، كما أن للشاعر حرية الكتابة في الموضوع الذي يراه مناسباً .
وتتوقف تريثوي عند كثير من الحركات الشعرية التي كانت سائدة في ما مضى، وعلى رأسها حركة الشعر الإفريقي – الأمريكي التي كانت بمثابة إنجاز أدبي كبير في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، وتناولت مواضيع الاسترقاق وتحسين وضع السود في المجتمع الأمريكي، فضلاً عن المعاملة المجحفة لهؤلاء أو ما يعرف بالعزل العنصري، وتتذكر ريثوي في هذا السياق الكاتب والروائي جيمس بولدوين (1924 1987) الذي جسد تجربة الأمريكيين السود في خمسينات القرن الماضي، وحركة الشعر الآسيوي – الأمريكي، واللاتيني – الأمريكي التي عبرت عن هواجسها في فضاء من التعددية الثقافية، أما الان فلا يوجد حركات مؤثرة باستثناء ما يعقد في المحترفات الشعرية ويحاول أن يقدم محاكاة لهذه الحركات، لاسيما الشعر الإفريقي – الأمريكي ويتم في أجواء أكاديمية وحلقات شعرية يدعى لها عدد من الشعراء المعاصرين كديريك والكوت وغيره .
حول فهمها للشعر وما إذا كان يتطلب قوانين أو مجموعة نظم ونظريات يجب الالتزام بها أثناء الكتابة، تؤكد ناتاشا تريثوي أنها أثناء الكتابة الإبداعية غالباً ما تلزم بتلك الاستجابة الداخلية للشعر، على أن الشعر بوجه عام يحتاج إلى بعض المعايير والضوابط التي غالباً ما تكون مفهومة عند الشعراء والنقاد والمتذوقين، هذه المعايير لها علاقة بتوظيف المجاز واستخدام لغة مختزلة ومكثفة، وهذه هي قوانين الشعر الأساسية، حيث تؤكد تريثوي أنها حين تقوم بتدريس الطلاب تحرص على تقديم فكرة عن كيفية كتابة الشعر، إذ يجب أن يتوفر أولاً عنصر الشغف بكتابة الشعر، من بعده يأتي كيفية توظيف المجاز وكذلك استخدام عدد أقل من الكلمات والعبارات، التي تعكس المضمون الذي يود الشاعر أن يعبر عنه، أما الحديث عن نظريات صارمة للشعر فهو أمر مبالغ فيه وليس ضرورياً على الإطلاق .
تقول تريثوي: “في قصائدي على سبيل المثال أستخدم نوعاً من النظم الفنية مثل السونيتة وتكرار البيت الشعري وعدة تأثيرات متنوعة، وهو ما نلمسه في غير قصيدة مثل “حادثة” التي أتذكر من خلالها حادثة حرق المرجة العشبية لجدتها”، في القصيدة جرعة من الغنائية التي شعرت تريثوي أنها متورطة فيها، وهو نوع من كيفية تذكر حادثة الاحتراق أكثر من كونه دخولاً في الحادثة نفسها .
تضيف تريثوي: “أستخدم أحيانا بعض العبارات والاقتباسات من مصادر مختلفة كتوظيف مقاطع شعرية لتشارلز رايت مثل “الذاكرة مقبرة زرتها مرة أو اثنتين”، هذه العبارة التي رأت تريثوي أنها كانت مهمة لجهة الاستفادة من فكرة تدوين التاريخ المنسي للأمريكيين .
في السياق ذاته تستشهد تريثوي على ذلك بما تقوم هي بتدريسه لطلاب الشعر من خلال مساق الكتابة الإبداعية في جامعة ايموري، حيث تعمل على تأهيل الطلبة ليكونوا على دراية بفن الشعر باستخدام نماذج متنوعة من الشعر القديم والحديث وأيضاً بتكوين حلقات إلقاء وورش عمل خاصة بهذا المساق .
وحول اطلاعها على خريطة الشعر العربي وما إذا كانت توقفت عند أسماء بعينها أشارت تريثوي إلى أنها قرأت القليل كما سمعت عن محمود درويش لكنها لم تقرأ له .
وبصدد رؤيتها للأهمية التي حصل عليها ديوان “حارس محلي” الذي مكنها من الحصول على جائزة بوليتزر تقول تريثوي “ما جعلني أنجز ديوان “حارس محلي” هو شعوري أن هناك جزءاً مهماً من التاريخ الأمريكي قد تم تجاهله، بل هو ليس بارزا بما فيه الكفاية في كتب التاريخ الأمريكي، كما أنه مجهول لطلاب المدارس، وهذا التاريخ ربما يعود في بعض مفاصله إلى حوالي 200 سنة من تاريخ نشوء الدولة الأمريكية، لذا فإن “حارس محلي” يتحدث عن هؤلاء الجنود السود الذين هم أمريكيون بالطبع، والذين صنعوا جزءاً من هذا التاريخ، وهناك الكثيرون من الشعب الأمريكي ممن لا يعرفون أن حوالي 200 ألف أمريكي من أصل إفريقي قد شاركوا في الحرب الأهلية، جنودا وبحارة مع قوات الاتحاد وأن الكثير من هؤلاء قد ماتوا دون أن نتذكر أسماءهم، وأن كثيراً منهم مع الأسف قد تعرضوا لسوء المعاملة وأيضا القتل من أقرانهم البيض .
من أشعارها
مقبرة البلوز
(هطلت الأمطار طوال الوقت
أمطرت من الكنيسة إلى اللحد
كان صوت أجوف يبتلع الطين من أقدامنا
الطريق الذاهب إلى البيت كان مثقبا بالفتحات ذلك البيت – الطريق السائر نحوه كان مكتملا بالثقوب
ومع أننا كنا نبطئ في السير، فقد استمرت عجلة الزمن بالدوران) .
مرثية للحراس المحليين
(نصف تذكار حجبته الريح عن الرجال الذين خدموا هناك،
نصب مصنوع لبعض من ماتوا
في الداخل حيث لحقنا الكشاف، متعجلين لكي نصل إلى الشاطىء . أخبرنا عن
القبور الضائعة في الخليج، والجزيرة المشقوقة إلى نصفين بإثر اعصار كاميلي،
فأرانا الملاجئ، المدافع، المحلات التي تبيع التذكارات ورموز التاريخ المدفونة هناك .
ابنة الاتحاد
وضعت لوحة هنا، في مدخل الميناء
كل أسماء جنود الاتحاد برزت منقوشة في البرونز، لا أسماء منقوشة للحراس المحليين
جنود الكتيبة الثانية السود من فرقة رجال الاتحاد .
هؤلاء ماذا نصبنا لتراثهم؟) .
الشعرالإفريقي – الأمريكي
أنتج الأمريكيون السود المعاصرون قصائد جميلة جدا ذات مواضيع متنوعة شعراً ومسرحاً ومذكرات مثل كتابات مايا أنجلو التي لها قصيدة بعنوان “أعرف لماذا يغني في قفصه العصفور” ولها مجموعات شعرية مثل “أعطني كوب ماء بارد قبل أن أموت” في عام ،1971 وكان الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون قد اختارها لتلقي قصيدة يوم تسلمه الرئاسة الأمريكية في 30 يناير 1993 كما حدث تكريم آخر للأدب الزنجي في أمريكا باختيار ريتا دوف شاعرة الولايات المتحدة عام 1993 وهي التي فازت بجائزة بوليتزر لعام 1987 عن مجموعتها الشعرية “توماس وبولا” وفيها مجدت ذكرى جديها عبر عدد من القصائد الغنائية .
___________
*(الخليج) الثقافي