جمال القيسي*
( ثقافات)
الدافع الأكبر والجوهري الذي يعيدني إلى “جمال ” اسمي هو عتب والدتي التي رجعت لها من الإمارات باسم جديد- “قيس الدمشقي”- فأعلنت أنها غير موافقة. وذكرت أنها نادتني بـ”جمال ” أربعين عاما ويزيد ولا تحب أجمل من هذا الاسم الذي “يجمع كل المعاني العظيمة “، وأوجعت القلب وهي تسألني بلوم مرّ عن سر جرأتي على تغيير اسم اختارته هي وأبي لي بالتوافق العذب! وقد ذكّرتني بالموسيقى المترادفة التي جاءت من ورائه ليتناغم مع اسم شقيقتي “نوال” التي تكبرني بعامين، وهزت رأسها بألم : “جمال ونوال”! فأحسست بأني فرّطت في ثمين، ورأيتني في حرجٍ نفسيٍ شديد لاسيما وأني أحب هذه الشقيقة -التي نسيها الزمن ولم أنسها لحظة -أكثر من دمشق وعَمّان وعواصم الكون كلها!
لم أكن قادر على البوح لها بأن شمس الصحراء قد استشرست فوق محيا فتاكِ يا أمي وما عاد يدري هناك هل سباه الليل اسمه؟ أم بُدّلت نجوم الاهتداء إلى صوتك يناديني فتهت في دوامة تغيير اسمي كي أغيّب قليلا صوت ندائك الجارح “سايق عليك الله ترجع”. لم أقو على القول لها إني سلبتني الريح لون الصباح فصرت مفتونا بالاختباء وراء كل حرف يلهج به وجدي ويقيني ولم أقدر على الفيض لها أن اعتقادي بأنك ستغفرين كان حادي ركب معصيتي في النأي عنكِ غارقا في الوجع الشامي الذي ظل يأتيني سيوفا تجرح جبين فرسي.
وكان أكثر من شهرين مرّا وأنا أحاول “التمتع” باستعمال حقي الطبيعي بتغيير اسمي إلى “قيس الدمشقي” ولم أتمكن من ذاك “التمتع” ساعة واحدة، ووقع في روعي وأم عين يقيني أني أوقعت نفسي في مشكلات لا حصر له على الأصعدة كافة. ليس أقلها الهدر الكثير من الدقائق في شرح أسباب ومسببات تغييري اسمي لكل من يلتبس عليه الأمر سواء من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين أعرفهم وأتعامل معهم.
ولقد رأيتني مشغولا في تصحيح اسمي على ألسنة الأصدقاء المرة تلو المرة في الجلسة الواحدة ما جعل المسألة تبدو مثل نكتة “إبريق الزيت” التي لا أتذكر منها إلا أنها لا تبدأ إلا كي لا تنتهي؛ وخلاصتها أن راوي النكتة ينتهي بعد كل شرح طويل لعبارته بالقول: ” أم أنك لا تعرف قصة إبريق الزيت” ويعيد العبارات التي قالها مضيفاً لها عبارة جديدة على نحو ممل ثم يعود ليسأل الشخص فيما إذا كان لا يعرف قصة اسمي!
بلى وأكثر؛ وإني لأسترجع نصائح بعض الأصدقاء الذين رفضوا الاعتراف باسمي حين غيرته ابتداء على الفيسبوك وتويتر فقط من حيث قولهم إني صرت مشهورا بما يكفي لجعل التغيير باسمي نقطة سلبية تسيء لمنجزي الإبداعي!(هذا قولهم) وأتذكر أن جوابي كان بأني أشكر اعترافهم الشخصي بمنجزي ولا يهمني منجزي! بلى وأتذكر أني أسرفت بالقول إني مستعد للانطلاق من جديد إبداعيا بمنجز جديد وسيحملني اسمي الجديد!
وأذكر من طرائف الاسم أن بعض الايميلات كانت تأتيني باسمي الجديد وفي ثناياها يرد اسمي الحقيقي وكنت أظن الأمر مداعبة او من باب المماحكة لكني تيقنت أنه يلزمني ربما عشر سنين لتثبيت اسم الدمشقي في ذاكرة أقرب الناس إلي لا أبعدهم عني..أكون حينها قد تكلمت عدة سنوات عن دوافع تغييري اسمي وأدافع ببراءة كالأطفال عن هذا الحق.
أشكر كل الذين وافقوا على تغييري اسمي ونادوني به وغيروا اسمي كما أحببت واخترت، وأخص بالذكر صحيفتي صحيفة “في المرصاد” و”القدس العربي” و “الرؤية” وموقع “ثقافات”، وأشكر تفهمهم لي على عودتي لاسم سمتني به أمي ويترادف جرسه مع اسم الشقيقة الحبيبة الغائبة في وجع النفس. كم كنت أتمنى لو بمقدوري “تجاوز” ما تأمر به أمي ، لكني ضعيف أمامها وأحب هذا الضعف ولا أتمنى أن يغادرني ؛ فمن هذا الضعف أستمد قوة قلبي وصبري لأقول بأن من وافقوا على تغيير اسمي هم أنس راقون جدا وهم الذين سيستوعبون معنى ضعفي أمام أمي. لهم الشكر ولمن لم يقدروا على تفهم رغبتي في ذاك التغيير المعذرة وتفهمي.
وستظل دمشق مقصدنا وإن طال السفر؛ هي عنوان نقائنا ووعينا نلهج لها بقديم أسمائنا وجديدها أن لا يغادرها الجمال والمطر ولا ينقطع عن صباحها الياسمين والإشراق، وإنّا معها حتى تنادينا أو نهلك شوقا لندائها البعيد القريب!
* كاتب من الأردن