*
تعد الرسوم المتحركة أحد الفنون المجهولة والمهضوم حقها. هذا الفن الذي ينافس الأفلام المصورة في القفز الحر إلى أعلى درجات الخيال، وفي كمية التشويق، وفي إنطاق الحيوان بما لا ينطق به في الحالات العادية، وفي صناعة أبطال من عالم غير مألوف، عالم الحيوان والجمادات بشكل طفولي عذب، تحل فيه أرواحنا في حالة براءاتها الأولى بشكل مذهل تستكين أمامه الحواس وتتجلى روح الطبيعة البكر في أصفى وأندر حالاتها، حيث نصغي إلى وشوشة الكائنات التي تملأ الكون، ولكن بشكل مسموع وذي مغزى جوهري يبيّن لنا أننا لسنا وحدنا العقلاء في هذا العالم، ولسنا وحدنا الذي نعيش فيه.
هذا الفن له سطوته على خيال الصغار والكبار معًا إذا آمنا أن كل كبير داخله طفله الصغير، الذي يتربع على عرش شخصيته من دون أن يدري، هناك في عقله الباطن، يختلس لحظات المرح من حين إلى آخر من دون أن يدري أحد، وسط صرامة الحياة وجفافها وشدة قوانينها.
إنه فن راقٍ يستخدم لأكثر من هدف، على القنوات الأجنبية سنجده وعلى قنواتنا المحلية والفضائية سنجده، وعلى القنوات الدينية سنجده أيضًا، فإنه يُستخدم إما للتسلية وإما لتفريغ طاقات الصغار بشكل منظم أو لإشعال الخيال وتوليد الطاقات الفكرية الكامنة من عقولهم، أو لتعليمهم أمور دينهم بشكل حديث يتماشى مع لغة العصر من دون وقوع في المحاذير المختلفة.. هذا الفن البسيط إلى أقصى حد يستلزم جهودًا عملاقة وراءه، وتمويلاً ضخمًا جماعيًا يتبناه كمشروع نهضوي بسيط، ومن كل هذا تأتي أزمته.
تاريخ الفن
كان ظهور أول فيلم كارتوني روائي طويل عام 1937 وهو سنو وايت والأقزام السبعة.. أما عن طبيعته فيقول علي مهيب والذي يعد رائدا من رواد الرسوم المتحركة رسما وتصميما يقول: إن فن الرسوم المتحركة ينقسم إلى نوعين من الناحية التقنية وهما: المسطحة.. أي التي لها بعدان فقط الطول في العرض وليس لها سمك، وهي بدورها تنقسم إلى رسوم متحركة مسطحة مرسومة يدويًا، ويطلق عليها تقليدية، ورسوم متحركة مرسومة بالكمبيوتر «2 noitaminAD» أما النوع الثاني فيطلق عليه الرسوم المجسمة، وهي أيضاً تنقسم إلى نوعين.. التجسيم بتصوير الحجوم مثل العرائس، وفي حجوم وليست رسومات، أي أنها مجسمات حقيقية في الواقع يتم تصويرها صورة.. صورة بالكاميرا ليحدث ما يسمى بالتتابع الحركي، النوع الآخر وهي المجسمة رقميًا «noitaminA D 3 latigiD» وكلمة «noitaminA» في الإنجليزية مساوية عندنا لكلمة الرسوم المتحركة، ولكنها تعني حرفيًا في اللغة الإنجليزية الإحياء، أي إضافة الحركة لشيء ما، ويسهل أن نقول على الرسوم المتحركة إنها ليست فقط رسومات، وإنما أيضًا حجوم وخلافه، والذي يجمع بينها لكي يطلق عليها رسوم متحركة، هو أسلوب التصوير وإضفاء الحركة، والذي يتم عن طريق لقط صورة.. صورة وتعرض بتتابع بينما الرسم الذي يتم لأيِّ شخصية يقوم على أساس جعل هذه الشخصية في وضع حركي له بداية ونهاية، ثم يحرك ما بينهما فيحدث عن العرض التتابع الحركي الذي نشاهده على الشاشة، وذلك وفقًا لنظرة اعتماد العين على الرؤية.
أما عن تكاليف العمل فلا يمكن أن تحدد ببساطة، ولكن يعتمد ذلك على المخرج والسيناريست المحرك، بالإضافة إلى مدة عرض الفيلم وعدد الشخصيات، وطبيعة رسم الشخصيات، فالنمر المنقط على سبيل المثال يتكلف أكثر من الدب؛ وذلك لتكرار رسم تفاصيل جسم النمر في كل لقطة، فبعض الأفلام الأمريكية الطويلة على سبيل المثال تتراوح تكلفتها ما بين 50 إلى 120 ألف دولار، فالإنتاج يعتمد على هوية الفيلم وطبيعته وفكر المنتج نفسه، وعامة تستغرق الأفلام الطويلة مثل «الأسد الملك» على سبيل المثال قرابة الثلاث سنوات، أي أن إمكانية إنتاج كارتون محلي يتطلب مبالغ طائلة وإمكانات كبيرة، إضافة إلى أهمية التعبير عن تراثنا في أفلام الكارتون، فقد أنتجت مصر أفلامًا كارتونية للأطفال مثل «بكار»، و«السندباد»، وغيرهما إلا أنها لم تلقَ الانتشار الذي تلقاه مثيلتها الغربية، وذلك بالرغم من جودتها وقدرتها على المنافسة؛ ويرجع ذلك بصفة أساسية لقصور التوزيع.
ويشرح د. علي سعد مهيب أستاذ الرسوم المتحركة مراحل تحريك الرسوم المتحركة التقليدية قائلاً: يبدأ العمل بفكرة لدى الجهة الإنتاجية التي تنوي تمويل الفيلم، ثم تذهب بهذه الفكرة إلى المخرج الذي غالبًا ما تكون له رؤية خاصة، وغالبًا ما يكون فنانًا تشكيليًا، ولكن في الآونة الأخيرة لم يعد بالضرورة أن يكون المخرج فنانًا تشكيلياً، ولكنه يجب على الأقل أن يعي بصورة جيدة قيمة التشكيل، ثم يأتي دور السيناريست أو كاتب السيناريو ليحول هذه اللقطة القصيرة إلى مشاهد، على سبيل المثال يبدأ الفيلم باستعراض عام للشارع قطعًا.. وهكذا، ويقوم السيناريست بتحويل السيناريو المكتوب إلى سيناريو مرسوم إلى أن نصل إلى ما يسمى بـ draob yrotS» أو لوحة القصة المرسومة، أي أن السيناريو المرسوم للفيلم، وكل فيلم يقسم إلى مشاهد، وكل مشهد إلى لقطات متتابعة، ثم توضع على الحائط في وضع تتابعي للقطات الفيلم، ليكون في متناول المخرج الذي يستطيع إضافة ملاحظاته وتعديلاته إلى أن تكتمل الفكرة.
أدوار عديدة
ويجب الإشارة إلى أن دور المخرج مصاحب للعمل من البداية للنهاية، ولا يتوقف إلا بتسليم العمل للجهة الإنتاجية، وعلى هذا فبعد كتابة السيناريو يأتي دور المخرج ورؤيته الخاصة، حيث إن له رؤية تشكيلية ورؤية فكرية تتعامل مع الكلمات، وتحوّلها إلى صورة وصوت، فالمخرج يمثل الإبداع في العمل الفني، فهو الذي يحدد طبيعة الشخصيات وعددها وملابسها لإضافة مزيد من التأثير للفكرة.
ويضيف د. علي سعد مهيب: يجب ملاحظة أن مدير الإنتاج دوره يختلف عن المنتج، فالأخير ينحصر دوره في تمويل العمل، أما مدير الإنتاج فهو الذي يتابع إنفاق الأموال، وهو المسئول أمام المخرج بتجهيز كل ما يطلبه المخرج ويحتاج إليه لإتمام عمله، وبعد الوصول لمرحلة «draob yrotS» أو التصميم المبدئي للسيناريو كما تم الإشارة إليه مسبقًا يبدأ انتقال العمل إلى مصمم الشخصيات، وراسمي الخلفيات، ويقوم مصمم الشخصية بدوره بناءً على السيناريو، فمثلاً لو ذكر في السيناريو دورا لولد شقي، فيجب أن تظهر ملامح الشقاوة شكلاً ورؤية على وجه هذا الطفل، وكلما نجحت في رسم الشخصية وتصميمها أثرت في المشاهد، ثم تأتي أهمية تصميم المكان الذي يحوي هذه الشخصية، ويجب مراعاة جانب على قدر كبير من الأهمية عند تصميم المكان، هو عدم تغليب تفاصيل المكان على الشخصية، بل يجب أن يغلب حضور الشخصية على المكان، مع مراعاة ألا ننتقص من تفاصيل المكان؛ حتى لا تجذب العين لإحداهما وتترك الأخرى.
________
* وكالة الصحافة العربية