*حميد سعيد
يسألُ عوليسُ .. إلى اين سأمضي؟
لامكانَ لي..
وليسَ لي من سفنٍ تُعيدني إلى فردوسي البعيدِ..
إيثاكا.. التي تعثّرت بأبجدية الأحلام
لو عدتُ إليها..
مَنْ سيعرفُ القادمَ من متاهةٍ خرساءْ؟
عامَ ركبتُ البحرَ..باتجاه ضفةٍ أخرى..
وجدتُ الضفةَ الأخرى..
تعدُّ ما يُعَدُّ للرحيل ..
فإلى أين سأمضي؟
لامكانَ لي..
بنيلوب ماتت.. واستُبيحَ نولُها
المياهُ فارقتْ لغتها الأولى..
تصحَّرت ضفافُ آخر القصائد البيضِ..
غزاها الرملُ والرمادُ..
وادّعاها السادةُ السماسرهْ
. . . . . .
. . . . . .
تقتربُ البحارُ ..
من أولئك الذين سطّروا الملاحمَ الأولى..
على طين البلادِ
يهربونَ..
أغلقوا الأبوابَ في المنافي..
واستجاروا.. بانتظار ما سيأتي..
كنَ عوليسُ هو الوعدُ الذي صارَ بعيداً
إذ رأى أقراطَ بنيلوب .. تُباع..
اختلط ال..
وصار كلُّ وغدٍ يكتب اسمه.. في العشرةِ المبشَّرهْ
في ضنكِ الحدائقِ المهجَّرهْ
تُحَرَّمُ الألوانُ.. هذا شجرٌ مغتربٌ
يُعَدُّ في مهجره الكئيب.. من سلالة الأقنانْ
كان الأخضرُ الرزينُ في طريقه إلى منازل الأصحابْ
غيرَ أن الريحَ أوقفتهُ.. فمضى..
منكسراً..
على امتداد الغاب.. كانت الذئابُ
تعوي.. والطيورُ في ارتيابْ
من ذا الذي يُدِلُّ عوليسَ..
ومن سَيُطلِقُ الأمواجَ من قيود الملحِ..
مَنْ يُحَرر الإنسانَ من هذا الهراءِ
مَنْ سيُبعدُ الصَبا الجميلَ.. عن نشاز الندب والبكاء ؟
. . . . . .
. . . . . .
تلوحُ إيثاكا.. كما ودّعتُها من قبلُ
لكنَّ الذي يلوحُ لي.. ليس الذي كانَ
متى تعودُ إيثاكا.. إلى أيّا مها..
إليكَ..
انتزعت طروسَها الظلالُ..
وتعثَّر التاريخُ..
هذه مدينةٌ أخرى.. وقد تكون كذبةً أخرى
وقد تكونْ
لها على عوليس ماله عليها.. وبها من الجراح مابه..
وبانتظاره..
تؤجِّلُ اقترانها بما تبقى من ملاحمٍ..
وبانتظارها.. يؤجِّل الرحيلْ
بعيدةٌ حدائق الأحفاد..
من سيجني ثمراً مخاتلاً .. منها
ومن يدقُّ باب الريحِ.. من يفتحُهُ ؟!
يُطِلُّ من ذرى منيعةٍ..
يرى ما تفعلُ الإرضَةُ بمدائن الأجدادْ
بعيدةٌ حدائق ُ الأحفاد..
لا أراها..
اغتربت مياهها.. واغتربت طيورها.. واغترب المطرْ
من أيِّ بابٍ في خريفها سيدخل الشجر؟
. . . . . .
. . . . . .
؟
كلَّما اقتربتُ من أسئلتي.. تبعدُ إيثاكا
تعبتُ..
كلّما اقتربتُ منها.. ابتعدَتْ
ماعدتُ أختارُ العشيّات لألقى من أُحبُّ..
في رحابها..
أو أُبعدُ العناكبَ الفظّةَ عن أبوابها
تغدو الكوابيسُ إذا ما اقتَرَبَتْ منها..دليلاً حذراً
في ليلها أرى الدمَ المُراقَ في عليائه..
على القبابْ
وفي النهار..تملأُ الشوارعَ الخائفةَ الذئابْ
أيتها المدينة التي ما دجّنتها الخطبُ العصماءْ
ولا العمائمُ التي يضجُّ في طيّاتها الرياءْ
ولا الأكاذيب التي تئنُّ منها..الكتُبُ الصفراءْ
لربّما يدقُّ بابَ الريحِ عوليسُ.. افتحي
أيتها المدينة التي.. تسهرُ بانتظاره..
الأبوابْ
_____
*(القدس العربي)
شاهد أيضاً
ليتني بعض ما يتمنى المدى
(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …