صفاء ذياب يكشف الوجه الإنساني للحرب


*

في ديوان الشاعر العراقي صفاء ذياب “ثلج أبيض بضفيرة سوداء” لا تطل الحرب بوجهها التقليدي وإنما عبر بوابة قصائد تمنحها أبعادا إنسانية أكثر عمقا من مجرد إعادة سرد صور يعرفها من شهد الحرب التي “لا تمنح مجالا للعاطلين”.

فالحرب التي أصبحت من طول الرفقة أو العشرة على مدى ثلاثين عاما تتخذ من المشاهد المتوالية مسرحا لاستعراض “مآثرها” بل إنها “تتأنق كل يوم… الحروب تهب الغنائم للجنود والقاعدين-فتعطي الجنود موتا يليق بالبنادق-والقاعدين مستقبلا من الكراسي الخشب”.

ويبدأ الديوان بقصيدة “الحرب.. في طبعتها الأخيرة” وتقول سطورها الأولى “أنا الرابح الوحيد في هذه الحروب-كلما دخلت حربا خرجت منها مدججا بالأرامل” ثم تستعرض الحرب بخيلاء هباتها.

“فتحت سوقا لبيع الأيدي والأرجل والأصابع-وفي خزانتي آلاف الرؤوس-وعلى أطراف الساحات يتجول رجال يبحثون عن أطرافهم الضائعة-لقد سرقتها الحرب وأهدتهم مهنا لا يتقنها أحد-إنها الحرب-لم تترك مجالا للعاطلين”.

وديوان “ثلج أبيض بضفيرة سوداء” صمم غلافه سامح خلف وكتبت نصوصه بين عامي 2009 و2012 ويقع في 92 صفحة متوسطة القطع وأصدرته “الدار العربية للعلوم ناشرون” في بيروت.

والديوان هو المجموعة الشعرية الخامسة لذياب (38 عاما) الذي يقيم حاليا في النرويج بعد أن “درس الماجستير في الأدب العربي في جامعة البصرة وأكمل السنة السنة التحضيرية فيها بتفوق إلا أنه لم يستطع إكمال رسالته لاضطراره للخروج من العراق” عام 2008 كما يسجل تعريف به في الصفحة الأخيرة.

وباستثناء القصيدة الأولى “الحرب.. في طبعتها الأخيرة” وهي الأطول فإن قصائد الديوان تميل إلى القصر ومنها قصيدة “أحلام” التي تقول “كل يوم لي أحلام على هذه الأرض-لكني كلما صحوت-خانتني الذاكرة”.

ولكن الذاكرة لا تخون الشاعر دائما إذ تذكره الحرب بنفسها –اسما صريحا أو مشاهد كابوسية- ولا تمنحه الطمأنينة وهو في قارة أخرى..

ففي قصيدة “وجهي” يتلمس ملامحه بدهشة من يرى وجها آخر ويكتب هذه المفارقة.. “لكني أتذكر آخر مرة رأيته فيها كان نديا وعضا-لم تمر عليه سوى ثلاث حروب-وحصار وثلج يتساقط-لماذا إذن كل هذه الندوب؟-لم تدن منه سوى رشاشتين ومسدس وعدد قليل من القنابل اليدوية-ولم تنفجر بالقرب من مفرشه سوى خمسين سيارة مفخخة-ولم تطل عيناه النظر بآلاف الجثث-فلماذا إذن كل هذه الندوب؟”.

ويبدو أن الذاكرة خائنة فبمرور القصائد تتسرب ذكريات الحرب التي يستبدل بها صمتا ووحدة وبرودة كما في قصائد “وحيدا في هذا الظلام” و”حياة صامتة” و”ظل واجم” و”امتحان لشتاء قادم” و”ثلج… ثلج” و”هدوء” و”لا ظل لي” التي يقول فيها “لا ظل لي على هذه الأرض-فالشمس وارفة جدا في الغياب-فيما تتكاثر البياضات-تفترش الشمس سجادتها وتذوب-تذوب بين الأصابع”.
__________
*(ميدل ايست أونلاين)

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *