الأشرعة السجينة


*صلاح أبو هنود

(ثقافات) 

في طريق عودته من المطار بكى كثيرا لفراق ابنته ، كانت أول مرة تغادر فيها البيت دون عودة سريعة، لم يكن بإمكانه الاعتراض لأنها ستلتحق بزوجها في بلاد الغربة.
حين دخل المنزل وكان بالطبع فارغا منها ، رجف رجفته الكبرى واتَّحد خفقان قلبه مع تدفق دمعه ، اهتزت أقدامه فدلف إلى غرفتها واستلقى في سريرها كما كان يحب أن يفعل دائما. من خلال دموعه نظر في الحائط الملتصق بحافة السرير والذي كانت تكتب عليه لغة خاصة بها لا يفهمها غيرها ، لماذا تركت أسرارها على حائط من حجر ولم تستودعها في جدار قلبه !!! استدار عن الحائط الى الجهة المقابلة وإذا بالعصفور الذي شاركها الغرفة فترة طويلة ، منذ بدأت تلك الكتابات يرتجف مثله ويصدر أصواتا ليست كزقزقته الطبيعية ويتحرك مثقلا داخل القفص ،مركِّزا نظره تجاه الحائط ،، يا الله !! أيقرأ لي العصفور سطورها ورموزها ؟؟ ، أو ربما كانت تكتب ما يمليه عليها العصفور ولهذا كتمت سرّه ولم تخبر أحدا بذلك ؟؟
هل كانت تفهم منطق الطير ؟؟ 
في هذه اللحظة خطرت بباله فكرة مجنونة : لماذا لا يطلق العصفور من القفص ليلحق بمن يحب ، حمل العصفور بين يديه، عيونه ما زال يزدحم فيها الدمع ودَفعه في الهواء بقوة ، كان واثقا أن العصفور سيطيرفي الاتجاه الذي أراده – وهو القِبلة حيث رحلت ابنته – شعور جميل بالإرتياح سيطر عليه تخيل اثناءه وجه ابنته فرحا بوصول العصفور وهو يطل عليها من الشباك ، مسح دموعه بكفه ونظر في السماء، ظانا أن العصفور قد قطع مسافة مناسبة .
فجأة سمع صوت صراخ معركة بين القطط التي تتجمع عادة أمام منزله حين يخرج من باب المنزل حاملا لها بعض الطعام، نظر إلى الأرض فرأى قطا ضخما يلتهم العصفور الصغير، صعقته الدهشة ثم الخيبة ، لعن نفسه لسوء تقديره وجهله رغم إدعائه أنه موسوعة علميه ، كيف لم يدرك أن العصافير حين تسجنها مدة طويلة : 
تفقد القدرة على الطيران.
________
* مخرج وأديب من الأردن

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *