الجوع …..!


إيناس عبدالله *

( ثقافات )



كلنا نخبئ جوعنا النهم كما نخبئ سرقتنا الاولى ، وتحرشنا الاول ،وباقي الاسرار غير المعلنة ومعظم مبادئنا الراديكالية!
،إن الاستمرار في الجوع متعب وعابث لكن ذلك لم يمنعني من تدريس اولاد الصف الثالث ، والتفكير في اللامجدي دون إشباع، جنبا الى جنب مع ارتياحي لوجود منفس لغضبي الوحشي ، كانت شتائمي اعلى من ناطحة سحاب، وهذياني واضحا، اذ اخلط بين اللغة العربية المبسطة لطفل الثالث الابتدائي ،وما قرأته من فصول روايات ،على أمل ان أحول هذا الجيل من الحملان الصغار، الى جيل يتقن الفروسية ، ضحكوا وضجوا ولم يفهموا ،لكني ظللت اثرثر بلا انقطاع وقد وجب ان اسد فمي بقطعة طوب!
اشتكى التلاميذ لاحقا من حديتي واستهتاري بكرامتهم وبجماجم اجدادهم في القبور التي لم يروها، والتي وصلتها تهديداتي وشتائمي، وعبرت بغضب الى العالم الاخر!
لم اكن عنيفة هكذا يا ربي كنت زهرة لوتس في مستنقع نظيف نوعا ما ،انتظر ضفدعا مناسبا للقبلة، واعد العدة للهجرة الى اوروبا، رغم نعيق الستة غربان من الإخوة الاعداء في البيت ،واب وام يهيمان في واد القوت اليومي وضغط المجتمع
الخبيث ،وكلام الجيران عن العوانس امثالي اللواتي يتوارين في مهنة التدريس كي تكف الالسن عن الثرثرة، في الواقع اردت ان اخرج من البيت باي ثمن حتى ولو الى زريبة حيوانات، اعلمها الكلام الذي لن تنطقه مهما حاولت، لم اعد افكر بالبيت ولا بالمدرسة بل بالطريق،أي الفسحة الجميلة التي بين ثقبين أسودين في مجرة أوهامي!
كنت اتاخر متعمدة عن المدرسة، لكي ادخن في المقهى واسمع مقدمات التحرش ولكي اقرا الكتب ،وكنت ادخل محلات الملابس الداخلية كي لا انسى جسدي معلقا على المشجب في غرفة النوم التي اتشاركها مع ثلاث بنات سيقتللني لو تزوجت قبلهن، هذا بعد المدرسة،وحين أعود بدستة دفاتر تصحيح وأتوارى في ركن المطبخ القصي بعد الغداء
فإن احدا لم يكن ليتصور مغامراتي تلك او يحاول التحقق منها، والانفجار بوجي بكلمة لا، والتي صارت مانفيستو هذه العائلة المجنونة!
كنت أسقط كل غضبي ،على هذه الوجوه الغضة وكنت ابكي في الفسح ،مع السجائر، فضميري المثقوب ينز الآن محلولا ملحيا غريبا وخليطا من التوبة والنكران، فلم استطع الاستمرار في تعذيب مساكين صغار الى هذا الحد، فهم يعذبون في بيوتهم بما يكفي ويعذبون في هذه المدينة التي وجب ان تختفي مع اخر مد بحري جاء به القمر الغاضب الى هنا وكفى
فوضعت استقالتي على مكتب مديري، والتي لم يقبلها ،انظر اليه بعيني حورية بحر تناور قرصانا أعور ، ففي داخل هذا الكائن السمين والمتفرس في الملامح كنمر بنغالي،فنان حقيقي ،فحين كنت ابحث متلصصة عن تقارير كتبت عني
في استراحة الغداء قبل مدة، دخلت غرفته فيما كان غارقا في تفتيش مفاجئ من وزارة التعليم، فوجدته قد رسم نصف معلمات الصف الثالث الجميلات …عاريات !
لم يكن الرسم يشبه النساء اللاتي اعرفهن لكنه رسم صفة كل امراة بدقة
رسم الخبيثة والغبية والسمينة والحنونة
اما انا فكنت المفاجأة …اسوق قطيع دلافين لتنتحر على الشاطئ، عارية وزرقاء كالبحر!
لم أعط الامر اية اهمية………………
صحيح اننا اذا اردنا ان نعرف انفسنا جيدا، فيجب ان نراها من خلال عين، فنان ، او متلصص، او ذئب، ذلك لان هؤلاء الثلاثة وحوش، لديهم البروفايل الصحيح لشخصية كل منا والبرهان الكبير على ان البشر هم فنانين، ومتلصصين، وذئاب، هفواتهم التي تفضحهم ! لكنهم لا يعون لك ولا يصدقوه لاننا كلما ابتعدنا عن حقيقتنا المرة اكثر بدت الحياة سهلة ومقبولة اكثر !
اعتذرت لاحقا لاهالي التلاميذ وقبلوا اعتذاري ، وحدها المرأة التي تنظف الصفوف لم تسامحني وظلت تستغفر ربها كلما مررت،وتزدريني بسكب الماء القذر في طريقي، أما المدير فسامحني تلقائيا، لأنني ألزمه لإنهاء البورتريه الوحشي
الذي بدأ به قبل موعد الاجازة الصيفية، وها هو الان يسابق الزمن!
بعد ستة عشر يوما من اكتشافي، المذهل سقطت قذائف مدفعية على المدرسة ..!
كان المدير لحظتها يضع اخر اللمسات على البورتريه الفظيع الذي سيهبه لمعارض النسيان ،وكانت المرأة التي تنظف الصفوف تدعك زجاج الصف الثالث وتشتم ، وكنت انا امسك بيد طفله حرارتها مرتفعه فيما التلاميذ يركضون كما في قفير نحل حول الملكة ،وانا اخرج بهم من البوابة ليستلمهم ذووهم على الرصيف المقابل
ثوان قصيرة………. وانقلب العالم 
اعتبرت نفسي لاحقا مسؤولة عن المجزرة ،اذ اتتني النبؤات مجتمعة ولم اعرها انتباها
هبطت معدتي انشيين للاسفل وانا على طاولة الفطور، وامامي البحر محنطا في اطار النافذة، أسترجع اللحظات التي حذرني منها القدر بطريقة ما، لم لم استجب لحظتها لنداء الكائن المذعور فوق حجابي الحاجز؟
رايت لوحة المدير المذعور من شهواته ودماثة الذئاب المفضوحة في عينيه وهو يرسمني اسوق قطيع دلافين لتنتحر على الشاطئ
فلم لم اتبين الامر؟
لم احزن ولم ابك كالمجانين الا في اليوم الرابع بعد ان قامت متطوعه فرنسية بخدعة نفسية لاسقط كل دموعي دفعة واحدة ، وتخلصني من تكلس الحزن على جدران قلبي، لم تكتب إسمي على لائحة المنتحرات،فقد حدست ان المعتقل في جوعه لا يمكنه الموت دون شبع،دون تخمة،او دون مغامرة
واكتفت بابتسامة جلبتها معها من العالم السعيد حيث لا تسقط سوى ثلوج التزلج!
سألت عن المدير فقالوا انه اختفى تماما ويأملون بايجاده تحت الانقاض ، لكن الخوف من ان تتحلل جثته،حيث سيحيل المكان الى عذاب دائم ،لأنه غير موجود في قائمة الضحايا المنتشلين ولا الفارين الناجين ،مصيره معلق في الفضاء ماذا لو كان تحت الانقاض حيا ودخل في قلبه ناب جرافه تنتشل اطنان الحديد وما بقي من حطام المدرسة؟
طلبوا متطوعين لكي يلموا ايدي وارجل الاطفال ويلصقوها بالجذوع الصغيرة الممزقة وطلبوا مساعدتي ،اذ وحدي اعرف كيف كانت قدما رمزي وخصر دانا ووجه جود، وها هم الان يضعونني مكان رب في المشرحة سيقوم بخلق معكوس يداه ملوثتان بالدم ونخاع العظام والشعر والاظافر، وكل ما يسقط قسرا في غير أوانه من جسد بشري غض، و يواجه بتلك السخرية الفتية التي يرسمها الموت على الوجوه الجامدة ،فأغمي علي مرارا وتكرار ومع ذلك انجزت المهمة الالهية ودفن الاطفال باجساد كاملة!
بعد الامراياه لا يعود المرء الى حاله ، بل يتفنن في خوض غمار المغامرات الصغيرة، يتلذذ بالتهور،باحداث الفتن ،بالتخبط،يصبح شيئين متضادين في احتواء واحد!
كنت تقريبا اعيش قرب النافذة ،يقابلني البحر واتخيل دلافيني الصغيرة تحوم على الرمال ويتراءى لي صوت ضحكاتهم وبكائهم على الحلوى في الفسحات القليلة
رأسي مصاب ومضمد بالشاش ،وحين انظر اليه في المرآة استعذب موتي اكثر
اكتفى الموت بتقبيلي من بعيد ، وكذلك جارنا الارمل الذي بات عاجزا عن المضي مع امراة بسبب الفقر و ثمانية اطفال منهم ثلاثة باعاقات دائمة
:الابوة تقضي على الرغبة كالقنبلة التي اصابتك تماما
هكذا قال لي وهو يدفع بابنه المنغولي الى سيارة كامارو زرقاء في يوم بارد،وكذلك قبلت فتى في الثامنة عشرة وعدني بجلب بعض المخدر فدفعت له بالقبل واللمسات ثم صفعته بشدة وهو يحاول المساومة! كنت يائسة اهرب الى الشاطئ اتفرس في ملامح الصيادين العجائزو هم يشتمون البحر حين يخفي السمك داخل جوفه النتن ،سوف تنام المدينة بلا عشاء،كما تنام الجريمة في عيون الغرباء دون عقاب…………..
كان من المفروض ان يغويني بعد عام القنبلة هذا ،رجل يعزف على الغيتاركانه انبثق فجأة من البحر، أو أتى مع قطيع المواسين والمتضامنين ، لكن شظية قطعت عصب يده فتركته شبه مشلول يتدلى الغيتار برباط من عنقه ويتحدث بكمال وثقة في المستقبل، وكانه لم يحس باي رصاصة، ولم ير اية قنبلة في حياته ، ولا يعرف ان الحب نفسه كالقنبلة اياها ، شيئ يسقط من بعيد، يفتت، يشظي ويمضي ايضا ، وفي الحالات الهانئة يتحول الى زواج مرتزقة ، بجنرال الفصيل المعادي!
بدأت بكتابة رسائل في سنوية المذبحة
رسائل كثيرة،رسائل الى لا أحد بالتحديد،لكنها رسائل حقيقية وخطرة فحين 
تصبح الاشياء بلا ميزة واضحة تفقد معناها تماما ، كاعتيادي كتابة هذه الرسائل لافراغ شحنة صراخ الشياطين الذي يملأ راسي !
ربما لانني كلما مررت مما تبقى من ساحة المدرسة احس مديري في مكان ما تحت الارض، واسمعه يخربش على ورقة بيضاء بقلم الفحم الذي كان يحب استعماله بورتريهات لنساء احبهن في السر وغص بالعشق ،حتى لم يعد جهاز التنشق خاصته ان ينقذه من اختناقاته الليلية بالشبق!
صوت صدى الخربشة يتبعني اينما ذهبت ،كان يفعل ذلك كي يبقى رجلا عاقلا سيدا له عائلة ومدير مدرسة محترم، يروض الذئب الدنيئ الذي في داخله ولا يدعه يقترب من الحملان الا قليلا!
بدأ الامر بالرعب بعد فشل الرسائل اياها فلا بريد في الجحيم……….. 
وكتابة وصية هو نوع من الرعب المقنع اذ كيف وبأية صيغه سيقول المرء كلمته النهائية وهل الكلام سيعبر وسيحتوي ضجيج العمر الصادح؟
كانت وصيتي بسيطة،أن أقول كلمتي النهائية كوصية لموت مفترض
وصيتي ان لا ادفن في مقبرة، كي لا يبحث الذين احبهم عني طويلا……هراء، فالموتى بحاجة لأشواق الاحياء، حتى لا يفترسهم النسيان في اللازمن الذي يخيط حولهم شرانق من الوهم، الاحياء منتصرون،مهما وعد الموتى بالجنة او بتمسيدة من كف ملاك،الموت خسارة الخسارات،فما بالي ،إن كان الموت خسارة ستة عشر ابنا وابنة في لحظة واحدة!
كانت وصيتي ان ابقى في عزلة حية وميتة،لكن ذلك لم يدم ،إذ اصيبت رئتي بعطل دائم فازعجني السعال، كما اصبت بالبوليميا والانسومنيا ،واخترقت عزلتي
سحب اثر سحب من انواع الضجيج الكلامي والحسي وحتى الصمت اصبح ضاجا!
ولم يكن لدي ما اورثه لاحد غير سلسة ذهبية اشترتها لي جدتي من الحج فعدلت عن كتابة الوصايا،وتمنيت لو ينسى موتي كما نسيت حياتي تماما تحت الجحيم الذائب! 
متى بدأ جوعي يتعبنبي،يترصد كما لو سل أو طاعون،جوع لا يقتصر على طعام او عصائر، او طباشير الجير من نقص الكالسيوم؟ لا بل هو جوع طويل ومريب للغرف من طبق الحياة، ملذات وهوس مغامرات وخطر، كل ما يفنى بعض البشر في منطقة من الخردوات ولا ينالونه حتى! 
اردت كتابة اولى رسائلي لطبيبي النفسي العجوز الذي حولتني له الأونروا ،كان الوحيد الذي يمكنني ان اقول له انني جائعة جدا،لم يبتسم ابدا ولا رأيته يفعل ذلك،بل كان جادا جدا كاحدى النوبات القلبية التي كادت تغافله اثناء الجلسات
عزيزي الدكتور…………………
أريدك ان تعرف بأنك فشلت معي بشكل غريب، ذلك لأن جراح العقل لا تشفى يا صديقي، يمكنك خياطتها والتروي قليلا حتى تلتئم ،لكن الندبة تبقى مطبوعة للابد
ما الجنون سوى فوضى البراءة،والأبرياء أناس خطرون ولذا يتبرع امثالك لتطبيق قانون عقوبات ضد مرتكبي الهفوات الروحية المزدوجة المقبولة والصادمة وبالفعل تنجح في ضبط الفوضى والشغب، وتتقاضى رواتب خيالية كي تعيدني الى اجادة الكذب والنفاق والتملق والتمنع والصد والجد والهذر والتلون وكل الصفات العاقلة جدا جدا جدا
والتحايل على كبتي المخزي، وعلى الألف صوت في قاع الجمجمة ، والتحكم في اشتهاء الرجال المصابين بعاهات الحروب، بسبب ان اللاوعي يدل على شرف وطيبة وادمان نوع معين من الفروسية القائمة على تقبل الاخر الجريح ومحاولة اصلاحه كنوع من الاحساس العميق بالذنب مرده الى الطيبة المزيفة!
واظن انك يوم قلت لي ذلك انفجرت ضحكتي كقنبلة في وجهك، نعم كل الذين احببتهم لديهم عاهات من هذا النوع اما جسدية، او نفسية، لا يمكن ا ن احب رجلا يتمتع بصحة كاملة!
لانني اعتقد بانه لا يستحق الشفقة تماما كثور المصارعة المنذور اصلا للموت، اما التينور الجريح فشيئ اخر يا ربي!
تصنع مني صنم الثلج البهيج في الاعياد يا خريج كامبيرج، وانت تعرف اية براكين تغلي تحت جلدي المثلج! واية ورود كاذبة وهشة تسد الفوهة!
فانا مصابة بالكذب المرضي منذ طفولتي، وانا انجح بالتخطيط لاغتيالات خيالية للعائلة، اغتيالات ليست لها علاقة بالكراهية ابدا فانا احببت كل عائلتي بدون استثناء، لكن كان يحلو لي دفنهم والبكاء عليهم خصوصا حين اتعرض للظلم والتأنيب ،ثم يروق لي احياءهم في اليوم التالي حين يكون مزاجي رائقا غالبا بسبب الفيتامينات التي كانت امي تتاكد من انني ابتلعتها تماما، ولا اغش في اخذها، فتفتش تحت لساني وفي جيوبي و حتى جواربي بحثا عنها!
تريد يا دكتوران تعيد لي روعة الصمت الأخاذة والإنكسارات المغرية في العيون والهدوء الاجباري المقيت وقد تعرضت لتفتيش في الجوارب!
لكن ذلك لا يدوم طويلا كما تتمنى ،فانا لست بمجنونة ولا ببريئة في حالة فوضى
كل ما في الامر انني لا احب ارتداء الجوارب الا لاخبئ فيها ادوية عتيقة كما انني اشحذ عقلي كسكاكين الطهاة ولا احز به سوى رقبتي أنا!
.وجب علي أن اشهد مجزرة معينه،نعم حصل ذلك وهو فظيع
لكن لم لا استطيع أن أتقدم خطوة دون ان احس ان هناك رجلا يراقب انحنائي لالتقاط الهاتف الجوال مثلا كي يرسمني فيما بعد كآلهة موت باذخة عارية ،تجر وراءها قرابينها البريئة وتتجه بشهوة الى العدم!
ازددت جوعا
يوما بعد يوم يزداد جوعي ضراوة وشساعه ونهم!
يأخذ ابعادا واشكالا لا حد لها ،ولا يقتصر على هدف أو طريدة !
فماذا ستقول لي الان؟وانا اخبرك بابتسامة سافلة جدا……أن الموت فتح شهيتي تماما!
كتبت رسالة للمدينة ووضعتها في صندوق بريد البلدية الغافلة والمشغولة بزرع ستة اطنان من الورد الحزين البلا جذور فوق الخرائب والعظام و حول حواف الارصفه.
وطالبت بزراعة اشجار اكثر كثافة، فالفضيحة الدولية التي حصلت لا تعني تذكرها كل يوم ،والحفرة التي خلفتها القنبلة الساقطة من طائرة عمودية يجب ملأها ، بالماء وتحويلها الى بحيرة للقتلى،متنزها صغيرا ياتي فيه الناس بالشاي والضحكات حتى لا يبقى الموتى وحيدون وبؤساء ،كما قدر لهم في تلك اللحظة العشوائية من زمن القنابل الساقطة بدون انذار!
تقابلنا في المستشفى وكان عازفا للغيتار،تخلى عن التعليم الجامعي لانه يظن اننا كبرنا على الجلوس في صفوف واستخدام الاقلام وتحسس بعضنا البعض تحت الطاولات!
شقت شظية ساعده الأيمن ،وكنت انا اجر قطيع دلافين تحول الى اشلاء متفرقة،كان يجيد غرز الابرة في العرق فعروق اجسادنا هي اوتار غيتار ايضا والعزف عليها يتطلب احتراما كبيرة ومهارة في الاصابع وكان يسرق الكثير من المورفين عن طريق الابتسام لممرضة قبيحة وياتي به الي ،وانا على السرير الابيض، ويعزف على عروقي واعصابي وجيتاره طوال الليل بيد من صفيح فيها انواع من المسامير والالواح التي تمسك شظايا عظامه مثل غراء رخيص!
كنا نهرب اثناء اية غارة على المشفى او وجبة دسمة من التعساء المصابين بالعيارات النارية والشظايا حين ينشغل الاطباء والممرضات ،وينسون موعد التحقق اليومي من احوال مرضاهم ، الى مخابئ الادوية او مطبخ المستشفى القذر بعد رشوة الطباخة السمينة ،او ذلك الدرج المفضي للمشرحة لنتكلم متعانقين في امور حياتنا المعقدة،مع الكثير من الامور غير اللائقة بجرحى الاجتياح السنوي!
شفقة، حب، رغبة ،لا ادر ولم اعد افرق بين ان كان يتأوه من السعادة او من مسامير مفاصله؟ الخطر يضعنا على حافة العقل وككل الواقفين على الحواف جل ما نأمله هو عدم السقوط، كل ما يمكننا فعله هو مناورة الزحلقة، قال انني أول امرأة ترغب فيه الى هذا الحد من الرغبة،وهو لا يعلم بأمر جوعي، لا يعي الرغبة من النهش ،ولا الحب من التسمم العاطفي!
وهذا مطابق لنظريتي في حب الرجال الذين فقدوا انفسهم في الحروب ،وشعرت بأهميتي في كوني بوصلتهم اما م هذا الموج المتلاطم من الحيرة في هذه البلاد!
ولم اعرف انه نذل ككل الملاعين الذين يدخلون في المراة الى ما بعد جلدها حين تسقط دفاعاتها كمدينة يونانية مشؤومة،لكنني اعرف انه احبني بصدق ،لكن كان عليه ان يهرب الى بلد اخر ليبتدئ حياة اكثر واقعية من الحب قرب مشرحة، او الاقتران بامرأة شهدت تمزق وتطاير اجساد ستة عشر طفلا، فهي حتما لن تكون واقعية تكتفي بطبخ اللحم والمرق والخضار بل ستتلبسها الكوابيس المرة ،وربما ستصاب بالعقم من الصدمة، وستظل تعتمد عليه في الفراش لانها غير قادرة حتى على غواية صرصار بعد ما رات كل ذلك الموت؟
لا ادر حقا! لا ادر كل ما اعرفه انني كنت اكثر فسوقا من راقصة عامود متمرسة، باستثناء ان الالتباس الحاصل بشاني يجعلني في مصاف شهيدة مؤجلة!
،الشظايا التي اخترقتني كانت عميقة لكن غير قاتلة، لكن تلك الصور التي اخترقت شبكية عيني اغتالتني تماما،لكن دعني يا دكتور لا اكون درامية الى هذا الحد!
انه الحظ العاثر فقط، فقد كنت المرأة الدرامية الخطأ، في المكان الدرامي الخطأ في الزمن الدرامي الخطأ! 
واخيرا رسالة لجوعي السرمدي:
اعرف ان الغريزة وحدها هي الحقيقية!
كل غياب وكل توق وكل ترف وكل تخمة وكل لذة اذن هي كذبة ناعمة على الروح
فلا امتلاء حقيقي في هذه الحياة أبدا،الحياة جوع متجدد،يقابله رضى فاقد للاهلية!
حين نطق طبيبي العجوز بكلمة اكتئاب ما بعد الصدمة شعرت بهمجية الجوع لاول مرة،تبدو الكلمة كالفضيحة التي لا يمكن مداراتها ،هل الحزن مفضوح ومعيب الى هذه الدرجة؟
قاومت المشعوذ في ثياب الماركة المعروفه وقلت له مرحلة عابرة فابتسم كملاك الموت
ساكتب لك حبوبا و………………………
مات بعد شهرين مختنقا باكاذيبه، لا بتلك النوبة القلبية العارمة
لانني لست حزينة ،لست في أي حالة من حالات السبات النفسي ولا أجد معنى لحب رجل ما ان التأمت عظامه حتى تفكك قلبه،ولم اكن يوما بريئة!
الطريق من المدرسة الى البيت لم تعد طريقا،بل مجموعة فخاخ متراصة،وثياب النوم
اصابتني بحكة شديدة في الظهر ،بعض النساء غير نظيفات يقسن الثياب لم علي دائما ان انسى ذلك،قتل عاملان في المقهى وهما يعدان لقنبلة في مطبخ القهوة
فاغلق لثلاثة ايام بسبب العزاء،و بدل رائحة القهوة والهال العطرة التي كنت بسببها أتشمم الحياة، اندلعت رائحة كافور عطور التكفين ،وقهوة تعازي بلا اضافات
فلم يعد شيئ له قيمة ،لم اعد المس الشغف بأصابعي،برودة روحي تحولت الى صقيع كالذي لف العالم يوما ، لم اعد اعرف الى اين سيودي بي ضلالي، وحتى الجوع نفسه، انتهى بتاريخ الاول من اذار
غرقا في البحر الهائج، حيث كانت الدلافين في انتظاري……………….!

* كاتبة من فلسطين تقيم في دبي

شاهد أيضاً

قصة “الظل” لإدغار آلان بو

(ثقافات) قصة الظل[1]. إدغار آلان بو ترجمة: عبد القادر  بوطالب                أنت الذي تقرأ ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *