* مرفت عمارة
مجموعة نادرة من البطاقات البريدية الممهورة بتوقيعات أشهر الأدباء تم كشف النقاب عنها مؤخرا، تداولتها معظم الصحف الأجنبية بالنشر، بعضها تم إرساله بغرض (البيزنس) لإتمام صفقات خاصة بنشر الكتب، والبعض الآخر على سبيل الصداقة، إلا أنها تتفق في روعة كونها مكتوبة بخط يد أشهر أدباء القرن العشرين، لذا تستحق ولو إلقاء نظرة عليها.
أغربها و أطرفها تلك التي أرسلها سكوت فيتزيجرالد لنفسه، وهو أحد أهم كتاب السيناريو خلال فترة الثلاثينيات، بفضله تحولت الكثير من الروايات إلى أفلام نابضة بالحياة، لأشهر أبطال السينما العالمية آنذاك، أمثال جريتا جاربو و إيرول فلين، و الإخوة ماركوس، تلك البطاقة البريدية يكاد لا يعرفها إلا القليل من الناس، أولا لأنه لسبب غير معروف أرسلها لنفسه، قد يكون اختلط عليه الأمر بفعل احتسائه الخمر، حتى أنه نسي كتابة التاريخ عليها، ثم بعد إلصاق طابع البريد نسي مرة أخرى أن عليه إرسالها، ويعتقد أنه كتبها خلال صيف 1937.
نشر تحت التهديد
البطاقة البريدية الثانية كانت من جاك كيرواك إلى مالكولم كولي سنة 1956 رئيس تحرير جريدة فايكنج الذي كان مؤمنا بموهبة كيرواك، إلا أنه قام بتأجيل نشر روايته ” على الطريق»، وفي مارس من نفس العام كان قد حذر الكاتب من الاسترسال في الكتابة التلقائية، باعتبارها تصلح فقط كبداية، وأنه لابد من تنقيحها ووضعها في القالب المناسب، وإلا انصرف الناس عن قراءتها، قائلا له: ” ماتحتاجه في الوقت الحالي هو الاستمرار في القراءة، لا أن تستعرض قدراتك وكأنك ظاهرة لامثيل لها…و يبدو أن كيرواك شعر بالصدمة من السطر الأخير، ففي3 يوليو من نفس العام أرسل بطاقة بريدية، عليها صورة لمنتزه يلوستون معربا عن نفاد صبره لتباطؤ كولي كاتبا: إذا لم ترسل العقد مع دفعة مقدمة أو ما تراه- قبل أول أكتوبر عن رواية “على الطريق” ، فسوف أسحب النسخة التمهيدية من فايكنج، وأعرضها للبيع في مكان آخر، إن تعريض نفسي للإهانة أفضل من عدم نشرها على الإطلاق.وخلال العام التالي نشرت فايكنج الرواية.
– أحرق جميع نسخ كتابه بسبب العند
من جيمس جويس إلى الكينز ماثاو:
في سنة 1908 ظل جيمس جويس في منفاه الاختياري بعيدا عن أيرلندا، وكان يعيش بمدينة ساحلية نمساوية مجرية اسمها تريست أصبحت الآن جزءا من إيطاليا، حيث كان يعمل بالتدريس بمدرسة بيرليتز، وفي نفس الوقت يعمل على الانتهاء من مجموعة قصصية لضمها في كتاب، وبالفعل وافقت دار نشر دولبينر على نشرها، إلا أن المطبعة رفضت انتاجها خوفا من ملاحقتها قضائيا بتهمة الإساءة للأخلاق، وفي 24 يناير أرسل جويس بطاقة بريدية إلى الناشر الإنجليزي تشارلز الكينز ماثاو، الذي ظل محتفظا بالكتاب لعدة شهور دون البت في أمره، مطالبا إياه بسرعة إصدار قرار إما بالموافقة أو الرفض، وما كان من ماثاو إلا أن رفضه، وبعد ست سنوات أصيب خلالها جويس بصداع مزمن بسبب عدم نشرها، استطاع أخيرا إقناع أحد الناشرين بطبع ألف نسخة قام بحرقها كلها، قبل أن تطبعها دولبينز سنة ،1014
-بطاقات بريدية جماعية
من فرنز كافكا إلى كورت وولف:
بالرغم من أنه كان دائما يشار إلى فرانز كافكا كشخصية إنعزالية، يقضي معظم أوقاته وحيدا داخل غرفته في حالة تأمل، إلا أن البطاقة البريدية المنشورة هنا و التي أرسلها في 25 مارس 1913 تبرهن على الجانب الاجتماعي من شخصية كافكا، حين كان مقيما في شارلوتنبرج، أحد أحياء برلين، حيث يتقابل مع مجموعة من الأدباء يشاركونه في التعامل مع نفس الناشر، قرروا سويا إرسال بطاقات بريدية لناشرهم كورت وولف، كتب كافكا على بطاقته:مقدما خالص تحياتي من جلسة عامة للمؤلفين بمنزلك، أوتوبين، والبرت أينشتين، وكارل ايهرنستاين، عزيزي هيروولف: لاتعر انتباها لما يقوله لك ويرفيل، إنه لا يعرف كلمة واحدة من الرواية، سرعان ما يكون لدي نسخة منقحة من الرواية، وسوف يسعدني بالطبع إرسالها لك، مع خالص التقدير، فرانز كافكا.
وفي الحاشية كتب: تحية قلبية ، بوك زيك، وعلى الجهة المقابلة رسم شخص كتب تحته: أبيجيل باسيلوس الثالث.
ويرفيل الذي أشار اليه كافكا هو الكاتب النمساوي البوهيمي فرانز ويرفيل، الذي تحدث لوولف عن رواية قصيرة غير منشورة لكافكا تحت عنوان »التحول«، بينما كان وولف مهتما برواية أخرى بعنوان حشرة نشرها بعد ذلك بعامين سنة1913.
– حوار عن الثيران
من أرنست هيمنجواي إلى جيرترود شتاين 1924:
في صيف عام 1924 سافر أرنست هيمنجواي إلى أسبانيا لحضور مصارعة الثيران، ومن هناك وفي 9 يونيو بعث ببطاقة بريدية من مدريد إلى رفيقه في تشجيع مصارعة الثيران جيرترود شتاين، حيث كان هيمنجواي حريصا على إمداد شتاين بآخر التطورات كتب عليها: غدا سوف يكون هناك ستة من ثيران المارتينيز الفيلاتا، الأكثر روعة على الإطلاق من بينهم , فارع الطول يقف بعيدا عن بقيتهم مثل ذئب يوشك على الانقضاض، أعتقد أنه سوف يصبح الأعظم فيما بعد.
التراكم المعرفي لهيمنجواي عن أسبانيا و مصارعة الثيران ظهر بعد ذلك في سنة 1926 حين كتب روايته: الشمس تشرق أيضا.
– من كورت فونجوت إلى ديفيد بريثوبت سنة2006:
خلال العقدين الأخيرين من حياته، كان كورت فونجوت على صله قوية بشاب يدعى ديفيد بريثوب، تعرف عليه من خلال ألين جينسبرج، استأجره كي يعمل لديه بدوام جزئي في الأرشيف في بداية الثمانينات، وفي سنة 2007 وخلال إجراء حوار معه تم توجيه سؤال لفونجوت حول سبب استغراقه ذلك الوقت الطويل في تبادل الرسائل معه فأجاب: ذلك أصابني بالحيرة لسنوات، لكن جزءا من السبب ربما لأنني وكورت كنا من الشمال، فقد نشأت في ولاية أوهايو، وكلانا ينحدر من أصول ألمانية، وفي كثير من الأحيان كنا نشير إلى تاريخ عائلاتنا، في الحقيقة آخر مقابلاتنا كانت بشأن جونتر جراس، وإعلانه تقربه من النازية إذ كان جراس قد فاجأ الوسط الأدبي في صيف 2006 باعترافه الانخراط ضمن شباب النازي في عمر المراهقة- و عن جراس كتب فونجوت في سنة 2006 على الكارت البريدي: إنه يهوى جذب الانتباه، أنا أعرفه، لقد قلت على سبيل المزاح أنه سوف يكشف ستر التحاقنا سويا بشباب النازي، إن كنت من مواليد المانيا، فربما التحقت بشباب النازي، عدا، ما آمل، معسكرات الموت.
________________
*(أخبار الأدب)