* صلاح أبو هنود
(ثقافات)
أي قدر من السماء ساقني في عتم تلك الليلة لأسلك طريقا يؤدي الى ذاك البئر الذي قالت لي أمي يوما : إنها ألقت فيه مشيمتي كي لا تأكلها الكلاب ، لا أدري !!. حين اقتربت ، سمعت صراخا يفيض بأنات الوجع في جوفه، وعند وصولي الفوهة أطلقَت صوتا مجروحا يائسة من النجدة. أرسلتُ لها على الفور صوتا عاليا كي تطمئن أنها لم تعد وحيدة ،تبعه وعد بأني سأفعل شيئا لإنقاذها.
لم يكن معي حبل أدلّيه ،ولا فائدة من النزول الى غَوْر البئر، في غمرة حيرتي أطلقت هي باتجاهي كلمات سريعة جدا خرجت من فمها كزخات رعدية أحسست أنها تنزف روحها، وبحركة فجائية أنزلت يدي في حلق البئر ، كان شيئا كملمس صدر أمي في ذاكرة أصابعي، ذاك الذي بدأ يسري في كفّي حين وصلها، وبدأ يصعد شيئا فشيئا الى الأعلى ، أكانت معجزة تلك التي جعلت من ذراعي حبلا سعى في جوف البئر،استمر ذاك الشعور بالصعود وبدأ الدفء يسري في عروق ذراعي وأحسست بنسائم دافئة تخرج من عنق البئر لافحة وجهي، كان ذراعي قد بدأ في استيعاب قراءة الخلايا لذلك الشيء الذي يتعمشقه .
الصورة تتضح أكثر ، جسد صاحبة النداء هو الذي يعرُجُ اليه، ذراعه يقرأ الآن كل الخلايا بدقة متناهية والجسد أيضا يقرأ الذراع الذي بدأ يستعيد حجمه الطبيعي.
كبرق خفيف أضاءت عينيها عنق البئر ، النسائم الدافئة بدأت تتحول الى عليلة، خدر الذراع الذي كان كالمغناطيس خرج من يده ،عند الحافة تماما في نقطة التقاء فم البئر بالسماء قالت : لقد أكرمتني .
انتشلت كلها بحركة واحدة ووقفنا وجها لوجه ، يا اله الكون ما أجملها ، كانت حورية بحر القاها ماكر في بئر ماء وصارت من نصيب إبن التراب ، كريم كان ذاك القدر.
____________
* مخرج وأديب من الأردن .