الأصابع مسافاتنا


* رعد بندر

(ثقافات) 

المارد الخائر القِوى 
الجاثم فوق مناحاته 
ينظر الى أصابعه المترهلة والمنكفئة على أظافرها
بشفقة وتذمُّر
كلما ثلمها الموتى الغابرون 
غطسنا بلحمها 
كان علينا أن نحذر من عشبها الداكن
حين نمرُّ بين جدرانها ضيقة البال
للوقت عقاربه اللاّدغة 
ولنا فواتُ الآوان دائما 
الطيور تحك مناقيرها بظهر المارد المقوَّس 
المليء بالطفح الأحمر 
الطبيعة المناكدة لا بد أن تصنع متعة ما لكائناتها خائرة القوى
المناقير متعة المارد الوحيدة
لا سرير على سطح الذاكرة 
لا سطح للذاكرة أصلا
ليس سوى 
أصابع مترهلة ومنكفئة على أظافرها
أبوابنا لا تتقن الإنفلات من الأرض المغلقة
ونحن لسنا من هواة جمع الأقنعة
كان بلاؤنا حسنا في الإبقاء على لحاء عظامنا ناصع المكابرة
لهذا ملأتْ بحيراتِنا الطحالب
وحطّتْ على أغصاننا القبّرات
بكل ما في الأصابع من عبث
بكل ما في مخافرها من نقمة 
وأختامها من عطاس مزعج كنهارنا 
تلتصق بظهورنا 
تدفعنا نحو أنفاقها مترامية الكمائن 
هل كان عليها أن تتحايل على ذهولنا
هل كان علينا أن نذهل ؟ 
هل كان على حقائبنا أن تعضّ على أحزمتها 
وهي تتدحرجُ مثل كرات الأشواك اليابسة 
حقائبنا التي لا مناديل فوق موانئها
لا سلال لتوسلاتها
لا قطرات مطر مباغتة على تلعثمها 
ليس سوى 
أصابع متدلية ومنكفئة على أظافرها 
إنها موائدنا المتربة
عفويتنا التي ما زلنا نكيل لها المدائح
ملهاتنا عديمة الفائدة
حافلات رغباتنا الصدئة
تمسح أنفها بقمصاننا المالحة 
تتثاءب على أنين خطواتنا 
تهزأ من كعوب أحذيتنا المائلة
المارد الخائر القوى
ذو المتعة الوحيدة
يمعن في إنهاك زحامنا حول إغفاءاتنا المثقّبة 
طفحه الأحمر ..
بلادُنا التي لا مناقير لطيورها
لا متعة لها
التفاتاته ..
ترنُحُّنا على حصاه الناتيء 
سُعاله ..
صفيح لهاثنا المكدَّس والمائل للغبرة
كلما قطعنا جزءا من أصابعه قصرُت أجسادُنا 
كلما لمسنا بثورها 
تلبَّدت نواياها الشرسة بالشتائم 
عراؤنا يتناوب مع عرائها على ارتدائنا 
نحن أبناؤها ميسورو الضياع
نعترف أن هجيرها 
كان نشوة ارتباكنا
وسرابها
كان خداعا مؤدَّبا لأقدامنا
حين ألقتْ لنا حبال مساماتها 
تسلّقنا وجوهنا 
وحين أطلقتْ علينا أقفالها
اغتسلنا برائحة شواء أسئلتنا المريرة
أسئلتنا التي لا أفواه لها 
مثل مدننا تماما
إحْتَرِسْ منك أيها المغفل 
هكذا تنصح مأزقنا اليقِظ
وتُنبِّه دمنا الشاحب 
الأصابع مسافاتنا التي بالغت كثيرا برمينا داخل أمعائها المعتمة 
عالقين بأنياب تضاريسها المدبَّبة
في انتظار أن يثني المارد أصابعه 
أصابعه المتدلية والمنكفئة على أظافرها
عندها
يمكن أن نرخي سيور أحذيتنا قرب حقول القمح 
_____________
* شاعر من العراق

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *