يوسف زيدان:مصير حكم الإسلاميين مريع ومفزع


* حوار: داليا عاصم

وصف الروائي المصري أستاذ الفلسفة الدكتور يوسف زيدان الوضع الذي تمر به مصر ومعظم دول الربيع العربي بأنه أشبه بـ«أسطورة أهل الكهف». واعتبر زيدان أننا نعيش عصر «الانقلاب الخريفي»، وأن مصير حكم الإسلاميين الذين صعدوا إلى الحكم على أكتاف ثورات الربيع العربي سيكون مريعا ومفزعا.

وقال زيدان الذي تحقق معه نيابة أمن الدولة العليا في مصر بتهمة ازدراء الأديان في كتابه «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني»، الذي صدرت منه حتى الآن ثماني طبعات، إنه سيواجه هذه التهم بمواصلة الكتابة، مشيرا إلى أن التهم الموجهة إليه مخجلة، ويناقض بعضها بعضا عن جهل وتعمد. وفيما يلي نص الحوار:
* هل نعيش اليوم ما سماه أفلاطون «الجهل المزدوج» الذي يسجن فيه الإنسان ويقتل؟
– بل نعيش ما سماه أفلاطون «أسطورة الكهف» حيث افترض أن جماعة من الناس قضوا أعمارهم جالسين في كهف، متسلسلين، ووجوههم إلى داخل الكهف. وكانت خلفهم نار يتراقص لهبها، فتتراقص الخيالات على جدران الكهف، فيظن هؤلاء الناظرون أن الخيالات هي الحقائق.. وفي لحظة، انكسرت قيودهم فخرجوا إلى ضوء النهار ورأوا الأشياء على ضوء الشمس، فآلمتهم عيونهم فترة ثم اعتادوا على الرؤية الحقة، وعرفوا أن ما كان بالكهف هو خيالات وأوهام وظنون.. وإنني أرجو ألا تطول الفترة اللازمة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر والبلاد العربية، حتى تعتاد أعينهم على رؤية الحقائق بعد عشرات السنين التي شاهدوا فيها الخيالات في كهف استتارهم، فيتخلصون من الأوهام التي عاشوا عليها عندما كانوا بالجحور.
* منذ دخولك عالم الإبداع والكتابة وأنت مُلاحق، كانت بدايتها في 2006 وآخرها الاتهام بازدراء الأديان، بم تفسر ذلك؟
– هذا غير صحيح، فقد تمت ملاحقتي بصنوف الحيل من قبل ذلك بسنوات.. في عام 1997 احتالوا لإخراجي من الجامعة بطريقة خبيثة، فتركت العمل «مدرسا» بالجامعة، ولم أستسلم واستكملتُ طريقي حتى حصلتُ على درجة الأستاذية في الفلسفة وتاريخ العلوم، وعدت للجامعة «أستاذا» لفترة قصيرة، ثم هجرت التدريس مع حبي له بسبب رداءة الأحوال في الجامعات المصرية، وأنا لا أحب العمل خارج مصر.
وفي مطلع الألفية، ابتليت بمشكلة كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون» وجرت بيني وبين اليهود منازعات كثيرة، ما لبثت فور هدوئها أن أثيرت في وجهي اتهامات «ازدراء التراث الإسلامي» من قوم لا يعقلون ولا يخجلون! ثم ثارت مشكلة رواية «عزازيل» وتكسّرت فيها النصالُ على النصال.. وها هي مشكلة جديدة تُثار اليوم ضدي، هي اتهامي بازدراء الأديان في القضية رقم 686/ أمن دولة عليا! الجاري التحقيق معي فيها حاليا.
* لماذا يتهم كبار الفلاسفة والكتاب العرب بذات التهمة ازدراء الأديان ومنهم الحلاج والإمام البخاري وابن رشد وطه حسين ونجيب محفوظ؟
– أعتقدُ أن عليك إعادة صياغة السؤال، ليكون: لماذا يتّهم الجهلةُ والمغمورون العلماء والمبدعين؟ فهذه الصيغة تجمع بين كونها سؤالا، وإجابة في الوقت نفسه.
* هل علمت من وراء تلك التهمة الموجهة إليك حاليا، وهل هي برأيك تصفية حسابات أم عرقلة لمشروعك «السباعيات»؟
– لا أشغل بالي بمن هو «وراء» مثل هذه الأمور، وإنما أواجهها بقدر المستطاع.. وسوف تصدر السباعيات هذا الأسبوع عن دار «الشروق»، في ثلاثة كتب وهي: «دوّامات التدين، متاهات الوهم، فقه الثورة».. ولن أكف عن الكتابة، ما استطعتُ إليها سبيلا.
* كنت قد نفيت التهمة من أساسها باعتبار أنه لا توجد أديان سماوية وإنما هي أديان رسالية، فهل توضح لنا قراءنك على ذلك؟
– هذا حديث طويل، وقد ذكرته بالتفصيل في مقدمة كتابي «اللاهوت العربي وأصول العنف الديني» وهو عنوانٌ دالٌ على محتواه، كما ترين، ودالٌ أيضا على غيظ أهل «العنف الديني» من الكتاب! حتى أنهم حشدوا ضده اتهامات عديدة، وبعضها يناقض بعضه.. فالمهم عندهم الوصول إلى «الإدانة» بأي شكل، وبأية تهمة.
* قبل إصدار «اللاهوت العربي» تناقشت مع ثلاثة مفكرين إسلاميين، فما هو رأيهم في الاتهام المسند إليك؟
– كانوا أكثر من ثلاثة، واستمرت المناقشات لمدة شهرين قبل نشر الكتاب، وشارك فيها سلفيون وعلمانيون وعدد من كبار الأساتذة الذين اهتممتُ بمعرفة رأيهم، منهم د. رضوان السيد، د. محمد سليم العوّا، د. يحيى الجمل.. ولم يُشر أي واحد ممن ناقشوا الكتاب إلى أنه يزدري الأديان، أو يثير الفتنة في المجتمع، أو يروّج للتطرف.. وهي الاتهامات التي تُحقق معي فيها نيابة أمن الدولة العليا في مصر، حاليا، بعد صدور ثماني طبعات من الكتاب، وتوزيع عشرات الآلاف من النسخ منذ صدور الكتاب قبل أربع سنوات.
والعجيب أن الكتاب نوقش في ندوة عامة بمعرض الكتاب بالإسكندرية، سنة 2010، وقام بالمناقشة عضو مجمع البحوث الإسلامية د. عبد المعطى بيومي، الذي وصف «اللاهوت العربي» بأنه مرجع لا غنى عنه لأي باحث في الفكر الإسلامي! وأستاذ الفلسفة د. حسن حنفي، الذي عاب علي انحيازي للإسلام في الكتاب! كما نُشرت مقالات كثيرة عن «اللاهوت العربي» ولم تُشر أي مقالة منها إلى هذه الاتهامات التي اخترعها تقرير مجمع البحوث الإسلامية.
* كم استغرقت كتابة «اللاهوت العربي»، بكل ما فيه من تعمق في حنايا التراث وفقه الأديان؟
– قرابة عام كامل، لكنني استعملتُ فيه معارف كثيرة جمعتها خلال سنوات طوال. وقد صدر «اللاهوت» عام 2009 بعد سنة من نشر رواية «عزازيل»، وبعده بسنة نشرتُ رواية «النبطي».
* علمنا أنك عاكف على تجهيز ردود على الاتهامات الموجهة لك، فهل يمكن أن توجز لنا فحواها؟
– هي «تفهيم وتكذيب»، أكثر من كونها ردودا.. ولا يصح الآن نشرها أو تلخيصها لأنها مكتوبة لنيابة أمن الدولة، وليس لعموم القرّاء.
* برهن الإغريق قديما على أنه لا طريق ثالثا بين الثقافة أو العنف، فأي طريق نسلكه من وجهة نظرك؟
– لا أعرف أن الإغريق برهنوا على ذلك، وقد كان في حياتهم وأفكارهم عنف، لكنه لم يكن باسم الدين كما هو الحال في تاريخ اليهود والمسيحيين والمسلمين، فكان أقل ضراوة.
* وفقا لـ«اللاهوت العربي» هل سنعيش «الانقلاب الخريفي» قريبا؟
– بل نحن في منتصفه! ونشرات الأخبار دليل على ذلك.. وأتوقع أن يزداد العنف في بلادنا خلال الفترة المقبلة، لأن أسباب ازدياده متوافرة. فالذين مسكوا السلطة من الإسلاميين (أو بالأحرى: الذين ينسبون أنفسهم للإسلام زورا وبُهتانا) لن يتنازلوا عن مكاسبهم إلا بثمن باهظ ودماء كثيرة.
* كيف ترى مستقبل تيار الإسلام السياسي في مصر، وفي العالم العربي، هل كتبوا نهايتهم بوصولهم للسلطة؟
– أراه مريعا ومفزعا.. وما يجري الآن هو «البداية» أما النهاية فدونها حتف المنى، أو بعبارة أخرى: ألمٌ طويل. فالله المستعان على الفترة المقبلة، خصوصا في مصر وسوريا واليمن.
* أنت تخرج من كل موقعة ظافرا وحاملا إنتاجا ثقافيا دسما، فماذا في جعبتك؟ وما هي أجندتك الثقافية في الفترة المقبلة؟
– سوف أنتهي قريبا، أرجو ذلك، من رواية «غوانتانامو».. وهي الرواية الثانية في الثلاثية التي كانت «محال» هي الرواية الأولى فيها، وستكون «نور» هي الرواية الثالثة
___________
(الشرق الأوسط)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *