محمود شقير
( ثقافات )
منذ ثلاث سنوات، أصبح لدينا يوم وطني للثقافة الفلسطينية، وهو اليوم نفسه الذي يوافق عيد ميلاد الشاعر الكبير محمود درويش.
وبعد تأسيسها بسنة، قامت وزارة الثقافة بمنح أولى جوائزها لاثنين من النقّاد: هي جائزة توفيق زياد. وبعدها بعام أطلقت الوزارة جوائز فلسطين التي استمرّت في منحها لمستحقّيها على امتداد خمسة أعوام.
وإثر رحيل درويش تَمّ إطلاق جائزة باسمه ستذهب هذا المساء إلى مبدع فلسطيني من الجليل وإلى دار نشر فرنسية، علاوة على جائزة شرفية لمفكّر عربي معروف.
وبعد تأسيس لجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية تَمّ إطلاق جائزة القدس للثقافة والإبداع التي مُنحت أواخر العام الماضي لمسرحي مقدسي ولشاعر وروائي فلسطيني مقيم في الخارج ولممثلة أردنية.
ولعلّه من حسن حظي ومن دواعي قلقي في الوقت نفسه، أنني كنت على صلة ببعض هذه الجوائز منذ إطلاقها، وما زلت على صلة ببعضها الآخر حتى الآن. كنت المنسّق العام وأمين السر للجنة جوائز فلسطين التي ترأسها محمود درويش، وكنت وما زلت عضوًا في لجنة جائزة محمود درويش للحرية والإبداع، وكنت رئيسًا للجنة جائزة القدس للثقافة والإبداع.
ولطالما شعرت باغتباط لصلتي بهذه الجوائز، لما في ذلك من اعتراف بفضل المبدعات والمبدعين الفلسطينيين والعرب، ومن تقدير لمبدعين عالميين متعاطفين مع قضيتنا الوطنية. ولطالما شعرت بالقلق بسبب ما تثيره الجوائز من حساسيات وانتقادات. ذلك لأنّ مستحقي الجوائز كثيرون ومن ينالونها قلّة. وكنت عبّرت عن ذلك في الكلمة التي ألقيتها في حفل جائزة القدس للثقافة والإبداع. قلت يومها: “… هذا الفوز، مؤشّر على أنّ من يستحقون الجائزة كثيرون، والجوائز قليلة كما هي العادة في مثل هذه الحالة وفي غيرها من الحالات. ولذلك، تقدّمت لجنة التحكيم باقتراح إلى لجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية يقضي بزيادة عدد الجوائز في السنة القادمة إلى خمس أو سبع جوائز، لتغطية الحاجة إلى تكريم عدد أكبر من المبدعين والمبدعات”.
وأضيف على ما قلته سابقًا: حتى لو ضاعفنا عدد الجوائز فسوف تظلّ الحاجة إلى مزيد من الجوائز قائمة، وسيظلّ العتب والنقد وسوْق الحجج على التقصير أو التحيّز أو التعامي عن مبدعين متفوّقين قائمًا. ورغم أن بعض هذا النقد مجحف وفيه افتقار إلى الدقّة، فإنّ بعضه الآخر مكرّس لتصويب أداء المؤسّسات واللجان المنبثقة عنها المكلّفة بمنح الجوائز، ولضبط عملها وتحسينه باستمرار.
ومن دواعي أسفي في هذا المضمار، أنّ جوائز فلسطين للآداب والفنون والعلوم الإنسانية قد توقّفت منذ أكثر من عشر سنوات. وقد حاولت وزارة الثقافة إحياءها، ثم تعثّرت عملية الإحياء بحجّة أنّه لا بدّ من سنّ تشريع خاصّ بالجوائز. والتشريع ما زال غير منجز حتى الآن، علمًا بأنّ الجوائز مُنحت في السنوات السابقة اعتمادًا على قرار من رئيس السلطة الوطنية، ونالها خمسة وأربعون من الأدباء والأديبات، ومن المعماريين والمؤرّخين والموسيقيين والمسرحيين والصحافيين وغيرهم. والسؤال: لماذا يتأخّر إصدار التشريع كلّ هذا الوقت؟
وكما لو أنها محاولة للتعويض عن جوائز فلسطين، ابتدعت وزارة الثقافة جائزة منحتها لشخصية العام الثقافية التي ذهبت خلال العامين الماضيين إلى أديب بارز وفنانة تشكيلية معروفة، علاوة على تكريم شخصيات ثقافية من مختلف المدن الفلسطينية، وستحتفل الوزارة للعام الثالث في كلّ من القدس ورام الله هذا المساء بهذه الجائزة وبهذا التكريم.
باختصار: نحن بحاجة إلى مزيد من الجوائز لكي نعزّز مكانة الثقافة التي تعتبر أحد أهمّ مكوّنات هويّتنا الوطنية، ولكي نعترف للمبدعات وللمبدعين الفلسطينيين بتميّزهم الذي لا شكّ فيه.
– الحياة الجديدة – فلسطين