هل هي جردة حياة، شعر، موسيقى، تاريخ، أمكنة حاجة مُلحة لأن أقول كل شيء لأتخلص من ثقل أشياء عديدة ترمي بوزنها على الذاكرة، كما على الجسد والروح، كأن سنين الحياة تهرب ونحاول أن نلتقطها، أن نستوقفها، نستدعي كل شيء مجدداً، كل تلك السنوات التي عشتها مع شعر درويش، لقد رغبت بنقل الأحداث والتواريخ والانطباعات، أروي بشكل مفتوح تلك الأيام. بهذه العبارة استهل الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة أمسيته التي نظمها أمس الأول اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات فرع أبوظبي بالتعاون مع جمعية البيارة الثقافية، في مقر الاتحاد بالمسرح الوطني بأبوظبي تحت عنوان «تجربتي مع محمود درويش»، وحضرها حشد كبير من المهتمين بشعر محمود درويش والتواقين لسماع موسيقى مرسيل خليفة ووسائل الإعلام المختلفة.
اللافت للنظر أن الأمسية توزعت بين قسمين تضمن القسم الأول ذكريات مارسيل خليفة عن علاقته بالموسيقى ومحمود درويش، أما القسم الثاني فقد تضمن عزفاً وتقديم ألحان خليفة لقصائد درويش حيث غنى خليفة قصيدة «أحن إلى حضن أمي».
وفي هذه الأمسية وقع مارسيل خليفة ألبومه الموسيقي الذي عنونه بـ «سقوط القمر» والذي أهداه إلى روح الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش، والذي يعود ريعه تبرعاً إلى أطفال فلسطين والذي تضمن 18 أغنية.
صداقة فنية وشخصية
ومن المؤكد أن أي حضور لمارسيل خليفة يشكّل حضوراً لمحمود درويش الشاعر الذي شغل الزمان والتاريخ الإبداعي العربي الحديث، إذ يكفي أن يحضر اسمه في أي أمسية لتكون بذلك إحدى الأماسي المهمة في أي موسم ثقافي، ومادامت أمسية أمس الأول متعلقة بدرويش تاريخاً لصداقة فنية وشخصية مع مرسيل خليفة فإن حضورها سيكون استثنائياً.
وفي تقديمه لمارسيل خليفة قرأ الشاعر محمد المزروعي نصاً درويشياً كتبه محمود درويش تحية لخليفة وقال فيه: «لعل أغنية مارسيل خليفة هي إحدى الإشارات القليلة إلى قدرة الروح فينا الآن على النهوض». وأضاف المزروعي قارئاً نص درويش: «في أغنية مارسيل خليفة خبز للكلام وشيء واضح من جدوى وجمال ينفع، كنت على سبيل المثال أعلن لأمي الحب من زنزانة ولكن لم تدرك هي ولا أنا أدركت فعالية هذا الاعتراف إلى أن فضحته أغنية مارسيل خليفة».
ثم تحدث مارسيل خليفة في كلمته عن عدة جوانب من تجربته مع محمود درويش واصفاً شعر درويش بالعصي على التكرار، ومحللاً طبيعة موسيقى شعره، وطبيعة الأغنية التي ابتكرها خليفة من شعره، وكيف ينظر الآن إلى تلك التجربة. وتخلل كلمة مارسيل خليفة خطاب إلى الغائب الشاعر، وتحدث عن ألبومه الجديد «سقوط القمر» وكيف بحث عن شعر الراحل فيه. وعاد مارسيل خليفة إلى ذكرياته حين «دخل العود إلى بيتنا الصغير، بعد أن كانت آلاتي الموسيقية محصورة بالطاولات والكراسي والطناجر وعلب الحليب الفارغة وقصب الغزاز اليابس» كما جاء على لسانه.
ويسرد مارسيل تعرفه على الموسيقى عبر معلمه الأول الأستاذ مرتين في بيته ثم انتسابه إلى الكونسرفتوار الوطني في بيروت ودخوله صف الموسيقى فريد غض وكيف كان يبصر المخيمات الفلسطينية وبيوت التنك في الطريق إلى بيروت.
لقاء أول بدرويش
ويحكي، ابن قرية عمشيت، مارسيل خليفة حكاياته مع شعر عباس بيضون أولاً ومن ثم مع شعر حبيب صادق ثانياً، وبعدها مع فرقة كركلا وعملهم «عجائب الغرائب» وتعرفه على شعر محمود درويش ورحيله إلى باريس وكيف سجل أولى ألحانه لقصيدة درويش «وعود من العاصفة» في أسطوانة سجلت لدى شركة الأسطوانات الفرنسية «الغناء في العالم»، حيث تضمنت الأسطوانة أربع أغنيات من شعر محمود درويش وهي «وعود من العاصفة» و»إلى أمي» و«ريتا وجواز السفر» و»أغنية جفرا» لعز الدين المناصرة. كما تحدث مارسيل خليفة عن لقائه الأول بدرويش وعن الحفل الذي اشترك به مع درويش عام 1982 في قاعة الأونيسكو بباريس، حيث تلا درويش يومها «سلام عليك وأنت تعدين نار الصباح»، وغنى خليفة يومها «أحن إلى خبز صوتك، أحن إليك يا أمي».
رحيل وألم عميق
استرسل مارسيل خليفة عن حب درويش لسماعه «في البال أغنية» وقصيدة «أمي» التي كتبها درويش عن حورية والدته التي حولها خليفة إلى نشيد وطني، وأشار إلى أمسية قرطاج في تونس وكان درويش حاضراً الأمسية، وذكرياتهما مع أبي عمار «ياسر عرفات» وتلحينه لقصيدة أحمد الزعتر «أحمد العربي» وأغنية «أنا يوسف يا أبي» عام 1999، وكيف أنه حصل على لقب «فنان الأونيسكو للسلام» وعلى جائزة أكاديمية «شارل كروس» وعن رحيل درويش والذي كان له تأثير من ألم عميق في ذات الموسيقى.
– الاتحاد الاماراتية