* حنان كامل الشيخ
فما الضير إذن في كوني بشرا يخطئ ثم يعتذر، ثم يخطئ ثم يستغفر، ثم يخطئ ثم يتوب؟! ما العيب في الخطأ “كفكرة” إن صار له محل إعراب في حياتنا؟ لماذا نحن مطالبون أن نكون مثاليين، كاملين مكملين، ملائكة تمشي على أقدام؟ لماذا ينمو معنا هذا العبء، ويعتلي ظهورنا الطرية، ونحن بعد نحبو على أربع حتى يقوسها، ويحني بالتالي مشيتنا التي نعتقد أنها إلى الأمام؟المثالية.. كلمة لطالما غزت لهجاتنا وعبأت أمكنة الفراغ في تأتآتنا، وتمكنت من غزو أفكارنا البدائية، حول العيش بسلام وهدوء. وحولها أهلنا من دون أن يدروا إلى أثقال نحملها معنا في جيوب معاطفنا، وفوق حقائبنا المدرسية المثقلة أصلا بقصائد ودروس تحكي عنها، وظلت تتردد صدى يلاحقنا ونحن خارجون من أبواب البيوت، حتى لا ننسى!المثالية..
عناوين طفولية روست لأولى قطعنا الإنشائية في المدرسة، ونحن بعد في الصف الأول، حيث لا أذكر عنوانا واحدا لي أو لإحدى زميلاتي في الصف يتعدى منطقة حب الوطن، وأمي الحبيبة وشجرة العيد وهدية الفقير! المهم أن تترعرع السعادة في مفاهيمنا الأولى بفكرة العطاء والصدق والأمانة والطيبة في أجواء متشابهة كثيرا، إن لم أقل متطابقة تماما. أضحك الآن وأنا أكتب هذه السطور عندما أذكر كم كانت مواطنتنا صالحة ومثالية، بالتبعية الخالصة لعناصر كتابة المواضيع الإجبارية، وكم كانت مدننا فاضلة بفضل خاصية الحفظ والبصم!
مرة.. وأنا بعد في الصف التمهيدي، رسمت لوحة لأناس تمطر عليهم السماء، ويمسكون بمظلات وهم سعيدون. ثم ولا أعرف لماذا رسمت نورا مضيئا باللون الأصفر فوق السماء! ولكم أن تتخيلوا ماذا جرى لي يومها الذي قضيته حتى نهاية الدوام، وحيدة ومفزوعة وباكية في غرفة مخزن مغلقة، أطلقوا عليها اسم “غرفة الفئران”. من يومها أخاف أن أدعو ربي وأنا أنظر إلى فوق!تنمو معنا الأشياء وتكبر ثم تتغير قراءتنا لها، إن قررنا أن نتغير، ونبدأ بالتفكير المنطقي، وتحليل المسميات إلى مفردات أسهل مما حفظناها عن ظهر قلب، من كثرة الترديد. فيغدو الوطن ملاذا وعشقا وأما وحبيبة ودفترا صغيرا في جوارير الاغتراب. وتصبح السعادة في معرفة الخطأ واجتنابه، ولكن معرفته مطلوبة، أو بالوقوع به، ثم الاعتذار عن ارتكابه، وتعلم الدرس القاسي. وتصير التضحية والمحبة والعطاء والإيثار، أفعالا لا مجرد أسماء. أفعالا نريد أن نقوم بها فعلا، تجاه أشخاص وأوطان تستحق منا ذلك. وليس لأنها مفروضة علينا، بحكم التعود أو الخوف!
أول من أمس، أعدت مشاهدة رائعة المؤلف وحيد حامد، وإخراج سمير سيف، “سوق المتعة”، والتي أدى بطولتها بكل احتراف الفنان محمود عبدالعزيز. وأدعوكم جميعا لإعادة مشاهدتها كونها فيلما قديما نوعا ما، إعادة مشاهدتها من وجهة نظر أخرى، وهي أننا جميعا مثل البطل محشورون داخل سجن لا نريد أن نخرج منه، لا نريد ونخاف حتى أن نجرب، معتقدين أن بلوغنا نهاية الزنزانة، بالتأكيد سيوقعنا بالغلط!الفيلم أو النص، اختصر المشهد النقيض بالدور الذي أدته الفنانة الهام شاهين، وهي المرأة العادية التي تريد أن تعيش الحياة بحلوها ومرها، تلطم في جنازة وترقص في عرس، تخطئ وتستغفر. المهم، أن لا تنساق لفكرة واحدة، القائمة على المثالية كعنوان جميل، وليس كأداء ربما يكون جميلا، وربما لا.
_________
* كاتبة من الأردن (الغد)