* ترجمة : أحمد فاضل
منذ ما يقرب من 2000 سنة كتب المؤرخون وعلماء المصريات أن وفاة كليوباترا ملكة مصر في العام 30 قبل الميلاد جاء نتيجة لانتحارها مع اثنتين من وصيفاتها بعد وقت قصير من غزو بلادها من قبل الإمبراطورية الرومانية آنذاك، هذه الرواية ظلت متداولة لقرون طويلة حيث يعتقد أن كليوباترا اتخذت قرارها ذاك لمنع القائد الروماني أوكتافيوس من أخذها أسيرة إلى روما لعرضها هناك كدليل على انتصاره، لكن الكاتبة الأمريكية بات براون الحاصلة علي درجة الماجستير في العلوم الجنائية لها وجهة نظر أخري مختلفة جذريا عما ورد في صفحات التاريخ لهذه الرواية الشهيرة، حيث أكدت في كتاب لها صدر حديثا عن دار نشر برومثيوس الأمريكية العريقة تحت عنوان :” مقتل كليوباترا”، أنها لاتستطيع التراجع عما توصلت إليه من نتائج بهذا الخصوص لأنها تعتقد بإساءة فهم من قال بانتحارها وجرى تحريف تلك الحقيقة لألفي سنة خلت ، براون تعتقد كذلك أن الأدلة التي ساقتها في الكتاب تؤيد نظريتها بمقتل كليوباترا وأن الأحداث التي أدت إلى وفاتها ليست هي التي تم الإبلاغ عنها طيلة تلك الفترة الزمنية الطويلة .
في واشنطن العاصمة تم في مركز البحوث الأمريكي مناقشة هذا الكتاب بحضور جمع غفير من المهتمين بالتاريخ المصري اضافة إلى عدد لايستهان به من الجمهور وأمامهم قالت براون:
- أنا لا أقصد أن يكون موضوعي هذا تجنيا على التاريخ الطويل الذي له أسبابه في نقل أحداث وفاة واحدة من أعظم النساء ، لكنني أضع هذه الحقائق امام جمع من العقول الأكاديمية والمؤرخين المخضرمين سواء أكانوا من اهتم بالماضي بعلم المصريات أو ممن حضروا الآن وقد تعتبرونها استنتاجات خاصة فمن أنا حتى استجوب التاريخ ولا أعتبر نفسي أذكى من جميع من سبقني في وضع نظرياته وتحليلاته بهذا الخصوص، وأولئك الذين يعرفونني سيعذرون طبعي بالنظر للأحداث من وجهة نظر مختلفة تماما والمستندة إلى تحليل ملفات التعريف الجنائية ومع أني لا أدين بالفضل إلى أي جهة علمية أو تقليد لأثر تاريخي أو لأية مؤسسة، فقد كنت حرة في تحليل مصرعها بالاستناد إلى أدلة الطب الشرعي وقراءة حياتها من الناحية السلوكية وحتى الثقافية والسياسية إضافة إلى التاريخية ، كنت حرة باستجواب كل شيء وكل شخص مر في حياتها وتحملت من أجل ذلك الكثير من العناء.
كل الكتب التي قرأتها عن حياة وموت كليوباترا كانت تعيد نفس القصة والتسليم إلى ما أورده المؤرخ اليوناني الروماني بلوتارخ الذي أرخ لتلك الواقعة بعد مرور 130 سنة على وفاتها ما يجعلنا نتساءل من أين حصل على معلوماته تلك ولم يكن معاصرا لها في تلك الفترة ؟ ولم أتمكن من العثورعلى أي تساؤلات من المؤرخين الذين جاءوا بعد بلوتارخ في صحة ما ادعى ، مع أنهم يعلمون انه لم يعش في عهد كليوباترا ولم يشهد الأيام الأخيرة من حياتها وظروف وفاتها، خذوا على سبيل المثال القصة الأكثر شهرة لهذه الوفاة فقد رأينا في جميع رسوم ولوحات كليوباترا كيف أنها تمددت نصف عارية على أريكة والثعبان ملفوف حول ذراعها وبدت إحدى خادماتها ممددة على الأرض وهي ميتة، بينما رقدت خادمتها الثانية بنصف جسدها بجوارها ميتة كذلك وقد وضع تاج علي رأس كليوباترا ليكون مكملا لزينتها وهي تشهد رحيلها الأبدي ، هذا ما أكدته ريشة كبار الرسامين العالميين، أما ما أكدته الروايات فقد كانت قد أرسلت رسالة إلى القائد الروماني تشرح له فيها تفاصيل خطتها بالانتحار وأنها استطاعت تهريب الثعبان القاتل الكوبرا المصرية في سلة من التين لتمر من أمام حراسها الرومان دون اكتشافهم ما بداخلها وهو أمر لايصدق وأنا واثقة أن من يتجاهل واجباته آنذاك فسيفقد وظيفته ورأسه معا بسبب إصرار أوكتافيوس على أخذ كليوباترا إلى روما أسيرة، ذليلة، منكسرة، فهل نصدق هذه الرواية؟ وكيف يمكن مرورها بهذا الغباء أم هو من خيال بلوتارخ الذي يذكرنا بدان براون الآن ، والصحيح أنها قد استخدمت السم بدلا من الكوبرا فهو أسرع منها 10 مرات ولايمكن إنقاذ متناوله إلا في حالات خاصة مع سهولة تناوله حيث يحقق موتا سريعا له، بينما تستغرق لدغة الكوبرا من ثلاثين دقيقة إلي خمس ساعات لإحداث الوفاة وهذا ما سترفضه الوصيفتان بسبب الرعب الذي ستعيشانه وهما ترقبان سيدتهما كيف تعيش الألم لتموت بعدها، وسيتعين عليهما التعامل مع الكوبرا لإقناعها بلدغهما ثانية وثالثة وهذا ما يدعو للشك في وجود أفعي قد لاتكرر فعلتها ومن غير المرجح أن تفعلها، وإذا افترضنا فعلتها فهل سيغفل الحراس عن سماعهم صراخ كليوباترا ووصيفتيها من الألم أم أن بهم صمما، وبعد أن تنهي الكوبرا عملها ترى من أين ستبدأ بالرحيل؟ يقينا سيكون من الأسهل عليها أن تمر من تحت الباب لتكون بمواجهة الحراس الذين سيسارعون لنجدتهم.
شهادة بلوتارخ هذه ظلت متداولة لقرون عديدة وقد جاء اليوم الذي نفندها ونبطلها لأنها تفتقر إلى المنطق والعلم والأدلة، ولهذا السبب كنت أعرف أنها رواية مليئة بالمغالطات وكان لي أن أحفر عميقا للعثور على الأدلة التي من شأنها أن تميط اللثام عن حقيقة ما حدث لكليوباترا .
__________________
* عن صحيفة / هافينغتون بوست