حين تحقق تركيا برواية لأمين معلوف بشبهة “الإساءة للإسلام”



بريسيل لافيت *

ثمة مفارقة في سياسة السلطات التركية مع الثقافة، حتى يصح القول فيها إنها سياسة الجزرة والعصا، فمن جهة تحقق وزارة التربية بمضمون رواية الكاتب أمين معلوف “سمرقند” وترفع من جهة ثانية الحكومة الحجب والرقابة عن 500 كتاب.

ثمة تناقض في نهج الحكومة التركية حيال الملف الثقافي. فالسلطات أعلنت رفع الرقابة “التاريخية” عن 500 كتاب، بينها مؤلفات كارل ماركس ولكن في نفس الوقت قررت وزارة التربية التحقيق في مضمون رواية عضو الأكاديمية الفرنسية أمين معلوف “سمرقند” بتهمة “الإساءة للإسلام”.

وفي التفاصيل، قدم والد أحد الطلبة في نهاية يناير/كانون الثاني شكوى أمام وزارة التربية في إسطنبول ضد مدرس اقترح على تلامذته قراءة رواية الكاتب الفرنسي – اللبناني أمين معلوف “سمرقند” الصادرة عام 1988 والتي تتناول جانبا من حياة الشاعر والمفكر عمر الخيام. نقابة المدرسين قالت لصحيفة “حريات” التركية، إن وزارة التربية سارعت إلى تبني الشكوى وفتح التحقيق علما أن ابن صاحب الشكوى لا يدرس في المدرسة التي طلب فيها المدرس من طلبته مطالعة رواية معلوف عضو الأكاديمية الفرنسية والحائز على جائزة غونكور. من جهتها أكدت الدار التركية التي نشرت “سمرقند” أن التحقيق الذي قد يؤدي إلى محاكمة لم يقفل بعد.

ويبدو أن هذه الحوادث لم تعد نادرة في تركيا اليوم. هذا على الأقل ما تراه الصحافية في “حريات” فرسيهن زيفليوغي التي تتابع كل ما له علاقة بحقوق الإنسان والرقابة في بلاد أتاتورك. والتي تقول “إن اللائحة طويلة وأن شكاوى قدمت ضد روايات أخرى، منها رواية جون ستنباك “فئران ورجال”… والتهمة، تضيف الصحافية، احتواء هذه الأعمال على فقرات “لا أخلاقية”. وفي هذا عودة إلى أساليب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني في مطلع القرن العشرين أو إلى فترة العسكر في الثمانينات برأي اتحاد الناشرين الأتراك.

حالة أبولينار

وكانت حوادث سابقة أثبتت أن السلطات التركية لا تمزح مع الأدب. فقبل عامين لوحقت الرواية الايروتيكية لغيوم أبولينار”11 ألف قضيب” وحكم على ناشرها التركي بغرامة قابلة للتحول إلى أيام سجن بتهمة “نشر عمل غير أخلاقي من شأنه إثارة واستغلال الرغبات الجنسية للمواطنين”. وقد صودرت نسخ الكتاب من المكتبات، ورفعت القضية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي أدانت انتهاك أنقرة لحرية التعبير والمبالغة في الحكم الصادر بحق الناشر. ولكن هذا لم يردع وزارة التربية التي بادرت إلى حذف بيتين من الشعر من قصيدة الشاعر أديب كنسفار لإشارتهما لمشروب الجعة من الكتاب المدرسي. وحسب فرسيهن زيفليوغي الشاعر المذكور لم يكن الضحية الوحيدة لمقص الرقيب “الأخلاقي” التركي فغيره من الشعراء الأتراك أيضا حذفت أبيات من قصائدهم قبل نشرها في الكتب المدرسية.

“النشر أولا والحساب لاحقا”

في بلد وصفته منظمة مراسلون بلا حدود بـ “أول سجن في العالم للصحافيين” وحيث من المستحسن للملحد عدم البوح بإلحاده، وهذا ما خبره عن قرب عازف البيانو المعروف فازيل ساي الذي مثل أمام القضاء الاثنين الماضي بهذه التهمة. تجيد أنقرة أيضا اللجوء إلى سياسة الجزرة والعصا، ففي مطلع يناير/كانون الثاني رفعت السلطات التركية الحظر عن 500 عمل أدبي وفكري، بينها أطلس لناشيونال جغرافيك والأعمال الكاملة للشاعر التركي الكبير ناظم حكمت. وللعلم فقط كل هذه المؤلفات كان من السهل الحصول عليها في المكتبات ولكن في السر خوفا من ملاحقة السلطات لأصحاب تلك المكتبات.

وتشير مراسلة فرانس 24 في تركيا فاطمة كيزيلبوغا إلى أن الرقابة ترفع عن مؤلفات صدرت قبل عقود من الزمن وتسقط على مؤلفات حديثة. والسلطات لم تعد تمنع نشر كتاب ما ولكنها تشجع عدد من المتشددين في التقدم بشكوى ضد الكتاب. ويؤكد الناشر رجيب زراكوغلي الذي يجمع في رصيده المهني نحو 40 حكما وعقوبة “أن الرقابة غير موجودة رسميا في تركيا اليوم، تنشر أولا وتدفع ثمن ما نشرته لاحقا. على طريقة الروليت الروسية”.

ورفع الرقابة عن 500 مؤلف يظل رأس الجبل الجليدي، فهناك 20 ألف كتاب تمنع أنقرة رسميا نشرهم. المثقف التركي أمين كراسا الذي وضع كتابا حول التاريخ الغبي للرقابة، يصف الوضع بالشكل التالي “لماذا لا ترفع الرقابة بضربة واحدة عن 20 ألف مؤلف؟ والقول أن النشر صار حرا في تركيا؟ ويجيب بدل الاعتراف بالخطأ الذي ارتكب في الماضي تسعى السلطات إلى التفاوض حول هذه الحرية. وهذا يكشف أننا ما زلنا في نفس المكان وأن الحالة تدعو إلى اليأس.

( 24 فرانس برس )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *