د.حمدالله المناصير
يرصد كتاب «عرار شاعراً وناثراً» للباحث د.عبدالله مطلق العسّاف، الأعمال الشعرية والنثرية لشاعر الأردن مصطفى وهبي التل «عرار» في صحيفة «الأردن» التي نَشرت في العام 1927 أعدادها الأولى في عمّان، بعد أن نقلها صاحبها خليل نصر من حيفا حيث أسسها هناك في العام 1909، وذلك بناء على رغبة (الأمير) عبدالله بن الحسين.
يسير العسّاف في منهجية الكتاب الذي صدر عن دار الصايل، ويقع في ثلاثمائة صفحة من القطع الكبير، وفق نشر الأعمال الشعرية والنثرية في الصحيفة، حيث تبرز القصيدة الأولى في العدد 942 (2 كانون الثاني 1933) وتحمل عنوان «مداعبات-العبّوديات»:
«ما ذمّ شعرَكَ إلا معشرٌ سمجوا
في حلبة الذوق إن أرسلتهم عرجوا»
كما اعتمد الباحث في رصده للأشعار على ديوان «عشيات وادي اليابس» الذي حققه د.زياد الزعبي في العام 1982، حيث أن أعداداً كثيرة من صحيفة «الأردن» لم يتمكن العسّاف من العثور عليها كانت بين أوراق الشاعر الخاصة، وبالمقابل فقد عثر على قصائد ومقطوعات لم ترد في الديوان، ربما لعدم تمكّن الزعبي من العثور عليها ضمن أعداد الصحيفة المفقودة.
يقول العسّاف في كتابه حول هذه المسألة: « أثناء مطالعتي للأرشيف في فلسطين المحتلة، وجدت أعداداً كثيرة غير التي اعتمد عليها الباحثون السابقون في جمع أشعار عرار، ووقتها ظننت أن تلك الأعداد الكثيرة لم تتضمن أشعاراً لعرار؛ لذا لم يتطرق إليها الباحثون، غير أن ذاك الظن قد تبخّر بعد أن وجدتها تفيض بأشعار شاعرنا، فتولد ظنّ آخر مفاده أن تلك الأشعار التي وُجدت في تلك الأعداد هي نفسها موجودة في مصادر أشعار عرار المتعددة فلم يذكرها الباحثون بغية البعد عن التكرار، وبعد المطالعة السريعة لديوان الشاعر بتحقيقاته كافة تبخر هذا الظن. ولاحظت أن النسخة فُقد منها أعداد كثيرة.. وربما يعود ذلك إلى أسباب عدة، منها عدم وصول الصحيفة إلى القدس بسبب القطيعة التي حدثت بين المنطقتين جراء أحداث فلسطين، خاصة حرب العام 1948» (ص 29).
يرصد الباحث قصائد ومقطوعات لعرار لم ترَ النّور في الديوان المحقّق، ولا في غيره من المصادر. ومن ذلك قصيدة «إلى المراسل المجهول» التي نشرها عرار في صحيفة «الأردن» (11 تشرين الثاني 1943):
«أيّهذا الصوت مجهول المكانِ
لو تراني كنتَ تدري ما دهاني
خلتني أزجي التي تلو المنى
زخرف العيش وأحلام الزمان
واتهمت الشعر في سكتته
وسكوتي كان يُغْني عن بياني
أنا لو تدري شبابٌ شاردٌ
طاردُ الأوهام في دنيا الحسانِ
غصّةُ الشوق وخذلانُ الهوى
كلما عانيتُ حبّاً.. تَبِعاني
لِمَ تخفي روحَك العذْبَ ولي
من أحاديثكَ ما يحْيي جناني
أنا إن أحيا فللفنّ الذي
هزّ أركاني ودوّى في كياني
أيّهذا الصوت أقْبِل ساعةً
تلْقَ قلباً مستديمَ الخفقانِ
مقلةً عَبرى ومعنى عابساً
وضلوعاً من أسى الوجد حواني» (ص 121).
وثمة قصيدة أخرى بعنوان «إلى ذات الصوت المجهول» نشرها عرار في الصحيفة نفسها (20 تشرين الثاني 1943):
«كنتم الشعرَ والهوى والشبابا
إنّ عيني ترى الحياةَ شبابا
فاعذريني إذا سكتُّ طويلاً
كم سكوتٍ قرأتُ فيه الجوابا
ربّ شعر بعثْتُه في الليالي
شاكياً باكياً أقاسي العذابا
أستعير الدُّجى لنظم القوافي
ومِن الهمّ أنسج الأثوابا
رُبّ حبٍّ كتمْتُه في ضميري
ضقْتُ عنه وضاق عنّي رحابا
لم يدع ذا وذاك مني رواء
نهبَ الروحَ واستباحَ الأهابا
وتجيئين يا نجيبة روحي
تارةً قوةً وطوراً دعابا
تسكبين الحياةَ قطراً فقطراً
هاتِ صُبّي من نبعكِ الأكوابا
هاتِ رَوّي جفافَ نفسي فإني
أشتكي غلةً وأرجو اقترابا
لهف نفسي، ماذا يروعّكٍ مني؛
غزلٌ جَفّ، أم خشيت ارتيابا» (ص 122).
وفي مجال الأعمال النثرية، يرصد العسّاف أمالي ومقالات وخواطر وترجمات لعرار. حيث حوت على كثير من أشعاره التي لم ترَ النور في ديوانه، وهي تسهم كثيراً في كشف جوانب كثيرة لم يتطرّق إليها الباحثون في حياة الشاعر.
ففي مقالة بعنوان «لغويات على هامش قصائدي» يقول عرار: «مع أني صريح جداً وجداً، صريح في كل ما يتصل بي ويصدر عني من شؤون وشجون نظرية وعملية رسمية وغير رسمية خاصة وعامة، فإنه يروق بعضهم أن يتأولوا حتى أقوالي وأعمالي التي تجاوزت حد التطرف صراحة ووضوحاً بما لم يخطر ببال.. وبعد هذه المقدمة التي أرجو أن تقطع جهيزتها قول كل خطيب، أحب أن أعيد القول إن الهدف والقصد والمرام من تحبير هذه السطور التي ستُنشر تباعاً تحت عنوان (لغويات على هامش قصائدي)، والبحث اللغوي العلمي المحض الذي أرمي من ورائه إلى إثبات ما أعتقده وما ما أزال أعتقده، أن اللغة العربية الأردنية في القرى والعشائر التي لم يفسد لغةَ أهلها ولغتهم اختلاطُهم بالخلابيس، ولم تتسرب إلى ألسنتهم لهجات سكان البنادر والدساكر وألفاظهم الحضارية، ما تزال ألفاظاً ومفرداتٍ على الحالة التي كانت عليها في الجاهلية وصدر الإسلام» (ص 232).
وقام الباحث بعمل نقدي مميّز في وضع هامش لكل صفحة في الكتاب يشرح فيه كثيراً من المصطلحات وأسماء الأعلام والأمكنة والإشارات التي وردت ضمن الأعمال الشعرية والنثرية، وذلك من خلال العودة إلى المعاجم والمصادر التاريخية والأدبية.
هذا الكتاب يضيف الكثير إلى ما ينفع الدارس لشعر عرار. والسؤال هنا: هل نحن بحاجة إلى العودة مرة أخرى للبحث في مصادر شعر عرار ونثره المتعددة، لكي نطمئن على تاريخه؟
– الرأي الثقافي