بن لادن يكشف أبعاد المؤامرة العالمية في ‘أساطير رجل الثلاثاء’



*محمد الحمامصي

تستعرض رواية “أساطير رجل الثلاثاء” للشاعر والكاتب المصري صبحي موسى تاريخ جماعات التطرف الديني منذ أربعينيات القرن الماضي حتى نهايات العقد الأول من الألفية الثالثة، وكانت جماعة القاعدة التي مثلت خلاصة تجربة الإسلام الراديكالي المتطرف هي المرتكز الأول بناء النص، الذي رصد الحرب على أفغانستان وتم تدمير جانب كبير من قوات القاعدة وطالبان، وهو ما أودي بزعيمها إلى نوبة من الهذيان والعزلة في كهف على الحدود الأفغانية ليتأمل تجربته العريضة في الجهاد، وتجربة الخيانات التي حدثت له وكيف تحول حلمه بإسقاط أميركا إلى لعبة أطفال ينهار خلالها برجا مركز التجارة العالمي.
لا يتناول موسى في روايته ما جرى للجماعات الإسلام الراديكالي كتطبيق حرفي لما هو متاح من معلومات، لكنه بحث عن أدق التفاصيل لينسج منها عالماً ثرياً يمزج ما بين الأسطورة والواقع، ويقدم علاقات ما بين الدول والأفراد وأجهزة الاستخبارات العديدة من أجل انتاج هذه التنظيمات السرية، فاضحة من خلالها أدوار الحكومات العربية والأنظمة المصرية والغربية في السماح لهذه الجماعات بالنمو والتكاثر، حتى وصلت إلى درتها الفريدة حيث ذلك الثري الراغب في الجهاد على قمم الجبال.
تناولت “أساطير رجل الثلاثاء” الصادرة عن سلسلة “كتابات جديدة” بالهيئة المصرية العامة للكتاب، العديد من الرموز تيار الإسلام الراديكالي التي شغلت الرأي العام بدءاً من الملا محمد عمر والظواهري وعبدالله عزام وأبو مصعب الزرقاوي وغيرهم، ورصدت كيفية بدء تجربة الإسلام السياسي من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مروراً برشيد رضا وحسن البنا والتلمساني والهضيبي وسيد قطب ومصطفى مشهور وناجح إبراهيم وسالم رحال وعبدالرحمن السندي الذي أسس النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين والذي انهار نظامه إثر حادث عبثي لعربة جيب مكشوفة على سفح المقطم وجد بها الكشوف الرسمية لأعضاء التنظيم، مما جعل النقراشي يأمر بحل الجماعة وتقديم أوراق التنظيم إلى المحكمة، وهو ما دعا الجماعة لاغتيال النقراشي ومحاولة تفجير قاعة المحكمة، فكانت النتيجة اغتيال البنا الذي قال على رجال التنظيم أنهم لا إخوان ولا مسلمين، وجعل الجماعة تدخل في طور الدفاع والمهادنة على يد الهضيبي، وهو ما رفضه سيد قطب العائد من صدمة الحداثة الأميركية، فكتب من ظلمات سجنه “معالم على الطريق” الذي أصبح دستور الجماعة خاصة لدى حرسها الجديد، وهو ما أنتج فيما بعد جماعات الجهاد والتكفير والهجرة والفنية العسكرية وغيرها في السبعينيات من القرن الماضي.
كما ترصد تفاعل العلاقات الدولية التي أدت إلى التآمر على أميركا عبر ضرب البنتاجون وشل حركة الاتصال بينه الأساطيل الأميركية في المحيط الهادي والأطلنطي تمهيداً للانقضاض عليها، لكن هذه المؤامرة الكبرى انتهت بانهيار برجي التجارة العالمي ووقوف كل البلدان الكبرى المشاركة في العمل عند حدود الصمت، بينما جوج دبليو بوش يعلن الحرب على الإسلام من خلال الهجوم على بن لادن وجماعته في أفغانستان، كما ترصد علاقات كل من مصر والسعودية واليمن وإيران وتركيا والسودان والصومال وغيرها من البلدان العربية بذلك التنظيم، كاشفة عن العلاقات السنية الشيعية الخفية ودورهما في بناء هذا التنظيم وتدريبه وتمويله والحفاظ عليه، وكيف دبرت فرنسا تمويل هذا التنظيم عبر تجارة المخدرات مع الإدارة الأميركية خارج نطاق الكونجرس في الثمانينيات من القرن الماضي.
يظهر بن لادن في الرواية على أنه شخص عجوز منعزل عن الواقع في كهف مهجور، عجوز يتأمل تجربة حياته القصيرة الثرية متعددة المستويات، ويجوب بذاكرته في فواصل التاريخ العربي الإسلامي ليتماهي مع المشاهد والأحداث، ويسعى لاستعادتها في رجاله حسن الصباح وخالد بن الوليد وعلى ابن أبي طالب وعمر بن عبدالعزيز ويزيد بن المهلب والحجاج بن يوسف والوليد ابن المغيرة وآخر حكام الأندلس الذي بكي ملكاً لم يحافظ عليه كالرجال وجاء بن لادن ليعيده من جديد.
تعد هذه الرواية التي جاءت بغلاف للفنان أحمد اللباد، وبتقديم على الغلاف الخلفي للشاعر المصري شعبان يوسف رئيس تحرير السلسلة في نحو 380 صفحة من القطع المتوسط، هي العمل الرابع بعد ثلاث روايات أخر لموسى هي (صمت الكهنة، حمامة بيضاء، المؤلف)، وخمسة أعمال شعرية هي: يرفرف بجانبها وحده، قصائد الغرفة المغلقة، هانيبال، لهذا أرحل، في وداع المحبة.
وكانت هذه الرواية بمثابة مشروع تفرغ حصل عليه موسى لمدة ثلاث سنوات عاد فيه لأكثر من مائة وأربعين مرجعاً ما بين التاريخ الحديث والقديم ليقدم مجموعة من الوقائع الفنية التاريخية التي آمن بها بطل روايته خلال سعيه لتحقيق أسطورته الخاصة، فكانت جملة من الأساطير المتوالية التي شكلت معاناة جمة في الحفاظ على تطورها وتناميها بنفس سرعة الجمل وانتقالات المشاهد وغموض المواقف التي سرعان ما تكشف عنها فصول الرواية التسعة والخمسين، والمدهش أن هذا هو نفس العمر الذي مات فيه بن لادن رغم أن الرواية بحسب توقيع المؤلف عليها تمت كتابتها في نهاية 2008.
المدهش أيضاً أن نهاية بن لادن جاءت على نفس النحو الذي طرحه موسى في نصه، فهل يمكن أن يكون ما ذكره من تفاصيل كيفية التخطيط والتدبير والتدريب والتعاون والتنفيذ لانهيار البرجين هو نفس ما جرى في الواقع، أم أن هذه مبررات وأساطير بن لادن التي سجلها موسى كما لو أنها مذكرات ألقاها على صبي برفقته في كهف على حدود باكستان أمضى فيه أيامه الأخيرة قبل أن يتم الخلاص منه كورقة أصبحت تكلفة بقائها أكبر بكثير من نفعها.
_____________
* ميدل ايست اونلاين

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *