الكلمات تحترق، القلمُ يطفئها. وحدها الورقة البيضاء تحظى بلذة الاشتعال”.
إنها الشاعرة التونسية شيماء عيسى، تقول القليل عادة، لتعبر به عن الكثير، ذلك أنه “خارج الأبجدية، يُقرأ مصير الكتابة”.
الألوان أحجيتها، والظلّ صوتها الخفي، وفي سرب التسابيح ترصد خيط المغفرة.
لا تعرف شيماء لغة اليقين، فالشعر مفتوح دائمًا على الجُرح، وعلى الأسئلة. ومع تعقد تفاصيل الواقع الراهن، وضبابية المشهد، صار العالم “أرجوحة”!
“الثورة لم تنتصر يومًا، خارج أسوار القصيدة”، هكذا تقول الشاعرة التونسية شيماء عيسى في ديوانها الجديد “مقامات لأرجوحة الموت “، الصادر عن “منشورات كارم الشريف”، وهي ترى أن “الثورة: جنون، عبث، حلم، وحكمة ذابلة تلعقها الألسن المتشققة، فوق مائدة التعب الأبدية”.
صدرت لشيماء عيسى من قبل مجموعتان، هما: ” بيانو الجمعة “، و”حازي وازي”، ولها رواية قيد الطبع بعنوان ” الرسالة 104 “، وهي تشكيلية كذلك، درست الفنون الجميلة، وتُرجمت مختارات من قصائدها إلى الإيطالية والفرنسية والفارسية.
عن ديوانها الجديد، وجماليات تلك ” الأرجوحة ” التي تتعلق بها الشاعرة، ويتعلق بها الحلم، والوطن، والحرية، دارت هذه المقابلة مع “بوابة المرأة المصرية”..
عنوان ديوانك الجديد هو “مقامات لأرجوحة الموت”، ومن بين نصوصه: ” أرجوحة الوطن “، و” أرجوحة الحرية “. ما هذه الأراجيح كلها ؟
– المقصود بالأرجوحة عمومًا، أو فعل التأرجح في النص، أن تجد نفسك في مكان أو منطقة بين مكانين، فلا هي أرض، ولا هي سماء، لا هو غروب، ولا هو شروق، بل هو مقام ما.
الوطن أرجوحة بخيباته، وبانتصاراته. والثورة تأرجُحٌ، تمايلٌ، وثمالة تنفتح على النور والجمال. وهي كذلك وجع ينفتح على ظلم متجذر في اللون والرائحة!
إلام أخذتكم أرجوحة الثورة يا ترى، كما يعبر نصك ؟
– التأرجح اهتزاز، وارتجاج. والثورة هزة ورجة، أخذتنا إلى تلك المناطق القصية والمظلمة في جسد الوطن.
ريح دافئة تقتلع القمع والتهميش: “مسكونين بالهلع، نتخذ محراب الحرية قبلة والدعاء زادًا، حرية حرية”.
الثورة في مقام الرفض تهلل، تبتهل، تكبر، تسبح باسم العودة للجمال والقيم. باب موارب، جهة للحلم والفضيلة تضع على طاولات الآلهة أوراق المرأة، ومطالب التحرر والانعتاق.
هي كذلك جهة للخوف والخراب، تستعير من الآلهة أسماءها، تعلب الحقيقة في كراتين، تدفنها في قبو الحاجة والجهل.
كيف ترين فصل تلك الثورة، هل هو ربيع بالفعل، أم لم يتأكد ذلك بعد؟!
– ثورة الوطن لا هي ربيع، ولا هي خريف. ولا أستطيع أن أحدد إن كانت شتاء أو صيفًا، فالفصول لها حركية سحرية، ودائمة التحول والتغير.
فصل الثورة هو ” فصل النبوءة “، تلك النبوءة التي لا تكتمل، تلك النبوءة التي تتأرجح
من أجواء ديوان “مقامات لأرجوحة الموت”
الوطنُ صرخة
نسيتْ ساقيها الجميلتين
في الوحل والدماء!
* * *
الوطنُ يمسح الحزنَ
عن وجهه
ويلهج بتجاعيد أمانينا
* * *
كيف تكون للشيطان أجنحةٌ
وقد بُشّرنا بالملاك والحصان الطائر
يأخذاننا إلى وطن قُدَّ من ماء وسكّر؟
* * *
عند معطف الغياب
تقبع شجرة اللقاء
* * *
عبر شفتيكَ
أسلكُ
طريق المعرفة
( مجلة نصف الدنيا )