‘انثى عذراء كل يوم’ للكاتب تيسير سلمان: الاحتفاء بالتمرد



( ثقافات )

 

 صدر حديثا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع والصالون الثقافي الاندلسي في كندا كتاب ‘انثى عذراء كل يوم’ للزميل تيسير سلمان النجار محاولا ان يقدم اكتشافا جديدا للمدينة’عمان من خلال بطل الكتاب ‘نهار’ وشبكة علاقته الاجتماعية مع مجموعة من الفتيات العمانيات، ومع كل فتاة يتكشف جانب من جوانب الوعي المعرفي والبوح الادبي للمدينة عمان.
يوجه مؤلف الكتاب الزميل تيسير النجار في الصفحة الاولى من الكتاب تمنى للمدينة عمان: ‘ليتني أستطيع أن أغلق عليك لأنظفك جيدا من كل أشكال الكراهية والفساد والأنانية التي لا تنتج معرفة’، كما يوجه بعض الرسائل الواضحة ـ للمدينة عمان ـ وهو يقول: ‘عمان: المدينة الروحية للاجئين في العالم’، عمان: حب أيضا وهذا الكتاب ما هو الاّ مساحة نثرية في حب عمان’.
ويتجلى حب المدينة عمان في صفحات الكتاب التي جاءت في 150 صفحة من خلال الاشتباك المعرفي الذي اراد به الكاتب ان يكتشف مدينته عمان فوجد أفضل وسيلة لمعرفتها ان يتعرف على فتيات المدينة ومع كل معرفة يقدمها تزيد عمان وضوحا وتزيد معرفة المتلقي بجوانية وبأنوثة عمان عبر اربع عشرة فتاة يرصد من خلالهن الكاتب ايقاع المدينة.’
ويتميز كتاب ‘انثى عذراء كل يوم’ بأهمية هدمه للأفكار الاستباقية وللتصورات الراسخة والمتعلقة بالخصوصية الأنثوية في المرأة قياسا إلى الخصوصية الذكورية، ويحاول الكتاب اثبات ان لكل منهما خصوصيته المستقلة معرفيا دون ان تنحسر مساحة الانسانية لدى أي طرف من الطرفين على حساب الاخر، كما ويطرح الكتاب موضوع التفهم والقبول خارج سياق المفاضلة ما بين الذكر والانثى ويشبه الكتاب المدينة عمان بالانثى وذلك تأكيدا ان للانثى خصوصيتها واسرارها التي تشبه المدن، ويرصد الكتاب الاشكالية الانفعالية المعقدة بين الجانب الانثوي والذكوري انطلاقا من مفهوم الرغبة التي لها خصوصيتها الانثوية.’
كما ويركز الكتاب على ضرورة ان الرجل ليس له الحاجات النفسية والحسية نفسها للانثى، إذ ان للانثى خصوصيتها وللرجل خصوصيته التي تميزه، كما ويمتاز الكتاب بتأطيره للجنس كمقولة اجتماعية معرفية متداخلة مع المكونات الاجتماعية الاخرى وليس كمفردة قائمة بحد ذاتها ‘بيولوجية’ فالجنس في الكتاب هو الذات العارفة لممارسات انتاج الذكر للمعرفة، ويحاول الكتاب التركيز على محمولات انتاج المعرفة من خلال شخصيات روائية مهمشة بغية انتاج معرفة تقف ضد المصلحة الذكورية وسيطرتها على الانثى بوصفها فئة مهمشة اجتماعيا ولا علاقة لها بصناعة معرفتها الخاصة.
يقول الشاعر والروائي الفلسطيني المقيم بالامارات أنور الخطيب في تقديمه للكتاب: ‘بطل الكتاب اسمه ‘نهار’، واستعارة الاسم ودلالاته واضحة جدا، ويفلسفه داخل صفحاته في مواقف كثيرة، ولهذا، فحين يتجول ‘نهار’ في الليل، فإنه سيرى ما يراه كثيرون، ولكن من زاوية فيها جدل كثير، فليل عمّان ليس لفتيات عمّان ‘إنّه للغريبات، وللنادلات وبائعات الهوى، ولأخريات لا أعرف سوى أماكنهنّ تمامَ المعرفة’، وهؤلاء الفتيات، على الرغم من أنهن نادلات وغريبات وبائعات هوى، إلا أن لكل واحدة منهن موقفاً من الحياة أقرب إلى موقف الفلاسفة، أما فتيات عمّان أنفسهن، فيكرهن ‘عنصرَ المفاجأة في العلاقات، ويقدمن عنصرَ الغموضِ على كل العناصر الأخرى في علاقتهنّ’، والغموض حكاية أخرى سرديا وشعريا واجتماعيا وعاطفيا وجنسيا.
ويضيف الشاعر الخطيب: ‘يتردد في هذا الكتاب أكثر من صوت، صوت الشاعر، وصوت السارد، وصوت الإعلامي، وصوت الفيلسوف، ولولا اشتراك هذه الأصوات في العزف بانسجام على آلة الذاكرة المفعمة بالألم، وأوتار القلب المسكون بالحب، لأصاب الملل الكاتب قبل القارئ، لكن الكاتب قدّم متعـــاً حسيّة وروحية وثقافية، مكّنته من مرافــقتي كقارئ حتى نهاية الكتابة’.
أما الدكتور سميح مسعود فيقول عن الكتاب على صفحته الاخيرة: ‘يفيض هذا الكتاب بآفاق عديدة عن زحام الحياة في عمان الممتلئة بأفكار ومشاعر ومعانٍ ناضجة عن الحياة والناس.. كما يكتنز الكثير من التفاصيل والجزيئات لنماذج تعيش في عالم عمّان الليلي، فيفسر الرغبات تفسيراً دقيقاً عبرَ سرد العقبات النفسية المختلفة بمنظور المجتمع، ويبحث المؤلف فيها بدافعٍ إنسانيّ عبرَ تجاربه مع الآخرين، ليقدم فيما بعد ما حصده عبر رحلاته تلك بطابعٍ إنسانيّ مثقلٍ بالتوتر والريبة.’
يحاول الكتاب النثري ‘انثى عذراء كل يوم’ ان يرسخ مفهوم ان الهدف من النزوة الجنسية هو اللذة اولاً ؟ وليس التكاثر وحده، انطلاقا من ان لذة الأنثى هي تجل لخصوصيتها في الرجل، ويهدم الكتاب فكرة ان الأنثوية تتمظهر وتتجلى حين تصبح أماً فقط، وكما ويهدم الكتاب الفكر المجتمعي السائد والذي يقول ان الانثى تمرّ من العذرية إلى الامومة دون توقف بطرق الحب وبطرق ترسيخها للجمال في ما يحيط بها مكانيا واجتماعيا، فالانثى ان لم تكن أماً فهي ليست ملغاة اجتماعيا، كما ويهدم الكتاب الفكر السائد والذي يقول ان رغبات الانثى مجهولة غامضة وغير مرئية دون زواج.
ويصور كتاب ‘أثنى عذراء كل يوم ‘الثقافة بوصفها مجموعة من المؤسسات والمواقف والسلوك المكتسب يمارسه ويتناقله أفراد المجتمع وان الانثى في الكتاب تتمزق بين صورتين الاولى طاهرة ومحافظة وهي صورة امهاتهن والصورة الثانية تتمثل بصورة الفتاة المتمردة وهي صورة الأنثى العربية التي تقلد الغرب وتستمد ثقافتها من الغرب عبر شبكات التواصل الاجتماعي والافلام والاعلام ويقدم الكتاب بصورة معرفية كيف تلعب الفتاة العربية عموما والعمانية للدورين معاً ؟!.
ونقتطف من الكتاب: ‘لا معنى لكل ما كتب عن المرأة، لأنه يزيد من القيود عليها، كما لا معنى لكل ما نحن فيه من انفتاحٍ إن لم يزد المرأةَ حريةً ويمنحها مفاتيحَ التحليق حتى لو كانت تسكن في داخل الجسد لا في شكله، من المؤكد أنَكِ مصابةٌ بالحزن مثلاً، أو أنكِ مصابةٌ بالفقدِ على الأكيد. هنا أتذكر صمتَكِ منذ أكثرِ من سنةٍ ونصفٍ خلَتْ، وكنت دائماً أحاولُ أن أفهم الحنوّ في حركتكِ، وفي صمتكِ، وفي طريقةِ تعبيركِ عن ذاتك، ورغم إحساسي بذلك الحنوّ إلاّ أنني لم أفهمه، كما لم أجد له مثيلاً، إنّه حنوٌّ يشبه حنوَّ النجمةِ على وجه التقريب. هناك رأيٌ لعلم النفس يؤكد أن للكائن العديدَ من الحواسِّ الكامنةِ ويحاول أن يفهمَها أو يكتشفها باستمرار، وتلك الحواسّ لا آفاقَ أخرى لها سوى أنّها تنمو فقط’.
ومن الاسئلة الكثيرة التي يطرحها الكتاب نقتطف هذا السؤال: ‘أين تضع فتياتُ عمّانَ أسرارَهن. يا ليتَ يا سوسن، لو أنّ في عمّانَ ‘نهراً’ حتى أذهَب إلى أقصاه وأُصغي لما فيه من أسرار وعلى الأخص أن المدينة تحمل آثار نسائها على جسدها’.
يذكر ان الكاتب تيسير سلمان ساهم بتأسيس عدة صحف إلكترونية أبرزها: حريات ثقافيةـ اخبار الاردن ـ الأردن الجديد.
والزميل النجار أسس مجلة حياة شباب الأردن الورقية وحظيت باهتمام وقبول في المؤسسات العاملة في قطاع الشباب. يتعاون مع وكالة الأنباء الأردنية بترا، عمل وكتب في عدة صحف أردنية: العرب اليوم، الدستور ‘حاليا’، كتب في العديد من المجلات المحلية والعربية الشهيرة المتخصصة بالشأن الثقافي. صاحب أول كتاب مراسلات أدبية أردنيًا: ‘مراسلات عيسى الناعوري مع نازك الملائكة’ الذي صدر بطباعته الأولى عام 2002 وستصدر طبعته الثانية العام القادم. أصدّر في حقل الشعر المنثور ديواني: ‘خروج مؤقت’ و’ملمس غامض’.
كما له كتاب ‘تأمل أمام ينابيع تتفجر ـ حوارات مع د. ثريا ملحس’، وعدة كتب عن الأديب عيسى الناعوري وغيره من رواد الثقافة. حرر وأعد مجموعة من العديد من الكتب خلال السنوات 2000 ـ 2012.
والنجار عضو رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد الكتاب العرب. ويعمل حاليا على اشهار مشروع مكتبة في كتاب.
 

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *