غازي الذيبة*
خرجوا بوحشتهم معا
خرجوا بوحشتهم وحيدين ارتجالا في النهار
ولم تكن تجتاحهم غير النهاية
لم يكن في بحرهم وطن نحب ولا حجارة
الشمس طافية على الأسماء في أسرارها
والأرض سيدة الإثارة
كتب مقدسة تقدم خبزها للتائهين
وأنبياء تمزقوا في طهرهم
لم يكسبوا وطنا
ولم يتلعثموا أبدا امام الله
كانوا يصعدون إلى السماء من المغارة
كانوا خفافا يقرأون على الظلام
سنينهم
ويعتقون كلامهم بالبحر والنزر القليل من المحارة
..
خرجوا علينا من صفير الريح
من شجر الكلام
ومن نحول الناي
كانت صعدة تهوي إلى واد بذي زرع
وماء لم يكد يروي العطاش
فيعطشوا
..
خرجوا
على أسمالهم ريش خفيف
أو مغّناة تهمّ بطيفها
فيهب صوت تحت نافذة تئن
..
خرجوا
ونحن مع الهواء على حواف الليل يسكننا الحنين
ولا نمد غيابنا لليل
تسكننا الظلال بآهها
حتى تقطعنا المسافة أو نجن
..
والتيه يسكن في السكون
وخائفا يمضي
تخالجه المودة وهي ترمق نولها
وتشده نحو الفضاء لكي يضن
..
العابرون تمكنوا من سرنا
والسر حزن
..
خرجوا
كان النعاس رفيق وحشتهم
وكان الغائبون يحلقون على معاني ليلهم
يستيقظون
ويهجرون دعاءهم
وإذا استعادوا نارهم
كانوا يجيئون ارتجافا
..
خرجوا
ورثوا مغانمنا القليلة في الإياب
وفي التباس التيه
ورثوا رغيف الحزنِ
أوقدهم غياب النهر عن أهوائهم
ومضوا مع الوجع المؤرق للصباح
كانوا جياعا للسبات وللغناء
وكان دمعهمُ الرقيق يشف
ينثر قمحهم فوق المصاطب
كان موعدهم مع الألق المسجى في الخيام
غواية ترثوا الجراح
..
خرجوا
سنقوم من أهوائنا كالمتعبين
إلى مزايا موتهم
نحنو على أشواقنا
ونميل تحت السيف طيفا ذاهلا
..
من ألف قافية
ومن ألف التباس نائم
خرجوا
كان الرعاة يهدهدون قفارهم
ويحاولون الصوم في أرض الخرافات البعيدة
يذهبون إلى الظلام
فمن يقوم على ظلال النار كي يرث النهاية وحدها ؟
من يستعيد غيابه ؟
من يسترد عيونه من شهقة الظل المريب ؟
..
خرجوا
كأن صراخهم وطن تردده الخرافة
وكأنهم ذابوا مع الطعنات
قاموا من سريرتهم
وقاموا
الليل تسكنه المهابة
والظلام وراؤهم ظِلٌ
وناموا
تركوا مهمتهم على جبل النهايات الأليمة
واستقاموا
مثل رمح ساهم في طوله
كانوا
حفروا مغبتهم على النهر المحنك
ثم غاموا
..
ماذا سنفعل بالكلام
ماذا سننحت من حصارات الغزاة على أجنتنا الكسيرة ؟
ماذا سنطوي من دفاتر حربنا
ورقا تهتك
أم نرتب حزننا قبل الغمام ؟
..
يا أيها المتلعثمون أمام صندوق السراب
ماذا سيحدث للحجارة في مساءات المودة ؟
من سوف يذهب في الغياب إلى تخوم الميتين
ليرتوي من ماء غبطته حزينا
أو يقوم مع الخراب ؟
..
يا حزننا الأبدي
يا صوت البراري
يا جناح الخوف
يا مطرا لعينا
كم توخينا القيامة أن تعود إلى مهابتها
وتخرج من متاهة صمتنا
صمتا يعيد إلى الكلام عيونه
وإلى العناية طيرها الفضي في كبد السماء
وكم ارتقبنا موتنا ظلا
وصومعة على طرف البهاء
..
النهر يرقص
والرؤى سفن يغيبها المساء
لا بد من جرح كبير كي نكون
ونستبد بنارنا حتى يحركنا الفناء
الشمس تنهض في الصباح على الرؤى
والليل يسكنه الرجاء
نار على أهدابنا
والصمت سيدنا القليل
ونادل الحسرات يخسر خبزه
والآه تسمو في تأوهها السماء.
‘ شاعر من الاردن
( القدس العربي )