الأرض بأطرافها أمام عينيك في ” مجمع الاسكندرية للفنون “



محمد أحمد محمد *

تحت مسماه الجديد «مجمع الفنون بالإسكندرية» افتتح أخيراً متحف ومكتبة الفنون الجميلة بالإسكندرية بعد 32 عاماً منذ إغلاقه عام 1981 حيث كان يتم الاكتفاء فقط بإقامة بينالي الإسكندرية كل عامين. وقد جرى تجديد وتطوير المتحف، ليشمل تغيير جميع النظم الأمنية وتحديثها وإدخال كاميرات مراقبة تعمل على مدار 24 ساعة، بالإضافة إلي الإطفاء الذاتي للحريق، وكذلك تطوير المبنى الخاص بقاعات العرض وتغيير الأرضيات ونظم الإضاءة ونظم صرف الأمطار «عزل أسقف المتحف بحيث يتم صرف الأمطار بشكل سليم من دون التأثير على المبنى والأعمال الفنية «.
 

بجانب المجمع تم إنشاء مبنى جديد خلف المتحف يعتبر مركزاً ثقافياً دولياً يشمل قاعات عرض للعروض المتغيرة بعيدا عن العروض المتحفية، وكذلك قاعات للورش الفنية وأماكن لاستضافة ومبيت الفنانين الأجانب ضمن خطة تبادل دولي ثقافي بين مصر والدول الأخرى. كما لحقت أعمال التطوير المكتبية العامة الملحقة بالمتحف من حيث الأثاث ونظم إدخال البيانات والاستعارة بشكل علمي إلكترونياً لحين افتتاحها الرسمي للجمهور.
 
ويتكون المتحف من طابقين يشتملان على عديد من صالات العرض ومكتبة فنية متخصصة في كتب الفنون الجميلة ومركز ثقافي تم تخصيصه لإقامة الحفلات الموسيقية والندوات الثقافية والعروض المسرحية وإقامة بينالي الإسكندرية الدولي لدول البحر المتوسط حيث اعتاد المتحف استقبال هذا الحدث الدولي منذ عام 1955.

كما يضم المتحف 1381 عملًا فنياً في مجالات التصوير الزيتي والجرافيك والنحت لكبار الفنانين المصريين والأجانب العالميين والمستشرقين. أما قاعات العرض المتحفية والقاعات العليا فتضم عروض الفنانين الرواد الأجانب والمصريين والمستشرقين منذ بدء القرن السادس عشر.

وتشمل مزيجاً من الأعمال الفنية في النحت والتصوير والرسم والجرافيك منها أعمال فنية تم ترميمها عن طريق الإدارة العامة لبحوث الترميم وصيانتها وجميعها أعمال ذو قيمة عالية (أعمال صلاح عبد الكريم، محمود مختار، محمود موسى، سعيد العدوي، سيف وادهم وانلي، مريم عبد العليم، مصطفي عبد الوهاب، محمود سعيد، محمد ناجي، عبد الهادي الجزار، محمد صبري، حلمي نخلة، حسني البناني)، بالإضافة إلى قاعة خاصة بأعمال الفنان الراحل حامد عويس والذي يواكب تاريخ ميلاده وذلك تكريما له.

قيمة وقامة

حين تتجول بين جنبات المتحف تدرك قيمة وقامة هذا الصرح الكبير؛ فجدرانه وأروقته تزدان بروائع الأعمال الفنية التي تعود لمجموعة من أهم وأشهر فناني العالم ومبدعيه.

وتتنوع من حيث المدارس والثقافات بل والحضارات حتى تكاد تجمع لك وفي جولة واحدة الأرض بأطرافها أمام عينيك، جنباً إلى جنب تعيش مع روائع الرواد والمستشرقين فضلاً عن أصحاب الذكر الخالد من كبار فنانينا الرواد والأساتذة، حيث إن مجموعة مقتنيات المتحف تنتمي إلى أوروبا من القرن 16 إلى القرن 20 والتعريف بأهم فنانيها.

لذا سنبحر معاً على مدار عددٍ مـن الرسـائل الفنية وسط مقتنيات هذا المتحف الرائع، وســتكون البداية مع رصد أهم المقتنـيات من أعمــال فنانــي عصر النهضة (فن التصوير في أوروبا في القرن 16) وصـولاً لأشهر مدارس التصوير الزيتي الواقعية والرومانسية في أوروبا في القرن 19 والقرن الـ 20، ولنبدأ بـ «بورتريه سيدة» للفنان أدريان توماس كي في القرن 16 ثم من القرن 17. نذكر مجموعة الفنان بيتر بول روبنز «مريم المجدلية»، وثلاث أعمال (مناظر طبيعية وأطلال رومانية) للفنان الإيطالي فيفيانو كاتاجورا، ومع أعمال القرن 18 نصل لعمل الفنان الإيطالي العظيم جيوفاني باتستا تيبولو وهو مشهد رمزي.

وتتوالى أعمال العظماء في القرن 19 مع عمل ينتمي لمدرسة الفنان الإسباني الشهير فرانثيسكو جويا بعنوان «القرود» ولروعته وجماله وأسلوبه الفذ يُعتقد أنه للفنان نفسه، كما يتواجد الفنان الفرنسي جان فيكتور آدم بعمل «محاربة الأمازون»، وأخيراً من القرن العشرين أعمال للفنانين الفرنسي جورج هنري رولات، وبول ريتشارد، والإيطالي إنريكو برانداني.

وهنا نتوقف مع اثنين من أهم وألمع هؤلاء الفنانين وهما الإيطالي تيبولو والإسباني جويا.

جيوفاني باتستا تيبولو

وُلد جيوفاني باتستا تيبولو في مدينة فينسيا عام 1696م وتوفي في مدينة مدريد الإسبانية 1770م. اتبع الفنان تقليداً كان متبعاً لدى فناني فينسيا فأثرى لوحاته بالألوان المتعددة ودرجاتها المختلفة، وجاء بتكوينات معقدة تنبض بالحيوية تحت لمسات رقيقة وخفيفة ومتسارعة من فرشاته، على أنه ابتدع أسلوباً خاصاً به أضاف من خلاله إلى التقاليد التي اتبعها سابقيه، حيث جعل سطح لوحته لامعاً براقاً يغمره الضوء.

كما اشتهر أيضاً بجدارياته من أعمال «الفريسكو» كبيرة الحجم، فمن المعــروف أنه في فترة متأخرة من عصر «الباروك» حرص الفنانون على إبداع تشكيلات كبيرة الحجم ومتداخلة العناصر كجزء من مشاريعهم الفنية لزخرفة الكنـائس والقصــور بلوحـات يتخيل معها المُشاهد أن الأسـقف الداخليـة تحولـت إلى سموات مفتوحة يسبح فيها القديسون وأبطال الأساطير.

كما تحولت الحوائط إلى مشاهد مسرحية لأحداث ملحمية وتاريخية، وإلى جانب جدارياته رسم «تيبولو» عدداً كبيراً من اللوحات الزيتية البعض منها كبيرة الحجم.

وفي نفس الوقت كُلف بعمل زخارف فنية ورسوم في عدد من القصور الملكية والكنائس، ليس فقط في فينسيا بل في المدن الإيطالية الأخرى، وفي عام 1750 سافر إلى ألمانيا بناءً على طلب الأمير بيشوب لتزيين مقر إقامته في مدينة فيرزبورج حيث قضى ثلاث سنوات لإكمال مهمته.

وفي أواخر أيامه انتقل إلى مدريد لرسم وزخرفة حجرة العرش في قصر الملك تشارلز الثالث. وفي عمل تيبولو المقتنى بالمتحف يلاحظ المشاهد أن هذا المشهد الرمزي يزدحم بشخصيات، جاء ذكرها في الكتاب المقدس، في حركة دائرية في وجود خلفية من السحب وربما رسم «تيبولو» هذا المشهد كنواة لعمل جداري ضخم لسقف داخلي لقصر أو كنيسة.

فرانثيسكو جويا لوثينتس

ولد فرانثيسكو جويا لوثينتس في بلدة فونديتودوس في أراجون عام 1746م وتوفي في مدينة بوردو عام 1828م. لقد كان واحداً من أساطير الفن العظام على مر العصور الذين قدموا أعمالاً أثارت ولا تزال الصدمة والدهشة والإعجاب والجدل في آن واحد، كما كان رسام البلاط الملكي في إسبانيا، إلى جانب تودد أفراد طبقة النبلاء له لعمل لوحات لهم.

امتدت شهرته خلال حياته عبر القرنين 18 و 19. قدم لوحات تمتلئ بالحميمية تتميز برشاقة الألوان وخفة الأسلوب، بدا فيها حماسه لأسلوب «الروكوكو» الذي بدأ في فرنسا أول الأمر عام 1700م على وجه التقريب، قبل أن تتلقفه أوروبا بأسرها، لتُطوىَ صفحة الفن الباروكي.

ومن جهة أخرى وجد في نفسه هوى وميلاً للمدرسة «الرومانسية» فأصبحت لوحاته مليئة بالعاطفة، مُعبرة عن الأسى على حالة الإنسان وبؤسه، وفي بعض الأحيان عمد جويا إلى تناول موضوعاته في جو من السخرية والمواربة والنقد اللاذع، هذا إلى جانب رسمه لوحات مُحملة برؤى سوداوية تُثير الفزع والخوف في نفس المشاهد لجرأة الفنان في تناول الموضوع من دون محاولة منه لتخفيف غلوائه.

( الاتحاد الثقافي )

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *