قصص قصيرة جداً


نهار حسب الله *

أنا وبيرل باك
1.
قالت لي الكاتبة الامريكية بيرل باك إن (الحقيقة دائما مثيرة، لذا قلها، فالحياة مملة بدونها) ومضتْ كما الحلم.. لتحولني الى أبله يفتش في السراب، تائه يمني نفسه بإبصار الحقيقة.. أية حقيقة في هذا الوجود، ولم أكتشفها إلا بعد أن أدركتُ أن حياتنا لا تنتمي إليها مطلقاً..
2.
خَنقتْ أنفاسي، لا بل سَحقتْ أنفي تحت قدميها عندما قالت بيرل باك إن: (النمو في حد ذاته يحمل بذرة السعادة) قالت ما أرادت من دون أن تُكلف نفسها النظر الى أجيالنا التي دخلت لهذا العالم وهي تعاني من الاضطرابات النفسية والتشوهات الولادية، وهو الأمر الذي يغيب عنا بذور السعادة، لا لأننا في خصام مع الفرح ولكننا لا نملك أرضاً فكرية نزرع فيها تلك البذور.. بوصفنا مخلوقات متخلفة.

أنا ومارلين مونرو
1.
أطفأتُ شموع عمري الواحدة تلو الأخرى، ونفختُ فيها على حساب الالتزام بقواعد النظام، على الرغم من معرفتي الأكيدة بدكتاتورية غالبيتها.. إلا انني كنتُ راضياً بسلاسل الحياة التي تقيدني، علّي أعيش بسلام..
وذات ليلة تنبهت للنجمة السينمائية الامريكية مارلين مونرو وهي تقول في لقاء تلفزيوني (لو كنت التزمت بكافة القواعد ما كنت لأحقق شيئاً) مما رسم بداخلي خارطة التمرد على المألوف… إلا انهم أكدوا لي بأن قبري صار جاهزاً لاحتضاني.
2.
احتفظتْ حبيبتي بحذائها الأحمر ذي الكعب العالي والتي لم ترتدِه سوى يوم إعلان ارتباطنا.. خَزنته مع بقايا الذكريات بوصفه حملها في مناسبة عمرها الأجمل..
أذكر انها كانت بمنتهى البهجة يوم اشتريناه معاً لأنه أشبه بحذاء الممثلة الامريكية مارلين مونرو، والتي كانت حبيبتي من أشد معجباتها.. ولم يغب عني ذلك اليوم، حيث بقيت تردد مقولة مونرو: (لا أعرف من اخترع الكعب العالي، لكن كل النساء مدينات له بالكثير) مع قهقهات بصوت عال ٍ..
غير أنها لم تضعه في قدميها بعد ذلك اليوم ولم تعلن امتنانها لمن اكتشفه لأنه لم يمكنها من اقتطاف تلك النجمة التي وعدتني بها.. وباتت حزينة إلى يومنا هذا.

أنا وبتي سميث
1.
أنين دموعي مسموع كزخات المطر، يهطل بعجل ليكون نهر الهم على وجهي ويرسم بركة هنا، وجدولاً هناك.. وصحراء الشوق تُخربش وتمزق صدري بأشواك لا تعرف الرحمة، أشواكاً برية نَمتْ بعد رحيلها عن أحضاني.. ومازلت أصبر نفسي تارة وأعاقبها تارة أخرى وأسكر بدموعي حتى لا أستفيق..
وعلى الرغم من هذه الفوضى كلها، لم تغب عني مقولة المؤلفة الامريكية بتي سميث (المغفرة هدية غالية رغم أنها لا تكلف شيئاً) وبقيت عالقة في رأسي لا يغسلها الدمع ولا تحذفها مرارة الخمر.. وهو الأمر الذي جعلني ألوم نفسي التي غفرت لها طول الغياب.
2.
عَملتُ على اقتباس حكمة بتي سميث (انظر إلى كل شيء كأنك تراه إما لأول مرة أو لآخر مرة) ومن جانب الفضول حاولت تطبيقها في حياتي اليومية، وسرعان ما وجدت عالماً آخر..
الأشياء كلها عزيزة وغالية، وحياة بعيدة عن الرتابة والملل، وآلاف الوجوه كلها بشوشة وباسمة ، إلا أن أمي طبقتُ عليها النصف الأول من المقولة فعشقتها أروع عشق وشعرت بأني انتمي إليها، وأعدت تطبيق النصف الثاني لأجدها حاضرةً لا تغيب أبداً.

 

* قاص من العراق

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *