بسام جميل *
في الذاكرة خضاب ومروحة لقلم تهتدي باصرارها قيمة الحجر .
الحجر الذي رافق عين قلب ملئه مشهد تكرر في أرض العارفين ! .
هناك حيث للحكايا مجدها .
هناك حيث لا قيمة للوقت إلا بدمدمة طلقة تعرف جيداً طريقها وتدرك أن صمتها عدوان . إذا خابت مسير عين ناظرها لصدر العدو .
وصلنا الخبر متأخراً ! . لكنه حاضرنا الغافي بالنوايا يكبر على مهل حلم , يعد نبضات قلبنا ويهدهدها كي يحسب كم من الوقت تبقي للقائه .
دمشق : . أبجدية تعرف نفسها جيداً . وتعرف صلابة جدرانها ايضا .
تأمرنا أن نتعجل . أن نسرع وأن ننضج . أن نتأهب دوماً ولا ننحني إلا لصلاة.
هكذا عرفنا الأم ، في مشهد يكون انتصاره واضح المعالم . مدينتي العارفة انيني الظافرة بحبي علمتني أن أكون بظلها انسان لا يهاب ولا يخشى سوى الاندثار على غير هديها ! .
حلم..هذا ما كان عليه يومنا الذي سبق انطلاقنا المحموم بغبطة وشوق وكثير من الاشياء التي لم ندركها حينها .
اجتمعنا مساءا نعول على ايمان نملكه منذ الازل : سوف يأتي هذا اليوم .
خضنا غمار لهفتنا ، تحدثنا عما يمكن أن يكون في الفجر المرتقب .
ترقبت عيونهم وتنهدت كثيراً . فالوعد اراه حقيقة بيضاء ناصعة ، في تلك الناعسة الرافضة غفلة او نوم . نوايانا تقول سنعبر , سنصل للحدود ! أحذر أن تحمل سكيناً اجذر ايضا أن تبقي على هاتفك ، فالطريق عسير بفعل واقع اليوم , والحواجز الصديقة كثيرة ، . لن يسمحو لنا ! , لا بل سيسمحوا متغاضين ويتغاضو عن الأمر. يقول احدهم .
افكار تعصف بنا لكنها لم تكن ممراً للقلق ، فقد اعتدنا اجواء الصخب والتخبط والقلق .
بعض الرفاق قرر كتابة وصية ، وأخر رأى أنه لن نكون كما شاءت امهاتنا لنا للوطن هدية.!
تابعنا السهر بانتظار الفجرالموعود , كاد يطلع ونجن نترقب . عدنا كل لمنزله ليتكون اطلالتنا الاخيرة على الغافلين عن رحلتنا .
انتم عقلاء كبار . قالت امي. –
الامهات . لن نذهب هكذا دون وعي في مغامرة كهذه , لن نسمح بدمع يذرف على وجوه
دخلت منزلي .
كنت اخفي حزنا حل بي , تأملت نومهم : هذا اخي . لابد وانه في احلامه يلعن حنيني للجدار ، او يشتم بعض زبائن محله، ! حين يدركه الصبح وهو يعمل تحت ضغطهم . كتب على الجدار كلمات اغاني قلتها ذات ليلة سهر ، وبعضا مما خط قلبي من حروف تائهة . يملك ريشة جميلة نقيض خطي الرديء !. .
حملت كوفيه هدية ذات يوم من قلب نبض لي حباً ونبضته وطنا . ثم همست خروجا حيث الرفاق .
تأخرنا ونحن ننتظر من وعدنا بمركبة توصلنا ا لوجهتنا . تذمر الجميع ، وبدأنا نتصل بالاصدقاء في مخيم اليرموك.
هل ذهبتم ؟ هل انطلق الموكب ؟ تباً ! علينا الحاق بهم .لن يتمكنوا من الخروج دوننا . سيفعلون ؟ . حسناً هيا خمسة ركاب بسيارة اجرة ! تدبروا الامر. سنلحق بهم وهناك سنتدبر الامرمعا .
وصلنا .
كان الجمع قد وصل قبلنا .
و جدنا مركبة . كانت الاخيرة الذاهبة بالاتجاه المنشود .
كاالمجانين الصغار ، تلقيناها : لن نضيع فرصتنا .
صعدنا وفي العيون غشاوة ، بحنجرات تصدح بعزف الارض، باغاني ثورة لطالما عشنا وقعها روحاً وقلبا .
. تأملنا خروجنا ، اثناء مرورنا في احياء قدس الياسمين
العبور . اصدقائي يغمرهم الشوق والنشوة كأن انتصرنا حتى قبل ان نخوض غمار معركة
وفي ذاكرتي مشهد آخر عزيز : في ذاكرتي نادتني بيروت إثر حصار ، ناداني كل موت وكل دمعة وصرخة . نادتني زغاريد الصبايا الباكية على خروج ابطال المخيم.
كل هذا اراه امامي بين العلو والدنو في نغمة الثورة الوليدة لحظة الغناء
. خرجنا كالفاتحين بذلك الأمل الذي اعترانا
. بعد ساعة اوكثر من السير هدأ الصخب وشرد المسافرون في افكارهم
، كنت اجلس في المقعد الاخير وانظر خلفي
. انظر امي التي ربت وهي تعيش صخبها الآخر ضجيجها الذي لم نعده قط
تأملت وشردت بها ايضاً ,الى أن اعادني صوت احد الرفاق يقول :ها هم ,هاهم امامنا ألم أقل لكم سنتبعهم وسوف بسيقهم في السير ايضاً
كانت أحدى العربات المتأخرة في الانطلاق هي التي تحتل المشاهدة امامنا
.بدأالجميع بالصراخ أن اسبقهم ..عليك بهم ولا تسمح لهم ان يتعدونا ابدناً فزاد الحماس في الجو الصا مت قبل برهة.
وصلنا نقطة قريبة : درجة أن ينطق أحد العارفين وجهتنا :هنا في الأعلى يقع مرصد الاحتلال و ذلك هو للقوات الدولية .
البعض ممن كان لهم نصيب الزيارة قبلاً يدرك ما يراه جيداً والأخر الذي كانت هذه لحظاته الأول في وطأة هذا حضور هذا التل بقي معتلاً دهشته لكنها لم تطول
فقد استوقنا وجود حاجز للقوات الدولية ونحن نميل بميل المركبة في الطريق المتعرج أمنياً
ألقينا التحية كما لو اننا نزور القنيطرة في صغرنا اثناء الرحلات المدرسية
وبادلونا التحية بوجوه كئيبة وصفراء .!
تخطينا الحاجر واتبعنا
لنجد الطريق قد تأثر بذلك المعبد الحلزوني
نصعد تله لنجد اخرى خلفها وندور حولها ثم فجأة ومن الفراغ اللامرئي ظهر أمامنا العشرات والعشرات من المركبات التي تصطف خلف بعضها على يمين الدرب وكأنها تتمة سكة قطار بلا نهاية
لم يكن بمقدور مركبتنا ان تتابع نقلنا فالطريق ضيق وبالكاد يتسع لمرورها
ترجلنا بذات الحماس الذي صعدنا به
بدأنا سيرنا ونحن نتأمل هذا الصف المهيب لكنا نبحث الاشخاص فلا نراه الا العدد القليل المبعثر امامنا في التل الآخر الذي نقصده تباعاً
• لحظات فقط واعلن عقل المختل خلف الحدود حضوره فسمعنا اولى الرشقات النارية
تفاجأنا : كنا آخر الواصلين وما كان منا إلا الجري والجري السريع الى الامام البعيد
,بالسبة لي اتعبني الطريق المتعرج فأجذت شمال انعطاف نزولاً
كما فعل البعض قبلي وهبطنا الوادي بتخبط وانجراف
ثم اعتلينا صعودا للتل ، التل وحسبنا ان نستبق الوقت لو استطعنا . ا
عدنا للرصيف حتى ادركنا الساحة التي لطاما احتضنت لقاء الاحبة والاخوة من اهل الجولان في الطرف المقابل من مجدل شمس
رأينا توتر الوجوه حيث كان اغلب الحضور من النسوة ,سمعنا صراخ البعض
كنت اركض حينها كمن يهذي فأرمي جسدي أمامي
وصلت المنصة ,دخلت بين الواقفين كمن يشق عنان بحر يمنتاً ويسارا .
أحاول الوصول للامام . وحين بلغته كان أن استوقفت نفسي لحظة التقط بها انفاسي . اj
>! نظرت حولي فلم اجد احداً من رفاقي
نظرت امامي للاسفل الممتد فوجدت نهراً من الاخوة لا بل شريان حياة يحاول الوصول للقلب فينبض به
كانو في منتصف الطريق او قبله بقليل
لم اع سوى أن خطواتي تسحق التراب بفعل سرعتي في النزول
وكأن ساقي لم تخلقا إلا لهذا الهبوط
وصلت نهاية المنحدر , اتبع خطاه من يسبقني او ربما اتبع قلبي
بدأ الدخان صعودنا والبعض يعتصر عينيه ألماً وآخر يعيقه عن انفاسه فثالث يستكشف الارض متقدماً البقية ويبحث عن لغم هنا وهناك
ثم بدأ فجور الرصاص يحاول اصطياد غزلان هامت حنين سهولها
بفعل صبر ,بفعل بريق عين الجد في حديثة ذكرى وطن ,بفعل تنهيدة جدة ترسم الخبز والنبع والجبل بلمسة يد على جبين
بفعل ايمان لا يتزحزح ,بكل اختصار بفعل حب
تحولت عزلان الشرود الى قلاع وتحولت الذراع الى منجنيق
اما الاقدام فكانت موجاً عاتياً لا يهدأ .الى الأمام
تحطم السياج ,عبرنا حدود الجنة
خضنا معركة الحضور ، ساعات ستة مرت وتمنيناها دهراً
معنا في قلوب لا تجيد سوى حب الوطن ووجوة فالفرحة كما الحزن كانت هناك ، والنصر ثم النصر
وجوه لا تعرف الا هامة منتصر حب الوطن
بعضنا كان هدبة بالمجان ، كقلوبنا تماما . .توزعت الدماء بيننا ، المحرر والمحتل
عدنا بعد أن علمنا ان بقائنا يشكل خطورة لاخرين اشقاء .! ..عبرنا ما كان منذ قليل حاجزا يمنع تحقيق الحلم.
في وجوه املت بنا خير غد قريب . واقرب اقرب باتت العودة إلى الخلف وراءنا الأمل الباكي.
* قاص من فلسطين يعيش في دمشق