توقيف الكاتب السعودي تركي الحمد يحيي الجدل حول علاقة السلطة بالدين


مها بن عبد العظيم


تم توقيف الكاتب السعودي المعروف تركي الحمد في 24 ديسمبر/كانون الأول 2012 بعد أن نشر تغريدات على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي اعتبرها البعض صادمة وتمس بالدين الإسلامي. وانتقد الحمد بشكل لاذع “الإخوان المسلمون” المصريين، كما شبه صعود التيارات الإسلامية في العالم العربي بالنازية.

عُرف الكاتب السعودي تركي الحمد باتجاهه الليبرالي وبمواقفه الصريحة ضد النظام الوهابي واشتهر برواياته التي تتناول “محرمات” المجتمع السعودي من جنس ودين وسياسة على غرار ثلاثية “أطياف الأزقة المهجورة”. ومن تغريداته السابقة على موقع تويتر والموجهة إلى رمز من رمزز السلطة السعودية ” كلمة إلى سمو الأمير سلمان: رحل فهد وسلطان ونايف، وكلنا راحلون، لم ينفعهم مال ولا بنون، فأين هم اليوم؟ اسعد شعبك يخلدك التاريخ سيدي..”. وكتب كذلك ” لأنني مسلم..على دين محمد..أرفض الوهابية ..”.

وخضع الحمد بعد توقيفه للتحقيق حول سلسلة تغريدات نشرها على موقع تويتر في 22 ديسمبر/كانون الأول 2012 واعتبر البعض أن فيها ازدراء للنبي محمد وللإسلام. فأبلغت السلطات السعودية واعتقل الكاتب بأمر من وزير الداخلية محمد بن نايف بن عبد العزيز. وأثارت هذه الآراء جدلا وانقساما على مواقع التواصل الاجتماعية في السعودية بين مدافعين عن حرية التعبير وآخرين طالبوا بتوقيفه ومحاسبته. وتابع تركي الحمد دراسته العليا في الولايات المتحدة ثم درس العلوم السياسية في الجامعة السعودية، كما عمل كصحافي في صحيفتي “الرياض” و”الشرق الأوسط”.

ومن تغريداته حول الإسلاميين في مصر “حصل الإخوان أخيراً على حق التعبير.. ولكنهم أساؤوا التعبير عنه.. فخسروا في بضع سنين ما اكتسبوه في عقود من السنين..”. وكتب عن الوضع في المملكة العربية السعودية “العالم مشغول بقدرة إيران النووية ونحن مشغولون بقيادة المرأة للسيارة..هزلت”. وقال الكاتب والصحافي المصري وائل عبد الفتاح لموقع فرانس 24 في تعليق على اعتقال تركي الحمد “في مصر يقولون إن للرئيس -محمد مرسي- شرعية دينية وربانية، وفي ذلك إثبات لنقص شرعيتة السياسية” وأضاف بشأن الكاتب السعودي أن “كلامه السياسي أقوى من كلامه الديني فهو لا يقترب من فكرة الإلحاد” ورأى في اعتقاله أن السلطات تمرر رسالة مفادها أن “من اقترب من هنا” أي من المجال السياسي “سيموت”.

“المطالبة بالإصلاح جزء من الدين”

ووجه مئات المثقفين عريضة إلى ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز للمطالبة بالإفراج عن الحمد. وجاء في العريضة التي نشرت على الإنترنت “إننا نأمل ونطالب ونتوقع قرارا سريعا يصحح الخطأ الفادح الذي تم ارتكابه في حق د. تركي الحمد، بإطلاق سراحه بلا قيد أو شرط، مع رد اعتباره”. ومن بين الموقعين منال الشريف ونجلاء حريري وهما ناشطتان تحدتا منع النساء من قيادة سيارة في المملكة. وأكدت بعض الجهات على ضرورة إتاحة فرصة للكاتب لتوضيح تصريحاته. وحول قضية فيلم “براءة المسلمين” الذي اعتبر مسيئا للإسلام وأحدث موجة احتجاجات دامية في العالم، غرد تركي الحمد كاتبا “شاهدت مقاطع من الفيلم المسيء لدين الله ونبيه، وكل ما أستطيع قوله عنه أنه مقزز، مقزز، مقزز..انتقد إذا شئت، ولكن لا تكن بذيئاً مهما كلف الأمر”.

وقال وائل عبد الفتاح لموقع فرانس 24 يوجد في العالم العربي “تيار مقموع منذ سنوات وهو تيار يطالب بإصلاح وتجديد الفكر الديني. ويقمع هذا التيار من قبل تيارات مهيمنة على الدين وجعلت من الدين سلطة سياسية فأغلقت باب الاجتهاد والتفكير الديني”. ومن تغريدات الحمد التي رأى فيها البعض إساءة للرسول محمد “جاء رسولنا الكريم ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل، وجاء زمن نحتاج فيه إلى من يصحح عقيدة محمد بن عبدالله..”. فيقول وائل عبد الفتاح “إن هذه التيارات التي تفرض التدين على الدين حولته إلى تعبيرات شكلانية وسطحية ويصبح التعامل مع تغريدة تدعو إلى إصلاح العقيدة الإسلامية تعاملا مع الجذف في حين أن المطالبة بالإصلاح جزء من الدين وحتى حرية الكفر موجودة في الإسلام”.

كما هزت الشبكة تعليقات تركي الحمد حول العالم العربي مشبها التيارات الإسلامية بالنازية وواعدا بربيع عربي حقيقي بعيدا عن الأوضاع الحالية التي تمر بها بعض البلدان “نازية جديدة تطل بوجهها على عالم العرب اسمها الإسلاموية.. ولكن زمن النازية ولى.. وستشرق الشمس من جديد..”. وأضاف “الربيع العربي قادم.. وما يجري حالياً ليس إلا مكونات خراج تاريخي وانفجر.. وعفواً على التعبير..”. ويضيف وائل عبد الفتاح إن المجتمعات العربية تعيش “نوعا من انفصام الشخصية بين نمط عيشها الحديث وعقل خرافي قديم”، مؤكدا أن تعامل بعض السلطات مع الشكليات نوع من وسائل بسط نفوذها خاصة في فترات الأزمات والاحتقان فترى في أي “خروج من الصف تهديدا للسلطة لأنها جعلت من الدين سلطة سياسية وفي زعزعة السلطة الدينية زعزعة للسلطة السياسية”.

ولعل من أقرب تغريدات الحمد لما يحصل له اليوم تلك التي أرسلها في سبتمبر/أيلول الماضي “سألني: هل تؤمن بالإسلام؟ قلت: محمد حبيب القلب. قال: هل تؤمن بالإسلام. قلت: أأعجمي أنت؟ قال: ولكن قالوا لي. قلت: ليقولوا..أنا أحب محمداً..”


( فرنسا 24 )

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *