حاورها : شاكر نوري
طالما انشغلت الكاتبة والوزيرة الجزائرية السابقة، زهور ونيسي، بمشروعات فكرية بنيوية، شكلت بالنسبة لها، جوهر قضية مصيرية قوامها الارتقاء بثقافة المجتمع وترسيخ رؤى تطوره. وتحكي زهور، في حوارها مع “مسارات”، عن ملامح تجربتها، الحياتية والابداعية، مشددة على قيمة وأهمية وجود السياسي المثقف في عالمنا العربي، ومؤكدة بشكل خاص، ضرورة ان نعتني في مشروعات التطوير الفكري، بتحصين وعي المرأة.
كيف يمكن التوفيق بن الوزارة والأدب؟
علمتني تجربتي في هذا الخصوص، أن التوفيق بين الوزارة والأدب، ممكن بعد القراءة والاطلاع. وأما الكتابة فلا. وأنا أقول هذا بناء على ما اختبرته وعايشته، في خلال مواقف حساسة، وأثناء تولي مسؤوليات مهمة، إذ كنت أعمل في الهيئة التنفيذية الوطنية بعد الاستقلال: ( الحكومة الجزائرية الأولى). وذلك منذ سبعينات القرن الماضي، وكذلك الثمانينات.
وشغلت منصب أول وزيرة للحماية الاجتماعية للتربية والتعليم، وبذا أصبحت أول امرأة تكون وزيرة، ذلك الى جانب وزراء رجال. وكانت الحكومة آنذاك، تتألف من المجاهدين، إذ كانت العلاقات حميمية وعميقة بينهم، على أساس أنهم شاهدوا بأعينهم مرحلة الثورة، واختبروا وعرفوا كنهها.
وانا فعليا، أمثل في هذا الصدد، صورة لماهية الدور الذي قامت به المرأة الريفية في الثورة الجزائرية، حيث كنت من المجاهدات اللاتي عملن في الولاية الأولى، ثم انتقلت إلى الولاية الرابعة. ومارست العمل الثوري في مرحلة الشباب، عندما كنت بين الـ 18 و الـ 20 من عمري.
ـ سياسيون قليلون هم من يكتبون الرواية.. لماذا؟
يحتمل أن ذلك مرده ومصدره، طبيعة تعاطي وتفكير، وأيضا، نظرة، كل سياسي على حدة. فأي منا لا يرى الامور من المنظور نفسه، ولا يمكن أن يفكر الجميع بطريقة واحدة. وهناك من هو قريب من الأدب، وآخر لا يهتم إلا بروتين النظام، وثالث يشغله التنظيم الميكانيزمي المحكم.
ورابع يغوص في واحات علم الإدارة والرقم. ولكن، بالنسبة لي، كان الأدب، منذ الخطوات الاولى، قرين العمل الثوري والسياسي. ففي البداية كتبت القصة القصيرة. ثم وجدت نفسي فجأة في خضم كتابة الرواية.
وربما تكون كتابة القصة أصعب من الرواية، لأن الرواية تتضمن مجالاً واسعاً للتخيل وتوالد الأفكار والشخصيات والمصائر والحوارات والأحاديث وغير ذلك. وطبعا، لم تمنعني الرواية من كتابة القصة القصيرة.. وهكذا كتبت قصة عن المترو الباريسي حيث معاناة المهاجر العربي والإفريقي، في مسيرة البحث عن لقمة العيش.
وعموما، أعتقد أن الرواية الجيدة لا يمكن كتابتها بعيداً عن الناس ومعاناتهم، والقضايا الإنسانية لا تنتهي. كما أن المرأة، في هذا السياق، تطرح إشكاليات وخصوصيات فريدة، نجدها تدخل في صميم الإشكاليات الإنسانية.
ما طبيعة مشاركتك في الدورة الأخيرة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب؟
شاركت في معرض الشارقة الدولي للكتاب، ضمن فعاليات ندوة حول(الربيع العربي ثقافة جديدة)، وتلك كانت المشاركة الأولى لي في دوراته وبرامجه. وقدمت في الندوة عرضاً مختصراً حول الواقع العربي في زمن الربيع العربي، ونتائجه وحالته.
وتطرقت فيها إلى واقع الثقافة في الوطن العربي، والتغييرات التي حصلت فيها. كما حاولت في ورقتي، أن أحذّر من أن هناك تجليات كثيرة، نعايشها وتهددنا، من بينها تجليات العولمة التي هي محور التغيير الحاصل في الوقت الحالي.
كيف تصفين منوال تأثير العولمة على الثقافة العربية ؟
هناك شروط للعولمة، ولتأثيراتها على المجال الثقافي. وهي بلا شك تعبّر عن الثقافة الجديدة. وهذه الثقافة العالمية لا يجب أن تبنى على الثقافات المحلية والقومية، ذلك لأن التغيير في المجال الثقافي أصعب من التغيير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. ولا يمكن تغيير أشكال النظم الثقافية بكل سهولة.
ولكن السؤال المطروح: هل هذه الحرية التي نريد تحقيقها على المستوى السياسي، هي ذاتها التي نبغيها، على المستوى الثقافي؟ ما هي الثقافة التي نقصد؟ وكيف نخطط للثقافة الجديدة؟ وما هو موقع التراث؟ فهل نلغيه تماما أو نعيد هيكلته ونقضي على الغث منه، وخاصة الذهنيات المبثوثة هنا وهناك؟
هل تجدين أنك اتبعت في أعمالك، السرد العادي، كما الحال في اليوميات السياسية؟
كلا. لم يكن السرد في مؤلفاتي التي أنجزتها، عادياً، بل كتبته بأسلوب روائي، وطرحت فيه العديد من الأسئلة الساخنة، من اجل اشراك القارئ في الإجابة عن تساؤلات القارئ.
ماذا عن النشاطات العملية التي تقومين بها حالياً؟
أنا حاليا منهمكة بمشروع فكري مهم، إذ أقيم نادياً ثقافياً في منزلي، حيث استقبل مجموعة من الشباب الجامعيين ممن لديهم مشروعات روائية، إضافة إلى أطروحات قيّمة. ولدينا من ضمن هؤلاء، ضابطة في الشرطة كانت أحد طلبتي، كتبت ثلاث روايات مستوحاة من صميم الواقع الجزائري.
ما رأيك في الكتّاب الفرانكوفونيين في الجزائر؟
هناك صنفان من الكتّاب: الجيل الماضي، مثل مالك حداد وكاتب ياسين ومولود فرعون، فهؤلاء كانوا يكتبون بالفرنسية لأنها لغة تشربت في أعماقهم.
وهناك نموذج مغاير، يتمثل في كاتب مهم آخر، وهو رضا حوحو، وهو أستاذ للمرحلة الثانوية، وصاحب رواية (غادة أم القرى)، انا اجده معذورا في كتابته فقط بالفرنسية، ذلك كونه لم يتعلم العربية، لأنها كانت تدرس في المدارس الحرة.
وأما الصنف الثاني فهو جيل الاستقلال الذي درس الفرنسية والعربية والانجليزية. ولكنني عموما، أرفض هذه الكتابة إذا كان محتواها في صالح الفرنسيين، بينما انا معها وأؤيدها بعمق، في حال كان محتواها مع الروح العربية.
هل ترجمت أعمالك إلى اللغة الفرنسية؟
أجل ترجمت أعمالي إلى الفرنسية، وكان آخرها (جسر للبوح وآخر للحنين).
ولكني لا أريد لأي لغة تكون فوق لغتي الأم في هذا الشأن، لأن العربية من وجهة نظري، هي من الثوابت الوطنية والقومية. ولا شك في أنني أتألم كثيراً للتدهور الكبير الذي وصلت إليه اللغة العربية في المجال المرئي والسمعي. إن الفرنسيين يعتزون بلغتهم، وهذا يسهم في تحصين ثقافتهم، ويجب علينا نحن، أن نعتز بلغتنا.
وأذكر هنا انه كان شارل ديغول قد أصدر قانوناً يمنع فيه استخدام أي لفظ أجنبي أو إنجليزي في سياق اللغة الفرنسية. وهو ليس متعصباً. كما كان تدريس اللغة العربية ممنوعاً في المدارس.
وفي أيام الثورة الجزائرية، كانت حوزة الكتاب العربي، جريمة يلاحقها القانون الفرنسي، حتى إن مالك حداد قال مرة: “اللغة الفرنسية منفاي الثاني”.
نبذة تعريفية :
زهور ونيسي، كاتبة وسياسية جزائرية. من مواليد عام 1936م في قسنطينة. أسهمت في ثورة التحرير الجزائرية، تحمل وسام المقاوم ووسام الاستحقاق الوطني، وتقلدت مناصب عليا، ثقافية وإعلامية واجتماعية وسياسية. وهي أول امرأة وزيرة في الجزائر: وزيرة للشؤون الاجتماعية في حكومة محمد بن أحمد عبد الغني في يناير 1982، ثم وزيرة للحماية الاجتماعية في حكومة عبد الحميد براهيمي سنة 1984، فوزيرة للتربية الوطنية في التعديل الوزاري 18 فبراير 1986.
( البيان )