حسين درويش *
(لو كان الاستبداد رجلاً وأراد أن ينتسب، لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وعمي الضر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة)، هذا المقطع من كتاب «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد» للمفكر التنويري عبد الرحمن الكواكبي، وقد شخّص فيه ما يسميه داء الاستبداد السياسي، ووصف أقبح أنواعه: استبداد الجهل على العلم واستبداد النفس على العقل.
معظم ثورات التاريخ كانت من أجل شيء من الخبز وحفنة كرامة، لذلك الفقراء دائماً وقود الثورة، حيث يمثل الفقر أخطر تحدٍ واجهته البشرية منذ الأزل، وها هي اليوم رغم أصناف التقدم والتطور تعاني فئات كثيرة من مجتمعات الأرض ألواناً من الفقر بعضها سببه جور الطبيعة وأغلبه ظلم الإنسان والشواهد ماثلة أمامنا، حيث المحتوى الحقيقي لثورات الربيع العربي هو الفقر، وما يتصل به من بطالة وتضخم وفساد وذل وإهانة.
رغم أن الفقر كلمة تتألف من ثلاثة حروف، لكن يصعب على الحكومات حلها بالطرق التي تتحدث عنها البرامج الحكومية، لأن معظم تلك البرامج تعالج نتائج الفقر وليس مسبباته، وأمام تلال الفساد لا تعالج المشاكل من جذورها لأنها ستصطدم بعقبات كبيرة، حيث الاستئثار بالثروة والانتفاع من المناصب يعيقان أي حل لمعضلة المجتمعات الفقيرة، ناهيك عن الظلم والاستبداد وسوء التخطيط، وقلة الخبرة، ما يجعل الفقر جزءاً من المشكلة، لأن الثورة ليست ثورة خبز فقط بل ثورة كرامة أيضاً.
مع موت الطبقة الوسطى أصبحت المجتمعات تقف عل ساق واحدة حركتها بطيئة وسيرها ليس متزناً، وبالتالي أصبح تطورها مرهوناً بمزاج فئة قليلة تتحكم ببرامج التنمية والتخطيط بما يخدم مصالحها دون مصالح الآخرين، ومع مرور أكثر من ستين سنة على حركة التحرر من الاستعمار تراجع حجم الحرية وطاقة الإنتاج وتوسعت أفقياً مساحة الفقراء وأدت تلك النتائج إلى ما نحن عليه اليوم من رفض للذل المؤدي إلى الفقر وهو ما شهدناه في دول الربيع العربي.
لقد ثار الفقراء على واقعهم مدركين أن مستبديهم سبب فقرهم، وتلك حركة وعي عفوية نضجت في المناطق الأكثر عوزاً، ولم ينتبه المستبدون إلى حقيقة الحراك الاجتماعي وأسبابه، لذلك سرعان ما ربطوه بالمؤامرات والمخططات الخارجية وإضعاف الشعور القومي، بينما كانت حفنة خبز ولفتة كرامة كافية لمعالجة المشكلة من جذرها.
* أديب من سوريا يعيش في دبي
(البيان )