الباحث الشعبي روكس العزيزي في ذكراه الثامنة


د . أسامة شهاب *

 ينتمي روكس بن زائد العزيزي إلى عشيرة العزيزات التي جاءتها هذه التسمية من سدانة «العُزّى» وعبادتها، إذ كانت آلهةَ الحب عند العرب. وكان بطن «بني سليم» سدَنةَ العُزّى وحجّابها، وكانوا حلفاء بني هاشم، وقد آزروا المسلمين في معركة مؤتة كما جاء في «سيرة ابن هشام» و «تاريخ الطبري».
وُلد روكس في مادبا، في 17/8/1903، في اليوم الذي يقع فيه عيد للقديس روكس، شفيع مرض الطاعون، فسماه والده بهذا الاسم الغريب تيمّناً بذلك القديس، وعلى أمل أن يصير قديساً.. «فحاولت أن أكون إنساناً» كما يقول العزيزي في مذكراته التي حقّقها صاحب هذه السطور. ويضيف العزيزي: «مَرِضتْ أمي، فاختار لي أبي (ظئراً) –مرضعة- سيدة قيسية اسمها غالية كانت مقيمة مع زوجها وابنتيهما (فاطمة وصفية) في مادبا، بقيتُ عندها ثلاثين شهراً، ثم أعادتني إلى والدي».
ولما بلغ روكس السادسة من عمره، أخذه والده إلى مدرسة اللاتين في مادبا، فلما رأى الطلاب يجلسون على مقاعد من الخشب وأمامهم كاهن بولوني مديدُ القامة اسمه «أبونا حنا يونفيل» -وهذا مشهد لم يَرَ مثله سابقاً- أفلت من يد أبيه وهرب وهو يصرخ: «ما ودّي هالمدرسة من عين أصلها»! فركض الطلاب وأعادوه محمولاً، ثم وقف أمام الكاهن الذي هز الكرباج في وجهه وقال له: «ااثكت»، لأنه كان يحول السين ثاءً، فسكت روكس مذعوراً!
كان قِصاص هذا الكاهن مبتكراً وقاسياً، إذ كان يقلبْ التلميذ المقاصَص على وجهه فوق كرسيّ، ويجلده على عجزه بسوط من جلد، جَلْدات ينفر منها الدمُ أحياناً!
ولحسن حظ هذا التلميذ أنه لم يذق هذا اللون من القصاص. يقول: «وقد تعْجَب، وقد لا يُصدّق أحد أني لم يُفرض عليّ قصاصٌ بدني في حياتي المدرسية التي لم تتجاوز المرحلة الابتدائية، وقد شفع لي تقيدي بالنظام، وبأني تميزت بذاكرة مصورة ساعدتني على حفظ الدروس التي تُلقى في الصف أسبوعياً، فعُيّنت عريفاً. وفي أحد الأيام عُين معلم من مادبا، كان قد تعلم في المكتب الرشدي بالكرك، وكان مستوى هذا المكتب -أي المدرسة- المستوى الإعدادي. فغضب المعلم على تلميذه فَجَلَده بلا رحمة، ولطمه كفاً أسال الدم من أنفه، فنقلتُ الحادثة إلى كاهن عربي قدِم من القدس من أسرة مقدسية كريمة اسمه (الفونس الونصو)، فلما تحقق من صحة ما ذكرت أحضرَ هذا المعلم، وأحضر صفوف التلاميذ كلها وفرض عليه قصاصاً أن يركع على الأرض، وركبتاه مكشوفتان ساعة كاملة. ففعل ولم يشتغل، لأن راتبه كان ليرة فرنسية في الشهر. ارتفعت منزلتي عند التلاميذ كلهم بعد هذه الحادثة».


* * *


وقعت الحرب الكونية الأولى العام 1914، فاستولت الدولة العثمانية على المدرسة وحوّلتها إلى مدرسة حكومة تُعلِّم الدروس بالتركية، كما كتب روكس في أوراق، ويضيف حول تلك المدرسة: «كان المعلم فيها من حمص، صديقاً لأخي المرحوم عبد الأحد، فأقامني عريفاً للصف! وقد كان التلاميذ يحترمونني ويراعون النظام كأن (الخواجا) –المعلم- موجود. وكان خط هذا المعلم ممتازاً، لكنه كان مشغولاً بكتابة الاستدعاءات، أجرة الاستدعاء نصف ريال فضة وأحياناً يكون ريالاً، على حسب طول الاستدعاء وقصره! وقد قيل لي إن مدير الناحية كان يقاسم المعلم ما تدر الاستدعاءات من واردات»!



• مقالته الأولى



يستذكر روكس في أوراقه المخطوطة الحادثة التي دفعته ليكتب مقالة كانت الأولى التي ينشرها في صحيفة: «بينما كنت عائداً من المدرسة إلى الدار، مررت من عند دار الحكومة، فإذا بأربعة جباة يحيطون بفَحّام من بني حميدة، أحدهم أخذ عباءته، والثاني أخذ خنجره/ شبريته، والثالث أخذ الحبل المربوط على كيس الفحم، والرابع أمسك بتلابيبه، فلما رآني صرخ قائلاً: (أنا بوجهك يا النشمي) -أي انا مستجير بك-. أجبته على طريقه البدو: (وصلت) -أي أنت في حمايتي-. دفعت للجباة الأربعة ما طلبوا، وصحبت الرجل إلى دارنا، غيّرت ملابسه التي بللها المطر، وفي الصباح دفعت له ثمن الفحم وذهبت إلى المدرسة. وكتبت أول مقالة لي في هذه الحادثة. وصلت الجريدة إلى عمّان فأُجري بحث عن الموضوع، فلما تبين صحة ما قلت، أُلغيتْ ثلاث ضرائب وبقيت ضريبة واحدة، ثم عرّفني كاهن لبناني كان يعلّم معي في مدرسة اللاتين في مأدبا إلى الجريدة (الأحوال) في بيروت، فكنت أول مراسل لجريدة محترمة -في الأردن». وهذا يعني أنَّ روكس العزيزي هو أول من مارس الصحافة في الأردن ضمن الجيل الأول من الرواد.

زواجه


كتب روكس عن زواجه، ومما جاء في أوراقه: «عُقد زواجي في القدس في كنيسة بطريك اللاتين الخاصة، وكان الذين باركوا زواجي المونسنيور يوسف مرقص ومعه اثنان من ذوي الرتب الكنسية العالية، وقد حصل بيني وبين (المرحوم) عمي سليم باشا مرار خلافٌ.. هو يريد أن يكون الإكليل عند الروم الأرثوذكس، وأنا أصررت أن يكون عند اللاتين.. حصل هذا الخلاف قبل أن يفهم المسيحيون أن اختلاف طقوسهم الدينية لا يغير في جوهر الدين شيئاً! ولم أعد إلى مادبا إلا بعد أن أُخمدت حركة (ابن عدوان)، وقد حاولت أن أقنع (المرحوم) عمي أنه لا يجوز إجراء إكليلين، فظل مصرّاً على رأيه. وقد أحضرتُ له جاهة من وجهاء بيت لحم، فلم يفتح الباب. ثم أقنعه مدير أعمال مثقال باشا الذي كان ضيفاً عنده».
ويتابع روكس: «عدت إلى مادبا بعد أن خمدت حركة (العدوان)، وعدت معلماً لحي مدرسة اللاتين في مادبا. حضر إلى مادبا الدكتور (بروننج) –كاهن- وحاول أن ينشئ كلية للزراعة، فحُوّل إلى عجلون، فأغراني بأن أرافقه إلى عجلون فقبلت، فأطلق يدي في المدرسة، وأنشأنا نادي عكاظ، وأحييت نهضة مسرحية، ولأن الكتب المدرسية لم تكن موجودة، كنت أكتب الدروس بخطّي، أطبعها على المضعفة وأوزعها على الطلاب نقرأها معاً. وكانت هذه الطريقة ممتازة لزرع الدروس في عقول التلاميذ».
ويضيف روكس: «عدت من عجلون إلى عمان ثم إلى كلية تراسانطة في القدس، ثم عدت إلى كلية البطريرك اللاتين أعلّم في العربية وآدابها. حاول صديقي (المرحوم) سعيد باشا المفتي وصديقي (المرحوم) شكري باشا شعشاعة أن يعيّناني رئيساً لمجلس مادبا البلدي حسماً للخلاف الذي يحصل بين أهل مادبا وإخوانهم الذين أرادوا أن يكون رئيس البلدية مسلماً.. عيّنني (المرحوم) عبد الحميد شرف عضواً في المجلس الوطني الاستشاري الذي حل محل مجلس النواب. وهذه المرة الأولى والأخيرة التي أعمل فيها موظفاً حكومياً».
وحول أسرته يكتب: «لي خمس بنات وثلاثة أبناء، أكبرهم مهندس ميكانيكي، والثاني دكتوراه في الحقوق، والثالث فنان رسام، الأكبر والأصغر عملا في الجيش، أما الحقوقي فلم يُرد أن يعمل في الوظيفة. توفيت (المرحومة) زوجتي (هيلانة بنت سليم باشا مرار) بعد زواج دام أكثر من خمسين سنة، لم نتعاتب يوماً، حتى تعجّب الناس كيف يمكن أن نعيش هذه المدة الطويلة من غير أن نتعاتب يوماً، ونربّي خمس بنات وثلاثة أبناء. ابنتي الصغرى عملت رئيسة قسم لمكتبة سلطة المصادر الطبيعية، ثم طلبت أن تُحال إلى التقاعد لكي تهتم بي.
قبل أن يمر على موت زوجتي أربعون يوماً جاء أحد أشقائها وقال لي: (أنت رجل معروف، ولا يجوز أن تبقى بلا زواج!)، فقلت له: (أنا رجل معروف حقاً، ويجب أن أبقى بلا زواج، لأن البيت الذي نعمت به معها لا أسمح أن تدخله زوجة غيرها)».
أما طقوسه اليومية فكتب عنها: «ها أنذا أحمد الله أني بصحة جيدة.. أبدأ نهاري من الساعة السابعة بعد الاستحمام والحلاقة بتناول طعام الفطور، وأدخل الى مكتبي أقرأ فصلاً من الإنجيل وسورة من القرآن الكريم، وأقرأ التوراة باعتبارها تاريخاً، لأنها تاريخ اليهود الذي رفعوه ببراعة إلى مرتبة القداسة! الساعة الواحدة أتناول الغداء مع ابنتي التي تعد الطعام».
وكشف روكس في أوراقه المخطوطة عن جزاء الإحسان الذي قوبل به. يقول: بعض الذين خدمتهم أعظم الخدمات سعى في قتلي، فنجّاني الباري».



* صحيفة بخط اليد وجمعية سرية



أما الصحيفة فهي «صوت الحق»، وأما الجمعية الدينية واسمها «الإصلاح الديني». يقول روكس: «طالبت بأن يكون بطريك اللاتين في القدس عربياً، وبالفعل أصبح غبطة البطريرك فؤاد الطوال أول بطرك عربي. الصحيفة مؤلفة من صفحة واحدة أكتبها بخطي على أربع نسخ تُلصق واحدة في كل حي من أحياء مأدبا، وواحدة رابعة تلصق على دار الحكومة. أرسل (المرحوم) غبطة بطريرك اللاتين من اكتشف الأمر، ثم جاء بعد بضعة أيام وسألني عن الجمعية الدينية فأنكرت، فطلب إلي أن أصحبه الى الكنيسة، وأوقفني على الهيكل المقدس، وأمرني بأن أضع يدي على الإنجيل الطاهر فأُقْسِم أنه لا علاقه لي بجمعية الإصلاح الكاثوليكي، فرفعت يدي، فقال لي: (لماذا لا تحلف؟)، أجبت: (غبطتك تريد أن تُخرجني من الديانة المسيحية، لأن المسيح أمرنا ألاّ نحلف إلا إذا كنا صادقين، وتُخرجني من العروبة لأنهم لا يطلبون من إنسان أن يحلف يميناً إلا في إحدى الحالتين: إنه مهتم بقتل رجل غيلة، أو إنه مرتكب جناية أخلاقية.. وأنا لم أرتكب واحدة من هاتين الجريمتين.. العلاقة بيننا أنني معلم عندكم، فاعتبروني مستقيلاً. وهذا كتاب المعلم الذي معي أضعه على الهيكل). ونزلت عن الهيكل أريد الانصراف إلى الدار، فقال أحد الكهنة الذين معه: (إذا انصرف هذا الشاب غاضباً فاعلم أنه سيدمر الطائفة)، فتركوني وعادوا إلى القدس».
ويتابع روكس: «في نهاية السنة المدرسية نُقلت إلى السلط تأديباً، لأن مدرسة السلط كانت مضطربة، والغرض من هذا النقل هو أن أخفق في السلط وأطرد نفسي بنفسي. لكن كاهن السلط (المرحوم) الأب (أنطون فرغاني) إيطالي الجنسية الذي كان يجيد العربية كالمبدعين من أبنائها، عاملني معاملة إنسانية أسرتني، فنهضَت المدرسة».
ويستعيد فيضاً من الذكريات: «من المضحك أن الجالسين في دار المختار قال أحدهم: (جاينا معلم يقولوا إنه ممتاز في العربي)، أجابت إحدى النساء اللواتي في الجلسة بقولها: (كوبة تُكوِّبكم.. هوّه العربي فلسفة.. يعني خلاف الحكي اللي إحنا بنحكيه؟ عيش كثير بتسمع كثير. يعني معلمكم هذا بيخلط حكْيُه العربي شويّة تركي)، أجاب أحدهم، وقالك (ما قَصَدنا هذا.. يعني بيكتب بالجرايد!)».
عمل روكس في عجلون سبع سنين. وفي ذلك يقول: «وكّلني المعلمون أن أطالب باسمهم بتعديل رواتبهم، فحصلت على تعديل الرواتب، لكن الإدارة نقمت علي، فطلبت أن يحوَّل عملي إلى عمان، فجاء عضو من مجلس النواب ورتّب بنفسه أثاث منزلي ومكتبي».
وفي عمّان، الكلام لروكس: «كنا نتردد على الديوان الملكي العامر الذي كان بما يدور فيه من أبحاث بمنزلة مدرسة كبرى. وكان (المغفور له) الملك عبد الله الأول ابن الحسين المؤسس يوجه أسئلة تحار في الإجابة عنها. سأل مرة: (ما الكلمة العربية التي مفردها ممدود؟)، فلم يجب أحد. وسأل: (ما الفعل الوحيد في اللغة العربية الذي صيغته صيغة الفعل المضارع وهو ماضٍ؟)، فلم يجب أحد، فتناول رئيس الديوان (المنجد)، فضحك (المغفور له) قائلاً: (وِشْ لَك بالمنجد.. المنجد ما ينجد نفسه)، فأغراني هذا القول أن أقرأ (المنجد) كلمة كلمة، وأقابله بالمعاجم القديمة.. فحصلت على ملاحظات كثيرة نشرتها في مجلة (الإخاء) في القاهرة لصاحبها (المرحوم) الأستاذ سليم قبعين، فلما وصلت المجلة إلى بغداد اطّلع عليها العلاّمة الأشهر (المرحوم) الأب أنستاس ماري الكرملي، فأشار إلى صديقه العلاّمة (المرحوم) مصطفى جواد أن يرد عليّ، فبدأ بيننا النقاش، واستمر سنة في المجلة ثم ختمته المجلة».
وفي التفاتة تكشف عن اعترافٍ بالفضل تمتّع به روكس تجاه أساتذته وأصدقائه ممن أفاد منهم يقول: «أشهد أن نقد (المرحوم) مصطفى جواد كان نقد علماء، أشهد أنه أفادني وجعل لي صلة بالأب البحر في علومه، الأب أنستاس ماري الكرملي الذي أهدى لي في ما بعد صورته الكريمة وعليها بخط يده: (إلى ولدي الفذ وأستاذي معاً.. روكس زايد العزيزي). وقد ظلت صلة المحبة بيننا إلى أن لقي ربه يرحمه الله. ولما زار القدس سنة 1946 أقمت له حفلَ تكريم كبيراً بهمة سيادة الأب الشريف (ألبرت روك) حضرها الكثير من علماء فلسطين والأردن، وطبعتُ ما قيل في هذه الحفلة في كتاب سميتُه (سدنة التراث القومي). فرح المرحوم به قبل أن يلقى ربه».
ويواصل في أوراقه المخطوطة تدوين سيرته والتوقف عند محطات منها. ومن ذلك: «بقيت في كلية تراسانطة إلى أن وقعت نكبة العرب الكبرى واستيلاء اليهود على القدس العربية، فنهبت كتبي وداري وأنا في عمان. توليت تحرير صحيفة (النهضة)، ثم استقلت لأن الحزب لم ينفذ وعوده، فأشرت أن يسلموها ل (المرحوم) المحامي أمين أبو الشعر».

جهوده المسرحية



بدأ روكس النهضةَ المسرحية في مادبا، ثم نقلها إلى السلط التي نُقل إليها تأديباً لأنه طالبَ أن يكون بطريرك اللاتين في القدس عربياً، ثم نَقل النهضة المسرحية إلى عجلون بعد أن نُقل إليها وأسس فيها نادي عكاظ، وإذا احتاج الى مساعدة من أجل التمثيل كان يساعده قائدُ الدرك في عجلون شرف الدين بك (وهو جركسي)، بخاصة إذا لزم للمسرحيات أسلحة أو خيل. وكانت الروايات تمثَّل مجاناً، لذلك كان الحضور بالمئات رجالاً ونساءً وأطفالاً.

دراسة البدو وحياتهم



بعدما خلّص روكس البدويَّ الفحّام من الجباة، واشترى الفحم منه ودفع له الثمن، أراد أن يذهب الى المدرسة، فاستوقفه البدوي وسأله: «إنت خطيب؟»، أي تقرأ وتكتب. أجاب: «نعم.. خطيب».
قال له البدوي: «بالله اكتب عني هالكليمات» (بلفظ الكاف جيماً تركية بثلاث نقاط)، فلما كتبها كانت قصيدة مؤلفةً من خمسة عشر بيتاً حفظَ منها هذه الأبيات:
1. روكس خَويْ الجود منوصر عَ أعداك
صيتك وصل للصين وابلاد شاما
2. حيّاك ربي كل ما حل طرياك
ولد العزيزي يا عقيد النشامى
3. لو انّا نسينا أروحنا ما نسيناك
وعيالنا تفداك يا أبا اليتامى
4. فكّيتني من سربة دو ما انصاك
هذا الكرم والطيب لن فان عاما
5. ما انته من الهزل شرّاً تعدّاك
لك راية بيضاء ولد الاكراما
6. من عصبة شرّفتهم بمزاياك
(عزيزات) من دور الصحابه شهاما
7. انشر ثناك وكل ما حل مَطراك
يحميك ربي من أحوام العواما.



* تفسير القصيدة



1. روكس رفيق الكرم، وُجدت غريبَ الاسم، نصرك الله على أعدائك.
صيتك طيب.. وصلت إلى بلاد الصين والشام.
2. حيّاك إلهي كلما ذُكرت يا ابن العزيزي، يا زعيم الرجال الجامعين لكل المزايا الشريفة.
3. لو أننا ننسى نفوسنا لا ننساك، وليكن أبناؤنا فداء لك يا ملجأ اليتامى.
4. أنقذتني من جماعة الأشرار من غير أن أقصدك طالباً معروفك بمجرد استغاثة، فهذا هو الكرم والجود إذا خاب العام الذي نرجو فيه الخير.
5. لستَ من الأشحاء، فليتجاوزك كل شر، ولترفع من أجل الثناء الطيب عليك الراية البيضاء يا ابن الكرام.
6. فأنت من جماعة أكسبتَهم شرفاً بمزاياك، أعني العزيزات المعروفين بالشمم من عهد الصحابة.
7. أنا أنشر محامدك كلما ذكرت، فليحرسك الله من مصائب السنين.
بعد أن قرأ روكس تلك القصيدة التي لم يبقَ من أبياتها الخمسة عشر سوى هذه الأبيات، قال في نفسه إن شعباً تؤثّر فيه مثل هذه الأمور الطفيفة يجب أن ندرس حياته بكل دقائقها.
يقول العزيزي: «أخذت أتجول بين البدو، لسهولة ذلك عليّ، ولقرب مادبا من مضارب البدو، وساعدني على ذلك أن فرسي عندي وبندقيتي، وأن لنا معارف بين البدو الذين يشترون من والدي تاجر الأقمشة، لا تاجر المأكل، لأن تجارة المأكل تُعد في باب المذمومات!».
ويضيف: «في أول الأمر وجدت صعوبة، لأن الاسم غريب، وقد خاف القوم من أن أكون مرسلاً إليهم من قِبل الحكومة لأمهد لتعداد الابل لكي يدفعوا رسوماً كما يدفع أهل الحواضر رسوماً على أغنامهم. لكن لما عرفوا أن غايتي علمية رحبوا بي ولقيت منهم كل مساعدة وتكريم. سألتني بدوية: (معنى اسمك؟)، أي: ما اسمك. فلما قلت لها (روكس) قالت: (رودس؟ وش هالاسم الأعوج.. ليه يسمونك رودس؟ ليه ما سموك النشمي، ليه ما سموك الفارس؟)».
ويتابع روكس: «أخذت أتجول بين العربان من سنة 1923 إلى سنة 1938 أسجل كل حكاية وكل جملة وكل جلسة لأدْرُسَ حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأدبهم.. لا تفوتني كلمة.. أسجل أشعارهم إلى أن تجمّعت عندي ثروة غريبة أعانتني في ما بعد، يوم اتجهت اتجاهاً علمياً لأضع (قاموس العادات واللهجات والأوابد الأردنية) المعتمَد اليوم في جامعة (يوثا) في أميركا وجامعة (بات) في بريطانيا وجامعة (السوربون الجديدة) بفرنسا. أما الديار العربية فلم يُعتمد فيها إلا في جامعة صنعاء بهمة الدكتور إبراهيم السامرائي يوم كان أستاذ اللغة العربية في اليمن. وقد نتج عن رحلاتي كتابي (معْلَمة التراث الاردني) في خمسة مجلدات».
رحم الله روكس بن زائد العزيزي الذي تحل علينا ذكرى رحيله الثامنة، فقد توفي في 21 كانون الأول 2004 عن مائة عام وعامين.


( الرأي الثقافي )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *