أحمد حمدي – القاهرة
لم يسلم الرئيس مرسي من الانتقادات الساخرة، التي اتخذت ثوبا فكاهيا على شكل رسوم كاريكاتورية ونكت، امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي. أحمد حمدي يستعرض من القاهرة أشكال ومضمون هذا النقد ومدى تأثيره على صورة الرئيس مرسي لدى الرأي العام المصري.
.
لا يستطيع المصريون الكف عن السخرية والفكاهة، فهي من سمات الشخصية المصرية، التي يعرف عنها “خفة الدم”. ثورتهم أطلق عليها الكثيرون اسم “الثورة الضاحكة” نظرا لكم الرسائل الساخرة، التي أرسلها المتظاهرون لمبارك، فضلاً عن كم الصور والرسوم الكاريكاتورية لشخصه وأفراد أسرته على مختلف الجدران المحيطة بميدان التحرير.
والآن يتواصل فاصل السخرية السياسية ليطول الرئيس المنتخب محمد مرسي، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور كاريكاتورية ونكت ودعابات تتناول الرئيس وقراراته سواء الاقتصادية أو السياسية. كما تناولت أيضا علاقة الرئيس بجماعة الإخوان المسلمين والتي ينتمي إليها.
نشطاء فيسبوك يصورون مرسي فرعوناً
كان للرئيس المصري مرسي نصيباً كبيراً من النقد على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك منذ ترشحه لمنصب الرئاسة. وقد يكون أحد أبرز ما كُتب عنه حينها على سبيل السخرية: “مرسي لو شاف نفسه وهو بيتكلم هينتخب شفيق”.
هذا النوع من النقد تزايد بشدة بعد توليه الحكم خاصة بعد نهاية فترة المائة يوم، التي وعد بها كمهلة لحل معظم مشاكل البلاد. وفي إحدى الصور الكاريكاتورية تظهر شخصية كارتونية تقول لمرسي “الناس تتساءل عن إنجازات المائة يوم، فماذا أقول لهم؟” ويظهر مرسي بجانبه يُكبِر ليبدأ الصلاة، في إشارة إلى أن كل ما فعله في المائة يوم هو الصلاة في المساجد.
وكذلك تداول الناشطون على الموقع صورة كاريكاتورية ساخرة من تردي الوضع الاقتصادي تظهر مرسي حين كان يلقي كلمة في استاد القاهرة. ويقول الرئيس فيه: “أنا ما دخلش جيبي مليم واحد من ساعة ما بقيت ريس” (أنا لم يدخل جيبي مليما واحد منذ أن توليت منصب الرئيس) لترد عليه شخصية “ماو يونج” الشهيرة المستخدمة في معظم التعليقات الساخرة على الفيسبوك قائلاً: “ولا إحنا يا ريس والله”.
كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي نكتة عن تحول الدولة إلى دولة دينية بعد وصول التيار الإسلامي إلى الحكم. وتقرأ النكتة: “وأنا ماشي على الدائري (طريق سريع يربط بين ضواحي القاهرة ببعضها البعض) وقفتي عربية (سيارة) شرطة فطلعت الرخص بسرعة، فضحك الضابط وقال لي: نظام الرخص ده انتهى عصره مع النظام البائد. فقلت له: عاوز مني إيه دلوقتي (ما الذي تريده مني الآن)؟ فقال لي: سمع سورة يس”. (رتل سورة يس).
وكان لحديث مرسي عن ما اسماها بـ”الدولة العميقة” نصيباً من السخرية أيضا، ففي أحد الصور الكاريكاتورية يظهر مرسي مرتدياً لباس البحر وعوامة وخلفه اثنان من الحرس، أحدهما يعطي أوامر عبر جهاز اللاسلكي قائلاً: “أمّن الطريق… الريس هينزل في الدولة العميقة بنفسه”.
وكان للإعلان الدستوري الأخير، الذي أصدره الرئيس، نصيب الأسد من السخرية والنقد، ففي أحد الرسوم الكاريكاتورية يظهر رأس مرسي على جسد تمثال فرعون بأحد المعابد كُتب عليه التعليق التالي: “مرسي يملك كل السلطات؟ واضح أن الثورة على مبارك كانت عشان ما يصليش أمام الكاميرات” (واضح أن الثورة اندلعت ضد مبارك لأن الأخير لم يكن يصلي أمام عدسات الكاميرا) .
وانتشرت نكتة تتسائل: “إزاي الريس حيصرف معاشات اللي اتصابوا بالشلل وقت الثورة وبعدها ونسي اللي هيتصابوا بالشلل بعد قراره. قاسي إنت قوي يا مرسي!. (كيف يصرف الرئيس معاشات لمن أصيبوا بالشلل أثناء الثورة وبعدها، وينسى من سيصابون بالشلل بعد قراره؟ .. كم أنت قاسي يا مرسي!).
وعن اتهامات البعض له بتلقي أوامر من المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين تداولت المواقع الاجتماعية صورة كاريكاتورية لمرسي أثناء حديثه الأخير في التليفزيون المصري وهو يمسك بورقة صغيرة يقرأ منها ويحدُث نفسه: “اما أراجع كلام حضرة المرشد أحسن ألخبط الدنيا و يزعل مني ثاني” (علي أن أراجع كلام السيد المرشد حتى لا أرتكب أخطاء ويغضب مرة أخرى).
“السخرية لا تؤثر على صورة الرئيس لدى الشعب””
وفي حوارنا مع أحمد فتحي، الصحفي وعضو هيئة تدريس جامعة الأهرام الكندية، ليفسر إذا كان لتلك الظاهرة تأثيراً على صورة الرئيس لدى الرأي العام، يبدأ فتحي حديثه بالتأكيد على أن انتشار مثل هذه النكت والصور الكاريكاتورية هو امتداد طبيعي لحس الفكاهة لدى الشعب المصري. ويقول: “الشخصية المصرية بطبعها شخصية مرحة وفكاهية تسخر من كل شيء حتى من نفسها”. ويستطرد قائلاً: “هي عادة ليس لها علاقة بالديمقراطية والحرية، فسخرية المصريين لا سقف لها، إذ أننا كنا نسمع طرائف ونوادر عن مبارك في عز فترة حكمه وقوته”.
ويرى فتحي أن مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما فيسبوك، أعطت فقط مجالاً أكبر للمصريين للتعبير عن أنفسهم على شكل صور كاريكاتورية ونكت لم يكن ليُسمح لها بالنشر في الصحف. ولا يتوقع فتحي أن يكون لهذا الشكل من السخرية تأثيراً على هيبة الرئيس وصورته لدى الرأي العام المصري. ويرى أن مؤيدي الرئيس هم ما يحاولون إيقاف هذه الانتقادات الساخرة عن طريق التعليقات ذات الطابع الديني التي عادة ما تكون آية قرآنية أو حديث شريف ينهي عن السخرية “أو على الأقل يكون الرد بكلمة أتقي الله”.
وعلى الجانب الآخر، يرى المعارضون لمرسي في الصور الكاريكاتورية والنكت نوعاً من حرية التعبير، عل ما يقول فتحي. ورغم ذلك لا يتقبل هؤلاء أيضا بعض هذه الرسوم الكاريكاتورية والنكت الساخرة التي يطلقها بعض أتباع التيار الإسلامي على رموز التيارات المدنية.
ويوضح فتحي أبعاد ذلك قائلاً: “المعارضون للتيار الإسلامي وللرئيس يرون في سخرية التيارات الإسلامية من الآخرين مخالفة للشريعة التي يدعون هم إليها وتناقض في مبادئهم”.وخلص بالقول: “هناك الآن حرب الرسوم والصور الكاريكاتورية ونكت على فيسبوك بين الجهتين لا تؤثر بأي حال من الأحوال على صورة الرئيس، لكنها في ذات الوقت تعكس الشخصية المصرية الساخرة بالفطرة التي نحبها جميعاً”.
(عن موقع قنطرة ودويتش فيله )