لوحات التشكيلية رهام غصيب : بهجة مفعمة بالحنين



هدا سرحان *

( ثقافات )

من خلال قراءة بصرية متأنية هادئة للوحات الفنانة التشكيلية رهام غصيب, تكتشف انك تقرأ في نص ادبي تكويني جمالي ينبثق من بيئة الفنانة.
غصيب فنانة متميزة ابنة بيئتها ولدت في رحم الطبيعة في الاردن, فانجذبت اليها . امتلكت الموهبة والخبرة والقدرة على الابداع فعملت على اعادة انتاج المشهد الطبيعي المحلي بأسلوبها الخاص الذي مكنها من وضعه في اطار بصري اخر يرتقي الى اقصى درجات الجمال وبالوان احتفالية مبهجة.
عندما شاهدت اعمال الفنانة في منزلها “محرابها” كما يحلو للاصدقاء دعوته, احسست بالطفلة التي تعيش داخل التشكيلية رهام. ففي طريقتها في الرسم تستفيد من خصائص رسوم الأطفال حيث يبدو المهم اكبر من اللامهم ويختفي المنظور الطبيعي لصالح منظور الحدث.
تذكرت وانا اتنقل بين ما قراته عن الفن التشكيلي في القرنين الخامس عشر والسادس عشر عندما كان الفن اسير الموضوع الديني اي عندما كان الفنانون يزينون جدران واسقف الكنائس والكاتدرائيات برسوم تحكي قصصا دينية او تعبر عن الفضائل المقدسة وعندما تحرر الفنانون من قيود الرسم الديني شاع القول : ” ايها الفنان ارسم باسلوبك الخاص.”
وغصيب فنانة مستقلة ما تزال تذكر نصائح وتوجيهات معلمها في امريكا عندما كانت طالبة تدرس الفن هناك الذي قال لها عندما فاجأها وهي تضع خطة لما سترسمه فقال: عندما تقفين امام سطح الكانفا الابيض, اقبضي على الفرشاة وابدأي برسم الفكرة مباشرة وبعفوية من دون خطة مسبقة.
وهنا في لوحة الميلاد (أكريليك على كانفس) وهي من جديد الفنانة, ارى ان رهام رسمت برؤيتها الخاصة لوحة تنبض بالحياة وبعفوية بعيدة عن التكلف, اي انها اعادت انتاج المشهد بثقة واستقلالية.
ولا ابالغ عندما اقول ان الفنانة رهام غصيب قد نجحت في تحديد هوية لوحاتها باسلوبها الابداعي المميز اضافة لاستفادتها من خصائص الفن الاسلامي والبيزنطي الأمر الذي اتاح لها ترتيب العناصر التشكيلية بشكل منضد بعيدا عن تلاشي اللون البعيد واصبح مسطح اللوحة اقرب الى البعدين بدلا من الأبعاد الثلاثه لان الفنانة رسمت لوحاتها بتناغم وتوازن لوني خاص. وباستخدامها المنمنمات والزخارف وتجاهلها التفاصيل لصالح المشهد الجمالي العام وفي غنائية لونية تجاوزت التسجيل بالتشكيل الانطباعي.
قد تبدو تشكيلات رهام غصيب بسيطة للوهلة الاولى, ولكن القراءة البصرية المتأنية تكتشف صعوبة وخطورة اسلوبها التشكيلي, فهي تصيغ المشهد بعيني فنان راصد لبيئته وعلى دراية بتفاصيل المشهد بوعي كامل وساحر, فالفن رسالة اخلاقية واجتماعية.
لقد رسمت الفنانة البيئة الاردنية, واعني البيئة الطبيعية والاجتماعية بطريقتها الخاصة واسلوبها المميز القائم على الاحتفاء باللون وجمالياته وبلوغ ذرة وتجليات لحظة الانصهار والتماهي مع الطبيعة الاردنية.
لقد اكتشفت رهام غصيب اسرار هذا الجمال واعادت تكوينه وانتاجه بالوان جميلة مفرحة ومبهجة مفعمة بالحنين.

* صحفية من الأردن

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *