نساء الشرق كلهن في الهم «حريم»


هدى الصالح – الرياض

 
ما بين ثنائية: (حجاب العفة) و(حرب الجهاد المقدس)، سعت الكاتبة الأسترالية جيرالدين بروكس في كتابها (الأنوثة الإسلامية: العالم المخفي للمرأة المسلمة) عبر انخراطها في ما سمته (مدارس النساء الدينية الجديدة) في أرجاء المنطقة العربية والإسلامية، مما ساعدها في تعلم الكثير عن عشرات النساء اللائي ساهمن في تشكيل تاريخ الإسلام المبكر، قبل أن يظهر ما وصفته الازدواجية مرة أخرى: (نساء وراء حجاب العفة)، و(نساء في طليعة حرب الجهاد المقدس).

كان ذلك الدرس الأبرز في كتاب بروكس، المترجم إلى العربية والصادر عن دار (جداول) حديثا، لما يلقيه من أضواء ومؤشرات على ربيع المرأة العربي المنتظر.

كتاب بروكس، يستحضر صورة المرأة العربية والمسلمة عبر حقب زمنية واجتماعية وثقافية متفاوتة، وربما كان وقت صدوره، الذي يتزامن مع الحضور الفاعل للمرأة العربية في ساحات الربيع العربي، بدءا من اليمن (كرمان توكل)، إلى مصر وسوريا وغيرها، يعطي زخما أكبر لدراسة الحالة الأنثوية وقدرتها على صياغة حضور فاعل في المشهد الاجتماعي والسياسي. غير أن الحضور الفاعل في الميادين، لم يقابله حضور في الواقع السياسي الناجم عنه، وهو ما يضع ثنائية المؤلفة: (حجاب العفة) و(الجهاد المقدس) في مواجهة هذا الواقع.

ما يلاحظه الكتاب دون أن يصرح به، أن المرأة العربية (خاصة) تبقى «امرأة»، حتى لو خرجت مؤقتا من غلاف الأنوثة لعالم التحديات، فالمجتمع يرضى مؤقتا انشغالها بالشأن العام، ولكنه ما يبرح (في العموم) حتى يعيدها لبيت الطاعة.

* النساء المقاتلات

المثال الذي تسوقه جيرالدين بروكس أولا هو تجربة المقاتلات الإريتريات خلال فترة الاحتلال الإثيوبي، إذ رغم تجاوزهن ثقافة وتقاليد المجتمع الذي وصفته بـ«المريض» فإنه بمجرد عودة المقاتلات والمقاتلين إلى بيوت أسرهم حتى باتت «أخلاقيات المقاتلات التقدمية غريبة على القيم المحافظة عميقة الجذور لآبائهن»، كما تقول الكاتبة.

فحماة المقاتلة الإريترية، روزا كيغلي مارين البالغة الثالثة والثلاثين، التي قضت 8 سنوات في الجبهة، لم توافق على خروجها للعمل، وطلبت منها التخلي عن عملها كموظفة تمويل في اتحاد النساء الإريتريات، تقول: «كلما شاهدتني (الحماة) تبدأ بالقول: لماذا لا تنجبين أطفالا؟ لماذا لا تمكثين بالبيت؟)». وتضيف: «معظمهم يحترموننا، وهم يدركون أننا عشنا بطريقة مختلفة، لكن الآخرين يقولون لنا، ذلك كان في الماضي ونحن الآن في الحاضر، وعليكن أن تعيشن وفق طريقتنا».

في المثال الإريتري، تقول المؤلفة: «وجدت الأسر، وخاصة في القرى، صعوبة في قبول الشابات العنيدات اللاتي اعتدن المساواة المطلقة، وبل حتى على المناصب القيادية في الوحدات العسكرية، وفي هذه الحالات كانت الأسر تلح على الطلاق، مقدمين لأبنائهم بنات قرويات ساذجات كزوجات بديلات مستعدات لغسل أيديهم وأرجلهم». تضيف: «أما بالنسبة لشابة مقاتلة غير متزوجة، فالمستقبل إشكالي، فهي من ناحية بطلة، لكن هذا لا يجعلها موضع ترحيب كزوجة في القرى»، حتى بدا صراع جديد بالنسبة لروزا ولنساء أخريات.. «علينا أن نكافح الآن لنجعلهم يفهمون أن لكل فرد الحق في أن يعيش بحرية، وهذه حرب أخرى على ما أعتقد».

* المرأة الفلسطينية

وبينما تحدثت جيرالدين عن تجربة المقاتلات الإريتريات خلال فترة الاحتلال، انتقلت للكتابة عن الحالة النسائية في فلسطين، ورغم أن الشباب من الذكور يقودون المواجهات اليومية، فإن الصراع ودور النساء تبدل كما قالت آسيا، الطالبة الفلسطينية بجامعة غزة الإسلامية، فبات «رمي الحجارة الآن من اختصاص الأطفال، أما النشطاء الذين لديهم أسلحة حقيقية فلا يمكثون في منازلهم، بل ينتقلون دائما إلى مكان آخر، ولا يمكن للمرأة أن تفعل ذلك».

ورغم شهادات الكاتبة الحية من المجتمع والواقع الفلسطيني بغزة، فإن المرأة شاركت في عمليات انتحارية، الأمر الذي يكشف عن مدى توظيف الانفعال العاطفي للمرأة والعنيف، الذي سرعان ما رسم لها خطا مزدوجا داخل مجتمعها الشرقي والإسلامي، تبعا لرياح السياسة. تلاحظ المؤلفة المفارقة، فبحسب ما خصصته حركة حماس في مادتين من مواد دستورها الست والثلاثين لدور المرأة المسلمة، تقول بأن النساء (يصنعن الرجال، ويؤدين دورا عظيما في توجيه وتربية النشء الجديد)، ولتجنب مؤامرات العدو (علينا الاعتناء بالمدارس والمناهج التي تثقف الفتيات المسلمات كي نجعلهن أمهات صالحات، مدركات لواجبهن في حرب التحرير، وينبغي أن يكن قادرات على اتخاذ الحيطة وفهم طرق إدارة بيوتهن، فالاقتصاد وتجنب الهدر في المصاريف المنزلية شرطان أساسيان في إمكانية السعي وراء أهدافنا).

تلفت الكاتبة الأميركية الانتباه إلى حالة الضبابية الثقافية التي تعتري المجتمع الأنثوي المحافظ، بما قالته ماجدة عنان، وهي إدارية في الثلاثين من عمرها: «في الواقع، ليس لدينا الكثير من المدرسات الإناث، والأفضلية في التدريس هنا للرجال، فالرجل هو الذي يحتاج إلى مهنة، لأن المرأة لا بد أن تتزوج ويهتم بها زوجها، بالإضافة إلى أن الجامعة في حال تعاقدها مع امرأة، فهي لن تستطيع التدريس إلا هنا في الحرم الأنثوي، في حين أن الرجل يستطيع أن يعمل هنا ومع الرجال في الطرف الآخر للشارع، وحين ننجز دولتنا الإسلامية لن تكون هناك حاجة للاختلاط إطلاقا».

وتعود الكاتبة بذاكرتها لعام 1987 أثناء زيارتها لغزة، حين كانت الفتيات السافرات اللائي يرتدين الجينز الأزرق في الشوارع، جنبا إلى جنب مع الشبان، يرمين الجنود الإسرائيليين بالحجارة، وكانت الأمهات خلفهن تماما مجهزات بالملابس المبللة أو البصل المقطع لمواجهة تأثيرات الغاز المسيل للدموع، قائلة: «لقد نالت النساء مكانة على دورهن في هذه الاحتجاجات، والآن وبفضل حماس تم إرسالهن إلى بيوتهن ليضعن الأطفال الذكور ويتجنب الهدر في المصاريف المنزلية»، كما تقول.

وهو الأمر ذاته الذي دفع الكاتبة إلى سؤال أحمد ساطي، المتحدث الرسمي للجامعة، الذي يحمل رأيا متشددا بشأن التعليم المختلط، والذي أكد حرمته في الإسلام: «لماذا لا يجري تعليم الطلبة الإسلاميين، في الكليات الجامعية، التعبير عن رأيهم صراحة ضد ضروب قتل الشرف وضد الختان الجنسي الذي وصل غزة أيام كان الشريط تحت الحكم المصري».

ويضيف ساطي: «تحتاج السياسة إمكانات عقلية، والقلة من النساء لديهن هذه العقلية. اسألي زوج حنان عشراوي واسألي أولادها إن كانت زوجة جيدة وأما جيدة وإن كانت تؤدي هذه الأدوار تماما أم لا».

إلا أنه، وبحسب إحدى معلمات جامعة بيرزيت التي توصف بالليبرالية، فإشكال واقع المرأة في المجتمعات الإسلامية هو (أن هؤلاء الناس لا يفهمون ثقافتهم)، مضيفة: «لقد فعل الإسرائيليون الكثير لاقتلاع الثقافة الفلسطينية التقليدية هنا، لكن ليس بقدر ما تفعله الحركات الإسلامية».

* لتعد شيللر إلى المطبخ

من جهة أخرى، تمكنت الكاتبة، وعبر تنوع رحلاتها إلى عدد من الدول والمجتمعات الإسلامية، من الوقوف على حجم الدور الحقيقي الذي لعبته المرأة في عالم السياسة، حيث يوضع في طريقها الكثير من العقبات، حيث (اضطرت إحدى أعضاء البرلمان في انتخابات 1993 في الأردن أن تناضل من أجل حق الكلام في حشد، حيث اعترض الإسلاميون على صوت أنثى في حشد مختلط).

وتستشهد الباحثة بمجريات عام 1994 الذي قادت خلاله النساء 3 بلدان إسلامية، إلا أنه، مع ذلك، كان لوجودهن في قمة السلطة تأثير طفيف في حياة نساء القاع. ففي حين كانت (تانسو تشيللر) تركز اهتمامها على إعادة صياغة الاقتصاد التركي، كانت الشابات التركيات في المناطق الريفية يجبرن على الخضوع لـ(فحص العذرية)، وفي حين أصبحت (بيجوم خالدة ضيا) البنغلاديشية أول امرأة مسلمة رئيسة دولة تلقي خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1993، كان المتطرفون يهددونها بالموت، وفي دورتها الأولى أبقت الباكستانية (بي نظير بوتو) قوانين الاغتصاب التي تعاقب الضحية بوصفها (زانية) وتترك المغتصب حرا طليقا.

وخلصت الكاتبة إلى أن الصعوبة التي تواجهها القياديات في البلدان الإسلامية هي أن مناصبهن غالبا ما تكون غير واضحة المعالم ودائما تتهددها مخاطر العودة إلى الوراء، كما حدث في تركيا حينما طفت على السطح دلالات الاستياء من جنس تشيللر في مؤتمر أغسطس (آب) 1993 الذي أقامه رئيس الوزراء السابق مسعود يلماظ، حيث بدأ المندوبون خلاله يهتفون: (ليعد مسعود إلى السلطة ولتعد تانسو إلى المطبخ).

كذلك، رصدت معاناة نساء حققن دورا مهما، لكن المجتمع احتفظ بنظرته الدونية تجاههن، بعضهن كان لهن تأثير على صناعة الدستور في سبيل تحقيق الإصلاحات، كما لعبت هذا الدور البرلمانيات في كردستان العراق، وما واجهته وزيرة الشؤون الاجتماعية المصرية عائشة راتب 1978، أثناء جهودها لتحقيق الإصلاحات في قانون الأحوال الشخصية، وهو ما أثار العوام صارخين في الاحتجاجات: (قوانين الإسلام، لا قوانين جيهان) في إشارة إلى زوجة الرئيس المصري الأسبق جيهان السادات التي كان لها نفوذ في الحياة العامة، وكذلك ما واجهته البرلمانية الأردنية توجان الفيصل عام 1989 أثناء تقدمها للانتخابات من تحديات، وغير ذلك كله يوضح أن حضور المرأة العربية والمسلمة في الحياة العامة، على من الرغم نضالاتها وإنجازاتها فإنها تبقى أسيرة نظرة المجتمع الذي لا يرتضي لها سوى العودة للمطبخ.


( الشرق الأوسط )

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *