هاني حوراني *
( ثقافات )
ذات مرة عبّر النحات العراقي الراحل اسماعيل فتاح عن إفتتانه بجماليات المكان العماني والمشهد الطبيعي الاردني عموماً، وأبدى عن إستغرابه من قلة إلتفات التشكيليين الاردنيين للطبيعة الاردنية والعمانية، وبالتالي قلة الاعمال المنجزة في هذا المجال.
تذكرت ملاحظة المرحوم اسماعيل فتاح وأنا اتجول في معرض الفنان العراقي ضامن نصيف جاسم “حوار الطبيعة” والذي يقيمه جاليري رؤى32 للفنون، فقد كرس بكاملة للاحتفاء بالمشاهد الطبيعية الاردنية، حيث قام بزيارة مواقعها المختلفة ورسمها في الهواء الطلق فكانت حصيلة حواره مع المكان الاردني 22 لوحة مختلفة الاحجام، منفذه بالالوان الزيتية، باستثناء لوحة واحدة نفذت بألوان الاكلرليك.
“حوارات” ضامن نصيف جاسم شملت أماكن متنوعة من المشهد الطبيعي الاردني، مثل عمان، جرش، عراق الامير، السلط، مرج الحمام، جبل القلعة، بدر. والملفت في هذه الاعمال انها إحتفت بجماليات المكان اكثر من تسجيله او نقله حرفياً، فاللوحات لا تقتصر على المعالم المعروفة وانما تجنح غالباً الى البحث في المشاهد الجزئية من المكان ليخرج منها بلوحة فنية متكاملة العناصر، وبهذا المعنى فهي لا تتسلح بقوة المعالم المعروفة، سياحية كانت، أم أثرية، لتسويق ذاتها، وإنما تتسلح بتكويناتها المتماسكة والمعالجة اللونية وقوة الخطوط ونضارة خامة الالوان الزيتية، ما يضعنا أمام لوحات تنهض بالمكان بدلاً من ان تتكيىء عليه. ولا عجب ان تحظى هذه الاعمال، منذ إطلاقها في مساء يوم الاربعاء الماضي (21 تشرين الثاني الجاري) بإحتفاء خاص من الجمهور والنقاد والمقتنين على حد سواء.
والملفت ان “حوار الطبيعة” كان عملياً المعرض الشخصي الأول للفنان ضامن نصيف جاسم، اذا وضعنا جانباً معرضه في أكاديمية الفنون ببغداد، والذي كان محصلة أعماله كخريج حديث في أواسط التسعينات من القرن الماضي.
وعلى ما يبدو فان الفنان الذي تعددت مشاركاته في المهرجانات والمعارض الجماعية منذ أواسط التسعينات وحتى الان، كان يتريث في إقامة معارض شخصية لأعماله، إدراكاً منه لمكانة واهمية المعرض الشخصي، الذي يجب ان يأتي بجديد وخاص، ما يحيله الى علامة فارقة في مسيرته الفنية.
ولعل “حوار الطبيعة” يشكل هذه العلامة الفارقة في مسار هذا الفنان، الذي ولد في بغداد عام 1973 وتخرج من معهد الفنون الجميلة واكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة العراقية، لينخرط بعد ذلك في جمعية التشكيليين العراقيين منذ ذلك الحين.
يردد الفنان العراقي الشاب أن “الطبيعة هي أُم الفنان”، والواقع ان معرضه الشخصي “حوار الطبيعة” في مركز رؤى32 للفنون جاء تجسيداً أميناً ليس فقط لشغف الفنان
بالمنظر الطبيعي، وانما هو مواصلة لميراث الفن التشكيلي العراقي الذي كانت المشاهد الطبيعية جزءاً عضوياً منه، منذ مطالع القرن الماضي وحتى اليوم.
* ناقد وفوتغرافي من الأردن