يوميات : ” كامليا ” سجينة إيرانية ينقذها جلاّدها



محمد علي فرحات

الاثنين 5/11/2012: كامليا

يندرج كتاب «كامليا» للإيرانية كامليا انتخابي فرد (صدرت ترجمته العربية عن دار الساقي في بيروت) في إطار سير منشقين عن أنظمة شمولية كالاتحاد السوفياتي السابق والصين والمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. وتبحث عن اسم الكاتبة في غوغل فتلحظ نشاطها الصحافي كما ترى مساهمتها في عرض أزياء لكريستيان ديور.

كامليا انتخابي فرد تعيش في نيويورك، كوطن بديل لا يشكل صدمة لها ولا للإيرانيين المنشقين أو المهاجرين، فقلما يكتب هؤلاء حنيناً الى الوطن الأم نجده عند جاليات شرقية في أوروبا والقارة الأميركية. ما يبعد الصدمة، ربما، أعمال فنية ينتجها ايرانيو الأوطان البديلة. ولطالما لمحنا الفرح لدى الإيراني لمجرد أنه غادر دولة آيات الله بسلام: الإيديولوجيا هي الفارق، لا المكان ولا الذكريات. في الكتاب تاريخ شخصي موازٍ لتحولات الثورة الإيرانية، تتقدم فيه الكاتبة كإصلاحية مقربة من فايزة رفسنجاني ومؤيدة لمحمد خاتمي، لكن تطرفات الثورة تدفعها الى الهجرة.

استطاعت كامليا انتخابي فرد اقناع المحقق بأن يسمح لها بالسفر الى الولايات المتحدة في مهمة صحافية تخفي مهمة استطلاع لمصلحة السلطة. قبل الإقناع حصل شيء من الانسجام بين الصحافية السجينة والمحقق، بل أكثر من انسجام، انه حب من نوع خاص يميز السيرة التي كتبتها كامليا انتخابي فرد:

«السبيل الوحيد للتحرر هو كسب ثقة مُستجوبي. كان إيماني ومستقبلي بين يديه. كنت في حاجةٍ الى الحب والى قوة الحب لكي أُغيِّر وضعي اليائس، وكان أقرب شخص إليّ هو الذي أراه في كل يوم، مُستجوبي. بدأتُ أحبّه على طريقتي. أولاً بوضع ثقتي فيه وبتصديق انه يُساعدني حقاً. ثم اعترفتُ له، أخبرته كل شيء بدءاً بالطريقة التي تقابل بها والداي وتزوجا الى قصص طفولتي ونشأتي، الى السنوات التي أصبحتُ فيها شاعرة وكاتبة وصحافية إصلاحية. شعرت بأنني راهبة، كما شعرت بالحاجة الى ذلك الاعتراف.

وأنا عاشقة، لم أرَ غيره. لم أتمكن من التفكير في عائلتي التي في الخارج. كان حُلمي به يمنحني السكينة والصفاء، واستطعت أن أنسى معاملته القاسية. كنت أسمع وقع خُطاه وهو قادم إليّ على طول الرواق، فلا أكاد أطيق الانتظار. كنتُ أتخيل أنه ليس قادماً لكي يُعذّبني بل لكي يُحبني. كنت في حاجة الى راحة البال تلك لكي أُبعِد عني شبح الجنون وأحتفظ بطاقتي على البقاء قوية. كيف كان في وسعي أن أجعله يُحبني، أيضاً؟ إنه يعتبرني «مُفسِدة»، تستحق الموت. لم يكن في مقدوري أن أُغيِّره أو أُغيِّر العالم. لكني وقعت في الحب، شعرت بذلك، في حبٍ حقيقي. لم أتمكن من السيطرة على وجيب قلبي عندما سمعتُ خُطاه تقترب.

مسحت ذكرى عائلتي من ذهني بالتركيز وبضبط النفس، بل مسحتُ وجودي أنا. ولكي أفوز، كان عليّ أن ألعب دوراً صعباً. لم يكن أيٌ منا قد رأى الآخر، بما أني كنت أواجه الجدار في غرفة الاستجواب، كنت أستخدم صوتي ويديّ لأجذبه. صوتي الناعم والمُعبّر عن الندم أثناء الاعتراف ويداي اللتان ترقصان كالبجع. كان في استطاعتي أن أحسّ بتغيُّره البطيء. صرتُ أعلم أنه لا يطيق صبراً على اللحظة التي يستطيع فيها أن يُدير وجهي نحوه، أن يواجه كلٌ منا الآخر. بتُّ متأكدة من أنه لكي يُحقق ذلك، لكي تُتاح له تلك الفرصة، سيكون عليه أن يساعدني على الفرار (…)

ولم أطق صــــبراً على رؤية وجهه. كنت مشوشة، وتساءلت – هل تُمكنني رؤية وجهه من معرفة ما إذا كنت عاشقة حقاً؟ على الأقل جانبي المُغامر أراد بيأس أن يراه. كان صوته قوياً، وفي تلك اللحظة الهشّة رغبتُ في رجلٍ قويّ يحميني. وراح يكرر القول إني مختلفة. وآمنتُ بأني صحافية ذكية وتختلف عن الآخرين. آمنتُ بأنه يُدرك هذا عني، وأنه يُدرك أنني شخص يمكنه أن يُخاطر في وقتٍ لا يجرؤ فيه الآخرون حتى على التفكير في ذلك.

أحياناً، ونحن في الغرفة معاً، كان يضع صوراً فوتوغرافية أمامي، أُخِذَت من ألبوم انتزعه الحراس من غرفتي عندما ألقوا القبض عليّ. يبدو أنهم يستخدمونها من أجل توضيح نقطة ما، ليدفعوني الى شرح مناسبة أو للتعرف الى الأشخاص الأجانب الذين كنتُ معهم، وليكشفوا عن معلومات سرية. في بعض تلك الصور أظهر متبرّجة وأقف في حفلة بثوب قصير(…) يسألني «ألا تخجلين من ارتداء هذا»، فأتلمّس ما خلف السؤال الفظ وجوابي الحليم، وأتخيلُ رجلاً متديّناً، ورِعاً، يخاف من حبّه المُحرم، ويُصارع نفسه وهو يستعرض صوري واحدة بعد أخرى».

الثلاثاء 6/11/2012: عن الشعر

الشعر الحق لا يشبه شعراً آخر. كم يبدو الأمر صعباً وربما مستحيلاً. الشاعر يحاول المستحيل وقد يحقق طرفاً منه فيبقى كليّ الحضور، تقرأ قصيدته أو بعضها على شاشة، على ورقة، على حجر أو على لوح فخار. الأزمنة كلها كأنها تجتمع في زمن القصيدة الخاص.

الشعر الذي يشبه شعراً آخر كثير. تعود كثرته الى صعوبة تفرد الأسلوب أو الوعي الاستثنائي بالتجربة اليومية، وتعود أيضاً الى تشابه المراحل الزمنية والى وطأة الذاكرة اللغوية على التعبير الخاص.

وطأة الذاكرة اللغوية. انها الريح تدفع هواء الغرفة، حنان الغرفة، وتلقيه من النافذة، لتحلّ محله.

الأربعاء 7/11/2012: احتلال مصر

الداعية المصري الجديد لا يستسيغ النصح، يعتبره تراخياً، لذلك تراه يزجر الآخر ويأمره بالعودة الى ما يراه صواباً، وإلاّ…

وليس الداعية الجديد تابعاً للأزهر كسائر الدعاة المألوفين، ولا ندري حقاً الجهة التي تطلقه ويرجع اليها. كل ما في الأمر إنه يتعاون مع أصدقاء في الحي أو في القرية، حيث تمزج «الشلّة» بين رؤيتها الخاصة للسلوك الإسلامي ومصالح الأهل أو الأعيان أو الحزبيين النافذين، مالاً وسلطة.

يحتل الدعاة الجدد الصورة، يطلقون محطات تلفزيونية تعرض مجالس الاتهام والنميمة والتحذير والإدانة. يحاولون دائماً شطب صورة مصر التي قدمتها السينما ومن بعدها التلفزيون منذ مئة سنة. وبدلاً من الابتسام والمرح اللذين يميزان الصورة المصرية نرى على شاشات الدعاة تجهماً ويأساً واحتقاراً للجمال وخوفاً منه، مع الشك بأن ذلك كله يخفي شيئاً من الحسد تجاه الصورة المصرية الزاهية العريقة. ويبلغ الحسد ذروته بل انحطاطه في هوس أحد الدعاة بجسد الممثلة الهام شاهين، والرغبات المكبوتة لداعية آخر يوجه نميمته الى الممثلة يسرا.

يدرك الدعاة الجدد غربتهم عن مصر، فيتعاملون مع مجتمعها كأنهم غزاة قادمون من كوكب آخر، وقد ينظرون الى أنفسهم كأبطال فتح إسلامي جديد لأرض الكنانة يحققون ما عجز عن تحقيقه عمرو بن العاص وجيشه. يعتبرونه مقصّراً ويرون في أنفسهم الكمال، فالصحابي الفاتح كان متأثراً بالنبي وبداية الدعوة، وهذا لا يُرضي الدعاة الجدد الذين يخلطون الإســـلام بعنــاصر الاستبداد المتوارثة منذ القرون الوسطى، من فقهاء السلاطين الى الديكتاتوريات الحديثة الفاشية أو اليسارية.

ربما لا يعي الدعاة الجدد موقعهم هذا، لكنهم يعبرون عنه في أي حال، ويعتبرون أنفسهم سلطة احتلال تعيد مصر الى ما يسمونه صواباً وتطهرها من مظهر الحداثة ومؤسساتها منذ محمد علي باشا.

كيف تتابع النخبة المصرية هؤلاء الدعاة المحتلين؟

الى الآن، وصف ساخر على رغم جدية المسألة وخطورتها، خصوصاً عندما يتعدى الدعاة على الكثير من حقوق الإنسان، خصوصاً حقوق المرأة.

وغير السخرية، كتابات تكرر أدبيات ليبرالية أو يسارية عمومية لا تلامس المسألة جدياً، فلغة العنف لدى الدعاة تتطلب تأسيس لغة نقد العنف، ولا تنفع الأفكار المعلبة المعولمة نكررها كواجب وسبيل الى راحة الضمير.

الخميس 8/11/2012: شتاء

نتذكر المشردين حين البيت يؤوينا شتاء، نأنس الى المدفأة ونقرأ كتباً قديمة – كتب الحكمة تقرأ فقط في ضوء الشموع.

وكم تبدو الأرواح جافة حين تتقبّل الطائرات تهدم البيوت المبللة بالمطر، والمسلحون يقتلون من لا يشبههم. على قارعة الطريق يقتلونه. كان إنساناً مثلهم. هل هم كذلك؟

وفي الشتاء أقسى الحروب. راجع «الحرب والسلام» لتولستوي، والمشاهد اليومية في الأرياف السورية المترامية.

سورية الشتائية تبحث في الحرب عن هوية فقدتها في السلام.

الهوية عقل والحرب جنون.

لا عقل في الديكتاتورية ولا في الديكتاتورية البديلة.

وهذا العالم الضيق، ربما لن يتسع لمزيد من اللاجئين.

الجمعة 9/11/2012: شتاء آخر

الصخرة التي ترشح في سقف المغارة تقول: أنتم في كوخ الطبيعة لا في قصرها.

والماء، نقطة نقطة. نمد الأكف ونشرب. العطش محتمل في الشتاء، ونسقي معنا الثعلب اللاجئ مثلنا. قلنا المغارة بيته وشكرنا الضيافة.

تؤنسنا عينا الثعلب في ليلة المغارة، حتى إذا بزغ الصباح حملنا متاعنا القليل وتابعنا الرحلة الى بيت الأهل العالي

( الحياة )

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *