قصتان عن الجبال


باولو كويلو

 
إنني ها هنا أتأمل الغروب فحسب.. أليس ذلك كافياً لإضفاء معنى على حياتنا؟

 ..حيث أقف

بعد أن فاز بطل البلدة في العديد من بطولات الرماية بالسهام، انطلق باحثاً عن معلم الزنّ.

قال البطل:” إنني أفضل الجميع، وأنا لم أتعلم الكثير عن الدين، ولم أسع إلى العون من رجاله، وأعدّ أفضل رامٍ بالسهام في المنطقة بأسرها، وقد سمعت بأنك في وقت ما في السابق كنت أفضل رامٍ بالسهام في المنطقة، ولذا فإني اسألك:” هل تعين عليك أن تصبح رجل دين لتتعلم الرمي بالسهام؟”

رد معلم الزن في إيجاز بالغ قائلاً:” لا”.

ولكن البطل لم يقتنع، والتقط من جعبته سهماً وثبته في قوسه وأطلقه فأصاب شجرة كرز على مسافة لا يستهان بها، وابتسم كأنما يقول:” كان بمقدورك أن توفر وقتك، وأن تكرس نفسك للأسلوب الفني”. وقال:” إنني أشك في أن بمقدورك أن تفعل الشيء نفسه”.

قام معلم الزن دون أن يبدي أدنى اكتراث بالتقاط قوسه، وشرع في السير باتجاه جبل قريب. وفي الطريق كانت هناك هاوية لا يمكن عبورها إلا عن طريق جسر متهالك من الحبال يوشك أن يتداعى. وبهدوء بالغ مضى معلم الزن إلى منتصف الجسر، وأمسك بقوسه وثبت فيها سهماً، ووجهه نحو شجرة على الجانب الآخر من الهوة، ورمى بالسهم فأصاب الهدف.

قال معلم الزن في لطف للشاب فيما هو يعود إلى الأرض المستقرة:” الآن حان دورك”.

مضى الشاب في انزعاج وهو يحدق في الهاوية المترامية أسفله إلى البقعة المشار إليها وأطلق سهماً، ولكنه استقر بعيداً عن الهدف.

خلص معلم الزن إلى القول عندما عاد الشاب ووقف إلى جواره:” هذا هو ما يحصل عليه المرء من الانضباط وممارسة التأمل. فأنت يمكنك أن تكون ماهراً للغاية في التعامل مع الأداة التي اخترتها لتكسب بها عيشك، ولكنها تعد بلا فائدة إذا لم تفلح في السيطرة على الذهن الذي يستخدم هذه الأداة”.

تأمل الصحراء

رأى ثلاثة أشخاص كانوا يمرون في قافلة صغيرة رجلاً يتأمل غروب الشمس في الصحراء فوق قمة جبل.

قال الرجل الأول:” لا بد أنه راعٍ فقد إحدى غنماته ويحاول العثور عليها”.

قال الرجل الثاني:” لا لست أعتقد أنه يبحث عن شيء ما، وبصفة خاصة في وقت المغيب، حيث تصعب الرؤية. وأعتقد أنه ينتظر صديقاً له”.

عقب الرجل الثالث قائلاً:” أراهن أنه رجل دين يبحث عن الاستنارة”.

شرع الرجال الثلاثة في مناقشة ما كان الرجل يقوم به، وانغمسوا كثيراً في المناقشة إلى حد أنهم أوشكوا على أن ينتهي بهم الأمر إلى التضارب فيما بينهم، وأخيراً قرروا من أجل اكتشاف من الذي حالفه الصواب أن يتسلقوا الجبل ويسألوا الرجل الواقف على قمته.

تساءل الأول:” هل تبحث عن غنم؟”

رد الرجل الواقف على قمة الجبل:” لا ، ليس لدي قطيع”.

قال الرجل الثاني :” إذاً فلا بد أنك تنتظر شخصاً ما”.

رد الرجل قائلاً:” إنني رجل وحيد يقيم في الصحراء”.

قال الرجل الثالث مؤكداً وقد بدا عليه الاقتناع تماماً بما خلص إليه:” بما أنك تقيم في الصحراء، وتعيش وحيداً، فلا بد لنا أن نعتقد أنك رجل دين تبحث عن الاستنارة، وأنك تمعن التأمل”.

رد الرجل الواقف على قمة الجبل:” هل يحتاج كل شيء على وجه البسيطة إلى أن يكون له تفسير؟ إذا دعوني أفسر لكم الأمر، إنني ها هنا أتأمل الغروب فحسب، أليس ذلك كافياً لإضفاء معنى على حياتنا؟

 

( البيان )

شاهد أيضاً

كأس وظلال

(ثقافات) كأس وظلال عبد القادر بوطالب تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني سارت خلفي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *