سميرة عوض *
تلحظ حالة السخرية العارمة عند الكاتبة الأردنية هند خليفات مذ مشاهدتك لغلاف كتابها ‘نسوان نص كم’، فمن جهة هي استخدمت مفردة عامية شائعة في بلاد الشام عموما (نسوان) لجهة إغراقها في السخرية.
فهي مفردة تستخدم ـ غالبا- كنوع من التمييز ضد النساء- كما أرى- فيما جاءت كلمة (نص) مكتوبة بطريقة رياضية ـ من الرياضيات- حيث نجد (الرقم 1 على البسط، والرقم 2 على المقام) ويفصل بينهما (شارب) كبديل عن الشرطة، فيما جاءت كلمة (كم) مكتوبة باللغة الانجليزية (Com)، من هنا تفصح الكتابة الساخرة عن نفسها في مفارقة حملها عنوان الكتاب، الذي يوحي كما يتبين لاحقا- أن المرأة العربية ما تزال تعاني من التمييز، وذلك في مقالتها المعنونة ‘حياة على كف رجل’، على الرغم من أن الكاتبة نفسها تتبرأ من’النسوان اللواتي يمتهن الدفاع عن حقوقنا، واخص بالذكر السيدات اللواتي يصلن السيلكون بالبوتكس، وهن يتشدقن بالحديث والكتابة عن منجزات حماية المرأة أحيانا، والمرآة دائما’، وذلك في مقالتها ‘بالهم والشقاء يا أختي!!).
ويتفاجأ القارئ بلازمة وضعتها الكاتبة تحت العنوان في الغلاف الداخلي لكتاب تقول: ‘مكائد نسائية ساخرة’، ولتثبت ثالثة الجملة التي وضعتها على الغلافين ‘الكتاب الأكثر مبيتا بجانب النساء’، إلا أن كل ما سبق لم يحل دون حضورمكثف للرجال، والنساء أيضا، لحفل توقيع كتابها الموسوم أعلاه، في حفل جماهيري أقامته دار فضاءات للنشر والتوزيع في المركز الثقافي الملكي مؤخرا، حفل الاشهار الذي اداره الفنان القدير محمد القباني الذي تألق ببديهته العالية وحضوره المتميز، رعاه وزير الاعلام والثقافة سميح المعايطة، الذي القى كلمة في نهاية الحفل اشاد فيها بالكاتبة وقدرتها ككاتبة ساخرة وتألقها في هذا المجال، أثناء عملهما معا في جريدة ‘الرأي.’
الحفل الذي اختتم بتوقيع الكاتبة الساخرة لنسخ من كتابها المنشور على امتداد (454) صفحة من الحجم الوسط والصادر عن فضاءات مؤخرا، شارك فيه عدد من النقاد وهم: الناقد محمد سلام جميعان، والكاتب الساخر يوسف غيشان، والناقدة الدكتورة منار النمري، فضلا عن كلمة قدمها الناشر جهاد أبو حشيش، وكلمة ختامية للكاتبة خليفات.
جميعان: لا تشبه أيَّ تجربة ساخرة أخرى
استهل الناقد محمد سلام جميعان ورقته بالقول: حينما فرغت من قراءة تهكُّميَّات الكاتبة هند خليفات وسخرياتها، أوحت لي ذاكرتي بالقول العربيِّ المأثور ‘شرُّ البليَّة ما يُضحِك ‘، وحضر في خاطري بيت المتنبي:
وكم ذا بمصرَ من المضحِكاتِ ولكنَّه ضحِكُ كالبكا
وفي كل مجتمع من المجتمعات الإنسانية ما يدعو إلى التهكُّم والسخرية والضحك، وفيه ساخرون ومضحكون لهم قدرة على إبداع التعليقات بإدراكات ساخرة متميزة، لمواجهة الأزمات النفسية والاجتماعية، والتخفيف من وطأة الإحباطات السياسية والأزمات الاقتصادية، وغيرها من شؤون الحياة.
ويرى جميعان فرادة الكاتبة خليفات فهو يقول: وكما لا تتشابه بصمات الأصابع فإنَّ تجربة هند في كتابها هذا لا تشبه أيَّ تجربة ساخرة أخرى، سواء في الموضوع، أو شكله، أو التكنيكات المستخدمة في السخرية. وتكاد النزعة الساخرة لدى هند تنحصر في وعيها الفائق وقدرتها على الكشف عن التفاوت أو التناقض بين الكلمات ومعانيها، وأيضاً تعرية العلاقة بين الأفعال ونتائجها، أو بين المظهر والواقع، وهي في هذا كلِّه تقدِّم خطاباً ثقافياً يقوم على أساس من انتقاد الحماقات الأنثوية والرجولية في الأخلاق والسلوك والتفكير، فطبيعة السخرية حتى وإن وصلت إلى درجة التهكم والازدراء فإنَّ غايتها التحذير والتنبيه وإخماد السلوكات الخاطئة، وترسيخ حضور الفرد في الجماعة.
وينوه جميعان إلى أن ‘قارئ الكتاب يلحظ لجوء الكاتبة إلى أسلوبي التورية والمفارقة في استخدام التعبيرات والألفاظ لتوحي أو تدل على معانٍ أخرى غير المنطوق الصوتي الذي تدل عليه، وتأملوا معي ما تعنيه الكاتبة بدلالة كلمة (غزَّة) التي لم تعد دالة على مدينة منكوبة بالحصار وتصارع الفتحماسية، بل أزاحت الدلالة باتجاه آخر لا يخفى عليكم حين تتأملون سياق العبارة التالية التي تقول فيها هند: (وستتوالى التصريحات وتنفجر قنابلُ مسيلةٌ للفضول وسينشغل العالم بأوباما وميشيل وستسقط بغدادُ أخرى وستباد شعوب، وسنُشكُّ بألف (غزَّة) ويبقى فجل البيت الأبيض عمااار). ولا يفوت قارئ مقالتها التي انتزعت منها هذا الاقتباس، ما توحيه كلمة (الفجل) من آثار صوتية ناقضة للوضوء، يضرس بها الشرق الأوسط وهو ينتظر الحلول الأمريكية. وفي هذا تكمن بلاغة هند التعبيرية في توظيف دلالات الألفاظ وإسقاطها على الواقع البائس.
النمري: أضافت إلى قاموس الظرافة معنى استثنائيا
وتعلن الناقدة الدكتورة منار النمري حكايتها مع ورقتها في هذا الحفل، فتقول: ‘فيما مباغتا كان طلبها، وكان الرفض ردة فعلي الأولى، إذ لم أعتد الوقوف متحدثة أمام أكثر من خمسة أشخاص، ولكنها هند، سأكون مقصرة لو لم أفعل، فلن تجد من يجيد الحديث عنها مثلي. فقد أكون الأقرب إلى عقلها وطريقة تفكيرها وأملي إلى قلبها أيضا’.
وأشارت النمري إلى مقالة كتبها جهاد الخازن عن خليفات، ‘قبل شهر تقريبا، خصّص الكاتب الكبير ‘جهاد’ الخازن عموده اليومي في جريدة الحياة اللندنية للحديث عن ‘هند خليفات’، فبدأ متسائلا: هل هند خليفات أظرف إمرأة في الأردن؟، لا أجزم ولكنها خفيفة الدم جدا، مدح ‘جهاد’ جرأتها على اللغة والتنقل بسهولة من الفصحى إلى العاصمة الأردنية البدوية، ووصف كتابها بأنه ‘يشيل الهم عن القلب’… وآثر أن يختار في عموده مقالا من كتابها بعنوان ‘سكايب يا دموع العين سكايب’ عن زوجين أستراليين علقا في مطار فتزوجا عن طريق الهاتف المرئي بحضور أصدقائهما على بعد ألوف الأميال، ومقارنة ظريفة من هند لما كان سيكون عليه الحال من بوز خمسة أشبار وندب للبخت المايل فيما لو كان الزوجان أردنيين’.
يوسف غيشان: نسوان هند خليفات
وفي كلمته المعنونة ‘نسوان هند خليفات’ استهلها الكاتب الساخر يوسف غيشان باقتباس من كتابها: ‘أنا امرأة جالسة على سواحل الدمع، أعترف أني كثيرا ما أضحكتكم ودمع التفاسير على وجنتيّ ووريقاتي. ببساطة أنا كثيرا ما خنت الصمت، الصمت الذي لا تحقق المرأة أنوثتها أمام الرجل إلا من خلاله’.
هذه كلمات هند خليفات في كتابها الأخير الذي نحتفي بصدوره اليوم (نسوان نص كم)، حيث تعتقد هند بأنها كتبته ردا على كتاب (نسيان) الذي اقترفته أحلام مستغانمي، لكن ورغم أن كتاب هند يحتوي على بضعة نصائح ساخرة للمرِأة ـ ليس على طريقة مستغانمي الجادة- الا أن بقية الكتاب او بالأحرى معظمة هو بطاقة احتجاج على الذكر.
حققت هند خليفات منذ كتابها الأول الذي لم تكن تجيد فيه لف الدوالي تقدما متميزا في مجال مشروعها الساخر، حيث أجادت لف الكلمات والعبارات بشكل ممتاز لتعطيها مناخات جديدة ومدلولات أكثر حداثة ودهشة، ولم تعد تقاتل فقط في معركة العيش في مكان واحد لكن في زمنين مختلفين.لا بل انها استطاعت بسخريتها اللاذعة أن تنضم الى ميليشيا النساء التي تقاتل من اجل نيل المرأة حريتها وحقوقها الطبيعية… انها تقاتل الرجل، لا بل تقاتل طبيعته المستبدة وتنصره على ذاته السوداء لتعيد للحياة عفويتها ولتحقيق التوازن بين الرجل والمرأة، حتى ينهمكا معا في تحقيق الحياة الأجمل للجميع بدل بحث الرجل الدائم والدائب عن مبررات عصرية لممارسة عملية الوأد، بعد ان استولى على الكثير من حقوق المرأة وفوض نفسه وصيا وسيدا عليها، بقوة العضلات لا بقوة الدماغ.
أبو حشيش: الجنوبية المعجونة بحر الصحراء
وفي كلمة ألقاها الناشر جهاد أبو حشيش مدير عام دار فضاءات للنشر، قال: ‘ليس سهلا أن تعتمر امرأة جنوبية تراب الصحراء وشموسها، وتنعجن بدمع المدينة، لتحتل ضحكاتنا وترسمها، وهي تشير الى خيط الدم النازف من ارواحنا، قائلة أنكم تمتلكون القدرة على خلق ارواح ومستقبل اكثر جمالا، واردن بجمال ما يشتهي له ابناؤه من عزة وعطاء.
لن يعرف ما معنى أن تخرج الفتاة الجنوبية المعجونة بحر الصحراء لتكون امرأة وانسانة حقيقية مشاركة في نسج مجتمعها، إلا من ذاق أو ذاقت طعم اختناق الصوت وضياعه في فراغ الصحراء.
هند فتاة الصحراء التي تصر على أن تظل بكامل أنوثتها، وفي الوقت ذاته تمشي على الجمر لتصنع المرأة الإنسان في داخلها ومجتمعها.
(نسوان 1/2com ) ليس مجرد كتاب ساخر، انه الروح التي لا تفتش عن القول قدر ما تفتش عن روح الكلمة، الإنسان وحقه في أن يكون كائنا متفردا، لا حد لجموحه وانثيالاته الإنسانية.
خليفات، شكرا
من جهتها شكرت الكاتبة الزملاء الذين تحدثوا عن الكتاب وقالت: في هذا الزمن الذي شكلت الحروف فيه خيوطا في سجادة الحرية الحمراء التي يمشي عليها فخامة الشعب العربي.. وباتت نقرة على لوحة المفاتيح أخطر من ضغطة على سلاح أتوماتيكي.. نكون ولجنا حقبة العصر الماسي للحروف ووقعها.. فمن يلقح فكر الأرض غير مثقفيها ومناصري فكرها؟ ومن يعمد ويطفئ روح الحرب إلا كمشة حروف طيبة مطيبة مجبولة ببخور الحب وعود الود!
مناصرو الكلمات.. نيابة عن كتابي ‘نسوان 1/2 كُم’ أرحب بكم آملة ان تجدوا بين صفحات’نسائي’ المتعبات المنسوجات بالصبر المُنكهات بالسخرية ما يستحق تشريفكم لنا… حضوركم هو تتويج لي ووريقاتي الناجية بفضل دعمكم وأياديكم البيضاء المبسوطة كل البسط.