البَرّي


جميلة عمايرة*

 أبكيك يا حبيب. فمثلك يَبكيه الصغير والكبير، البعيد والقريب، النساء والرجال، والولد والبلد.
أبكيك وأبكي رحيلك المفاجئ. هل كان مفاجئاً حقاً وأنت الذي قلت لي قبل يومين اثنين فقط من رحيلك: «خَيتي.. أراني لن أصل الخمسين»، وأضفتَ بثقة: «والله لن أكمل الخمسين، قريباً سأرحل».. يا إلهي! هذا ما تحقق.
أهي نبوءة الشاعر المرهف، أم إحساس إنسان أحب الحياة والشعر والناس والبلد بكل ما فيه، أم هو حدسك، أم رؤيا جاءتك في ليل عمّان التي أحببتَها فأغدقت عليها أجمل القصائد والكلمات؟!
ما الذي سأكتبه فيك أيها البرّي الذي ما هان يوماً ولا هانت كلمته؟! تركتَ عمّان وراءك في نزوة غضب، ويممْتَ نحو «العالوك» لتعتكف وتكتب أجمل القصائد وأنت تعد لديوانك الذي أسميته باسم الثرى الذي عشقته: «غيم على العالوك».
ما الذي سأكتبه وكلماتي عاجزة أمام وقع رحيلك المدوي والصاعق؟ تعجز كلماتي وتَشرق بالغصة أمام نبوءتك التي أفصحتَ عنها وأنت تبتسم فيما عيناك تدمعان؟!
في فمي ماء يا حبيب! رحلت وبك وجع لا يشبهه سوى وجع الناس البسطاء الذين رسمت خطواتهم وعمّدت قصيدتك بتراب هذا الوطن وحجارته وصحرائه وسهوله وجباله، فكتبت له ولنا أجمل القصائد.. كتبتَ لعمّان التي عشقتها كما القدس ودمشق. «هذي بلادي، بلاد الشام».. عمّان التي أوجعتك كثيراً يا حبيب!
موجع رحيلك يا حبيب، لكنني أقسم بالله العظيم، أنني رأيت وجهك وجسدك مسجى في تابوت رُفع فوق أكتاف الرجال في «العالوك».. رأيت وجهك يشرق بابتسامة صافية بيضاء كقلبك، كغيم «العالوك» الذي نمت أو غفوت تحت أشجاره الخضراء التي احتضنتك.
نم قرير العين، ولتهدأ روحك النقية والحرة، وأنت السنديانة الأردنية العصية على النسيان

* قاصة من الأردن

( الرأي الثقافي )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *