15 قصيدة للشاعر الإيراني محمود كيانوش



ترجمة وتقديم : جلال زنكابادي

( ثقافات )

محمود علي كيانوش(1934م – مشهد) أديب موسوعي متعدد الأوجه ومرموق في تنويع أعماله ومثابر على العطاء الثقافي النوعي منذ أواخر خمسينات القرن الماضي وحتى الآن بصفته: شاعراً، قاصّاً، روائيّاً، كاتباً مسرحيّاً، مترجماً، ناقداً، باحثاً و صحافيّاً، بل يعد من أبرز روّاد(قصيدة النثر) في إيران، ومن أبرز كتّاب الشعر والقصّة للأطفال؛ حدّ تسميته بـ (أب شعر الأطفال) في إيران.
أكمل محمود كيانوش دراسته الإبتدائيّة في مشهد، ثمّ نزحت عائلته إلى طهران، حيث استأنف مرحلتيّ : المتوسّطة والثانويّة، وعمل بعدها معلّماً في أطراف طهران، بالإضافة إلى مواصلة دراسته الجامعيّة، والعمل الصحافي والترجمة…وقد حاز على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنكَليزيّة وأدبها. وفي سنة 1959 تزوّج من زميلته في الدراسة بري منصوري (المترجمة والقاصّة المعروفة لاحقاً) وفي سنة 1975 هاجر كيانوش عائليّاً(مصطحباً زوجته وابنه كاوه العالم لاحقاً، وابنته كتايون الفنّانة التشكيليّة لاحقاً) إلى إنكَلترا واستقرّ في لندن ، حيث مازال يعيش هو وزوجته شيخوخة مثقلة بالفاقة والمرض، علماً أنّهما ظلاّ يزوران بلدهما إيران بين فترة وأخرى، حيث كانا ينشران بعض كتبهما المؤلّفة والمترجمة.
لقد ابتدأ كيانوش كتابة القصة والشعر، والنشر مبكّراً منذ مطلع مرحلة دراسته الثانويّة، وراح لاحقاً يرفد المكتبتين الإيرانيّة والإنكَليزيّة بأكثر من (80 كتاباً) بل هو أبرز أديب ناشط بين أترابه وأقرانه من شعراء الرعيل الثالث(منذ العقد الرابع لحركة التحديث فصاعداً…) فضلاً عن كونه أبرز من قدّم باللغة الإنكَليزيّة ترجمات لقرابة ستين شاعراً إيرانيّاً (من القدامى والمعاصرين) والعديد من الدراسات في شؤون الثقافة الإيرانيّة…
ومع كلّ ما سلف لمْ يلق كيانوش الإهتمام النقدي اللائق بعطائه الثر والمتنوّع قياساً إلى أدباء إيرانيين آخرين لا تبلغ قامة أكثرهم نصف قامته الشامخة! وكذا الحال في مجال الترجمة إلى اللغة العربيّة، ماعدا استثناءت نادرة كترجمة كاتب هذه السّطور لمجموعة شعريّة له. وفي إحدى رسائله الموجّهة إليّ يعلّل عدم اكتراث النقاد والباحثين الإيرانيين بمنجزه الشعري قائلاُ :
– ” عزيزي الشاعر زنكَابادي! إنّك مطّلع جيّد ببضع لغات على الشعر العالمي، وتعرف أنّ مجتمعاً مثل المجتمع الإيراني المتخلف لم يتعرّف جيّداً إلى الشعر بمفهومه العالمي، خلال القرن الماضي، وإذا كان ثمّة شاعر مثلي على تماس مع الشعر العالمي والإطلاع عليه بالإنكَليزيّة منذ فتوّته؛ فستكون آفاق ذهنه رحيبة وإنسانيّة، وسيدور شعره في تلك الآفاق الواسعة؛ لذا من الطبيعي أن يكون شعره غريباً في هكذا مجتمع. وإذا ابتغيت مصداقيّة كلامي ؛ فاقرأ مجموعتيّ (يا شمس إيران) بالفارسيّة و (The Amber Shell of Self) بالإنكَليزيّة، على صفحات موقعي الإنترنتي www.kianush.com “
وفي رأيي لا يكفي السبب السّالف لتعليل ظاهرة تغييب كيانوش وتهميشه، بل ثمّة أسباب أخرى أهمّها: غيابه المديد عن المشهد الثقافي في إيران نفسها، وما يسود المشهد نفسه من تكتلات سياسيّة وإقليميّة وحزازات شخصيّة وحسد واستحواذ، ناهيكم عن إستقلاليّة كيانوش الفكريّة والسياسيّة، وهدوء طبعه وركونه إلى الفعل الإنتاجي بدلاً عن اللهاث وراء أضواء الشهرة وإثارة الصخب والضجيج لتسويق أعماله…
وفيما يلي مجموعة من قصائده، التي تجلو سمات شعريّته البارزة: العمق والشفّافيّة وقوّة الصورة المُجسّدة باقتصاد لغوي، فضلاً عن النزعة الإنسانيّة الطاغيّة على مضامينها المطروحة بتعبيريّة رمزيّة.

عبر شبّاك تاج محل

كان واقفاً في مقرّ التاريخ
يشهد عبر شبّاكِ تاج محل مذهولا
مارش الفِيَلة رتلاً رتلا
مِنْ بوّابةِ الزّمرّدِ حتى ساحلِ الدماء.

كانتْ حُمرةُ الدمِ تُثقِلُ قلبه
والزّمُرّدُ يُبهِرُ عينيه
فقد كان ناسياً معلّمَ التاريخِ، الذي قالَ:
– ” يا صبي
لنْ تعرفَ المستقبلَ؛
ما لمْ تعرف الماضي
فاقرأ التاريخ!”

وظلّتْ أرتالُ الفيلة
تأتي من الماضي
فسألَ وهو في ذهولٍ وحيرة
إزاء لعبةِ الأمجادِ الغابرة:
– ” أبتي!
هلْ كان المهراجات أناساً طيّبين؟”

كنتُ واقفاً محبطاً يئيساً
أمام أعدادٍ تؤرّقني :
زوجة واحدة،
قميصين
وثلاثة بنين
وأعداد أخرى أبتغيها:
عدالة واحدة،
ستة مليارات أخ وأخت
ونافذة واحدة،
وأعداد تخيفني
أو تستثير لعنتي
أو غثياني
أو غضبي
أو…

كنت أقف خائباً يئيسا أمام هاتيك الأعداد
ولمْ يبقَ للمقارنة [والتفضيل]أيّ مجال
وكنت أفكّر كالأبله
فيما إذا لمْ يتعطّرالبشر بعد الآن؛
لما كانت الزهور والأوراد
تموت قبل الأوان
ولظلّت تعطّر الأجواء
وكمْ كان الجوع ينحسر!

وبينما كنت أفكّر هكذا سألني:
– ” أبتي!
هلْ كان المهراجات أناساً طيّبين؟”
فأجبته وأنا أوهن وأشدّ يأساً ممّا مضى
في معمعة جحر ثعبان الأعداد:
– ” كلاّ”
فعاود السّؤال:
– ” هل كانوا عظماء؟”
– ” كلاّ”
فسأل:
– ” فماذا كانوا إذنْ؟!”
أجبته:
– ” لقد كانوا مهراجات ليس إلاّ!”
فضحك وقال:
– ” هكذا إذنْ؛ كان مهراجاتنا
مهراجات لاأكثر!”
وقهقه عاليا؛ إذ أضفت:
– ” بنيّ الحبيب!
إقرأ تاريخك ودعني أقرأ جريدتي!”
لكنّما رأيته مازال ينظر إلى الماضي
عبر شبّاك تاج محل بانذهال
ولمْ يتذكّر معلّمَ التاريخ بعد.

ناما روبا
1
كانت تجلس
في الجانب الآخر من الغروب
على غصن-الصّمت- البلّوريّ
ونظراتها تكتمُ أبهم سرّ
يتأرجحُ بين توهّمِ لؤلؤةٍ في الرحم
وحُباب حزنٍ في القلب.
كانت تجلس
في الجانب الآخر من الغروب
وتحدّقُ مثل ظلّ غريب
في الشمس الأجنبيّة.
كانت الأسرارُ البسيطة لكلّ المجرّات
منذ البدء حتى لحظةِ البلوى
في رؤى قوس قزح
حيث كانت تنتزع منها الهدأة الآسية
التي وجدتها في اليأس
وتوقظ فيها ذكرى-الشكّ-النائية.
كانت تجلس
في الجانب الآخر من الغروب
وقد أجرى الشكّ دماً أخضر
في طين- بدنها- الأحمر
بينما كانت جارتها المتوحّدة الغريبة
تستدفيء بالبسمة الصموتة للشمس الأجنبيّة
وتدعو البراعم المنسيّة
إلى مهرجان الطفولة.
2
لقد خيّم الليلُ
على ساحل الرزايا
وراح الموجُ والظلامُ
يدندنان بانسجام
بأغنية رحلةٍ أخرى
وأشرعت سفينة الأرض الشراع
وأبحرت أقصى إبحار
حتى رست في ميناء الأفكار
وكنّا نعوم برفق
في عباب النسيان الرحيب
بينما كانت الجارة الغريبة
تحتضن الشمس الأجنبيّة
كوليد من رحمها توّا
وإذا بيدٍ تشقّ صدري
وتقتطف من شجرة الحكمة والألفة
قلبي المستحيل
تفاحة حمراء ناضجة
وتقذفه في الفضاء
فلاحقت عيناي التفاحة
دون أن أتوقّع سقوطها
وظللت مفتوناً بدورانها
حيث تتحلّقها هالة من النار
وفجأةً صرخت : “إلهي!”
وهوت التفاحة الحمراء
لحظتئذٍ غائصةً في رأسي
فنظرت إلى المرأة التي سألتني:
– ” أ كانت نجمة؟!”
3
أجلْ…كانت نجمة
في تفاحة حمراء
أو تفاحة حمراء
في بؤبؤ عينها
وقلت:
– ” الليل طويل”
فقالت:
– ” لنتفرّج..!”
وإذا بصبيّ أسود عارٍ
كان يرقبنا عبر سيقان السرخس
يبتسم بمودّة.
فلوّحت الجارة المتوحّدة
بيدها
فرفع الصبيّ حربة
(ربّما كانت مخفيّة في ردنه حتـّائذ)
فعلا الصخب في الغابة
وحشدٌ من العذارى في عنفوان الصّبا
يتزيّنّ بعريهنّ أمام مرآة الرغبة
واللبن الطازج لجوزالهند
يندلق من نهودهنّ في باطن السفينة
وإذا برجال ينطلقون
من أعشاش أفخاذهنّ المرتعشة
يحمل كلّ واحد رمحاً بيد
وكأساً فارغة بالأخرى
مصنوعة من جمجمة أسد
بمظهر من العاج
وابتدأ الرقص
سريعاً ، إيقاعيّاً بعنفوان
مثل دوران التفاحة الحمراء في الهواء.
فقلت للجارة المتوحّدة:
– ” لقد تثاقلت ساقاي
وخدّرَ الضنى ظهري
فابتسمت جارتي الغريبة و هي تلهج:
– ” الليلُ طويل!”
فقلت:
-“لنتفرّج…!”
4
ظلّ الصبيّ الأسحمُ العاري
يرمقنا عبر سيقان السرخس
مبتسماً بمودّة.
كانت الأمهات
يكابدن لتسكين أوجاع الولادة
بسحر الخضوع
على أبواب المواخير
ينتظرن بناتهنّ!
والأبناء المبتلون بالجوع
يسألون عن أسماء العاهرات
كلّما خرجوا من مناجم الماس !
ثمّة كان راهب يلوذ بصخرة
يحدّق في السماء ونجومه
يتمتمُ أحياناً ببضع كلمات
تذروها الريح في الديجور:
– ” لاتندم الأشجارُ عن الإثمار
ولا الشمسُ عن السخاء
ولا الأمطارُ عن الحبّ ،
لكنّما الدمار
في المسافة مابين البحر والغابة
يعزّزُ مجيءَ إبليس
فيا إلهي أنتظر منك الإجابة
– أأنت الذي أوجدت المدن ،
النقود ،
الجشع ،
الإستبداد
والدمار؟!
فيا إلهي هلاّ أجبتني!”
فأجابت الجارة الغريبة
وهي تحملقُ في الشمس الأجنبيّة
بأسى:
– ” أجلْ ، أجلْ ؛ كلّها..كلّها!”
وإذا بالصبيّ الأسحم العاري
يلوّحُ مرّةً أخرى بالحربة
مبتسماً بغضب!
5
كنت أتمعّن في الخطوط المعقّدة
في راحتيّ كفيّ المعروقتين
وفي أصابعي المرتجفة بشدّة
وإذا بجارتي تقلبُ كفّيّ
و تُشهِدُني على ظاهريهما المروجَ الخامدة
والجداولَ المنثالةَ سرّاً منْ كلّ صوب
حتى الغابة والبحر
فغمرتني الطمأنينة
وحرّرتُ يديّ
وإذا بالراهب اللائذ بالصّخرة
مازال محدّقاً في السّماء ونجومها
متهدّجاً بحنوٍ وخشوع :
” يا منْ وحدُك العارف بالبداية ؛
ستعرف أيضاً النهاية “
وفجأةً هزم رعدٌ
فتعالت سحابة ثقيلة
حتى سرادق الجِنان
وراح الجميعُ يلوذون على غير هدى بالفرار
لكنّ فرصة النجاة كانت جدّ ضئيلة
إذ كان الفارّون لايُحصَون
ويحسبون منح كلّ واحد فرصةً عادلة
خيالاً جنونيّاً ؛
فتخلّفت الأمّهات عن الآباء
وتخلّف الآباءُ عن الأبناء
وضاع الأطفال في دوّامة السحابةِ الثقيلة
فتمتم الراهب اللائذ بالصخرة
خجلاً:
– ” أ هيروشيما أيضاً؟!”
وأنا كوحيد شريد وضال
أطوي راجلاً صحراء الأخطاء
من ابتداء الذاكرة
وسّدتُ رأسي صدرَ جارتي الغريبة
وهي تحتضنُ الشمس الأجنبيّة
كوليدها بحنان.
وراحت السفينة
تدنو من أفق-الوعي- العديم اللون
والموج والظلام معاً يهدهدان…
وعندها جلس الصّبيّ الأسحمُ العاري
جنب السرخس هادئاً
تثاقلَ جفناه
واسترخى
فسقطتْ من يده الحربة
وإذا بالرّاهب اللائذ بالصخرة
يرفعُ رأسَهُ إلى الأعلى
محدّقاً بالسماء ونجومها
ويبتسمُ بغبطة
إذ ناولته فتاةٌ عارية خارجة من المبغى
تفاحةً حمراء كانت تقضمها!
وضجّ قلبُ-الليلِ- اللامتناهي بصوته:
– ” طوبى لك أيّتها الحياة
تقدّستِ وبوركتِ باليُمنِ والخلود!”
6
ولمّا رفعتُ رأسي بهدوء
عن صدر جارتي الغريبة
كنت قد بلغتُ الصوب الآخر من الغروب
وكانت الجارة الغريبة
على غصن الصمت البلّوريّ
تحدّقُ بابتسامة فاترة
في الشمس الأجنبيّة
ويخلقُ رحمها لؤلؤةَ الحبّ والحكمة.

الشاعر

واقفاً جنب الشبّاك
تتمعّنُ في الألوان
مستقصياً في كلّ لونٍ
لوناً آخر لمْ تخطرْ سيماهُ على بال
ويسمعون منك اسمه!
ثمّة دفترٌ أبيض مفتوح
على منضدتك الصغيرة
والقلمُ رهن أصابعك
يكرّرُ لعبةَ القدر
ولاتصدّق أنّ ذاك اللون
يجهله حتى أشقّاؤه!
ثمّ تغادرُ الشبّاكَ برهة
لتمزج الكلماتِ
وإذا بالدفتر الأبيض
يظهر لونك المضاع
فتتلفّتُ حواليك مبتهجاً جدّا
لعلّك تجدُ أحدا
تنبئه:
– ” ها قدْ وجدتها
وجدتُ قصيدتي!”
أوّاه يا شاعري
كمْ كان أسلافك مثلك سُذّجا
في البحث عن رفاق خياليين!
ومثلك لمْ يبارح العشقُ جوانحهم
فضعْ قلمك إذَنْ واحْنِ رأسك
واعبر هذا الزقاق المظلم
حيث لاعاشق
ولا مَنْ يصدّق العشقَ في هذا الزمنْ!

الكلمات

ما بيننا
منْ قلقِ الدعوات
حتى هدأة التفهيم
بحرٌ بلاتخوم
وكلُّ يوم
ينفصلُ عن الغدِ
بعاصفةٍ [هوجاءْ]والكلماتْ
هذي الزوَيْرقاتْ
إلى ساحلك تأتي
وأنا مازلت ماكثاً في ذاتي
ليس خوفاً من الغرقِ
إنّما خجلاً من الإفتراءْ!

المطر

لا تتوقّعْ ولا تسل الغيومَ
عنْ مفهومِ العدلِ والرحمةْ
فهي لا تفقِهُ الحسابْ
فإذا ما حبلتْ غيمةْ
فأنّى تكنْ وفي اللحظةِ المحتومةْ
ستلدْ مولودها الزكيَّ
مادام الثرى مهدَ الحياة.
لكنّما الآنْ
تسفـّدُ بندقيّتك بالطلقاتِ
وتصوّبُ على الحياة
حيث الحقدُ يبتغي القربانْ

أمّا الفيضانْ
فلايهابُ شيئاً
إذ يجتاحُ قصورَ المغتصبين
ويجرفُ الغلالَ غيرالمحصودةْ
لئلاّ يكنزوها في عنابر الإحتكار.

الخلاص

لايُعشّشُ الخلاصُ
في صرخات-العزلةِ- المبعثرةْ
فقلْ للتعساءِ أنْ يستنبتوا شجرةْ
تعلو[هامة]الشمسِ وتبسطُ أغصانها
على الأرضِ كلّها.
بينما يجلبُ الليلُ العزلةَ
والخوفَ إلى داري
تكونُ الشمسُ في دارك
قدْ أشرقتْ توّا
فلا يصبحُ ظلّك عدوّا
بلْ رفيقاً حميماً في الأسفارِ
لربّما يحطّ الخلاصُ في سروبه هنيهاتْ
على غصن- صرختك- العديم الجذورِ
إنّما لاتنسَ أنّ الليلَ
لمّايزلْ يخيّمُ على داري
وهيهاتَ أنْ تمكثَ الشمسُ
في دارك هيهاتْ

الطّاووس

كان [نورُ] الشمسِ
أباكَ ذا البأسِ
وكانت الأرضُ
أمّك الحادبة
باحساسِ الشمسِ
وأنفاسِ-الهواء- اليقظى
أنا شقيقك أيضا
لكنّني لمْ أحظَ باستحقاقي
من الحنان والأنوار؛
فتعقّدتْ نفسي
[في آلامي ويأسي]والآن ها هو زيّك الزّاهي
يزيّنُ داري
فقلْ للأرضِ والشّمسِ:
– ” يغدو الأخُ المغبونُ
عدوّاً [ضار]”
كي تُغيّرا لك زيَّ الإستتارِ

نكران

أشهدُ [شدقَ] حفرةٍ مفتوحاً
على أبديّةِ خطأ ما
يشبهُ جرحاً
لنبضهِ الميّتِ صرخةٌ خامدة
تقولُ عيناي بوثوق:
– ” أجلْ…إنّه الجوع!”
ثمّ أرى [ثغرَ] حفرةٍ أخرى
يشبه وردة
في أوجِ التفتّح، لكنّ قلبي
يقولُ مستنكرا:
– ” لا،لا…إنّها اللاجدوى!”

السّكّان

مازال المزيد من النجوم
بلاإحصاء
ونحن) البشر (
مابرحنا نحسبُ مانملك ومانشاء
مانستحصلُ ومانصرف
)وما نهدرْ(
ماكانت الحياةُ علم فلك
مع ذا عشنا حيوات منجّمين
وظلّت النجومُ لاتُحصى
بينما صارَ كلٌّ منّا رقما
متعلّقاً بسخف
بنجمةٍ ما!

في بستان الجهل

في سائر بساتين (سوترا(
لمْ أجدْ علامة
لبرعم لحم أو لورقة خبز) أثرا(
كانت غصون الكلمة
مثقلةً بفواكه الوهم الحجريّة.
فعدتُ القهقرى
إلى بستان الجهل
وقطفتُ من غصن (كارما(
فاكهةً حلوةً شوكيّة
فآلمَ شوكها لساني
ونوّرَ لحمُها بعطر الخبز عينيَّ

الهديّة الزائفة

– ” أيَّ هديّةٍ ستأخذ لأولئك الأصدقاء؟”
سألتني زوجتي وهي تحملُ بيسراها
تمثالاً لـ (شيفا) يحفّهُ لهبٌ عاجيّ
وباليمنى منحوتةَ ثورٍ من الآبنوس المصقول.
يقيناً ؛ لمحتُ في عينيها الحانيتين
نيّةَ اهداء روح الشرق إلى جسم الغرب!
فانتزعت منها التمثالين
وأعدتهما إلى الرّفّ
ومنحتها قُبلةً هديّةَ ذكرى
مزجتُ بشهدها بسمةً مرّةْ
وأنا أهمس في أذنها:
– ” والآن ستمنح هديّتنا الزائفة
في سوق المقايضة ألقاً جديداً لعيونهم الزرق!”

محارة الشّك

كرّكتُ كلّ عمري أعزبَ خنوعا
على بيضة شكّ…
والآن كيف يمكنني
أن أتوقّعَ أن تفقس هذه البيضة
عن قبّرةِ فكرٍ بهيّ
مادمتُ
كلّما أبتلع أحد [هواجس] الخوف اللاتحصى
من المستقبل؛
أسمع في أعماق قلبي
هسهسة أفعى
تهمّ بتكسير محارة الشكّ
لتقطع الطريقَ على مستقبل الإنسان؟!

مدينتي

مدينتي فصّ من الحبّ
في خاتم الذكرى
هيَ لي
لكنّها ليست في إصبعي
ولا في جيبِ انتظاري
ولا في مجرى لحني!
مدينتي خاتمٌ في الرّهنِ
فإنْ رمتُ استرداده
لابدّ لي
منْ أنْ أعودَ عاريا
إلى كهف الحُـليّ
وإذا ما ظلّ مرهونا؛
سأغوص في قلبِ الإنفجارِ!

أرواح

أرواحُ الوحدةِ في مستنقعْ
مع تفكير ِ النيلوفرْ
وإشارة اصبعِ امرأةٍ حُبْلى
في فضاءِ التوجّعْ
بينما تخمدُ نجمةٌ
قبلما تبتسمُ أخرى
روحُ الجوعِ
في يأسِ عزلةِ الكلابِ والبشرْ
مع سخاءِ الكوليرا
وسفينة آخر نظرةْ
تحملُ رسائلَ منْ بركات- الثرى- المزوّرةْ
إلى عظمةِ- السماءِ- المشكوك فيها
إنّها
أرواحُ البارود والليالي
أرواحُ الأخوةِ والرُّماح
أرواحُ الرّزّ و( بوذا(
أرواحُ الناّرِ و (زرادشت(
أرواحُ الأجلافِِ والهلال *
أرواحُ الصرخاتِ والسّدى ) أدراج الرّياحِ(
فيا طفلي كنْ صبورا
فالإنتظارُ لنْ ينتهي أبدا!

* ترجمة بتصرّف.

على عتبة الحقيقة

ها أنت ذا تتأمّل يديك بعينين تذكران
إشراقاتِ شموسِ السنين السبعين اللامحسوبة
بيدين نسيتا الأسمال..
إيه…يا من لم ترتق كلَّ الجبال
يا من لم تخضْ كلّ البحار
يا من لم تصمد أمام أيّ إعصار
ولم تستضف أيّ داء في دارة جسمك
أراك الآن تستقريء يديك
وتستفسر منهما مالم تسأله من نفسك أبدا
وليس ثمة من يجيبك أبدا
لكنّما ستمنح يداك جوابك للأرض؛
ستخجل الأرض في حضرة الشمس،
ولسوف تدلهمّ الشمسُ
بينما تتلألأ على عتبة الحقيقة!

إشارات وهوامش المترجم(ج.ز(

* مابين القوسين المقرونين[ ] إضافة من المترجم ؛ لما يقتضيه السياق اللغوي بالعربيّة ، وسياق المعنى.

* تاج محل: قصر أنيق الهندسة في مدينة أكَرا، وهو يُعَد من معجزات الفن المعماري الهندي، بناه الملك المسرف شاه جهان(خرّم ابن الإمبراطور جهانكَير) في سنة(1635) كضريح لزوجته الحبيبة أرجمند. ويحسب شاه جهان(1593-1666) في منظور التاريخ الهندي(الرسمي الزائف) من أعاظم ملوك الأسرة التيموريّة(المغوليّة) التي حكمت الهند في العصر الوسيط ، أمّا في الحقيقة؛ فقد دشّن حكمه بقتل أخوته! وقد شهدت الهند في عهده أسوأ مجاعة في تاريخها، بالإضافة إلى الحروب الداخليّة الشعواء، بينما كان جلالته يكدّس الذهب والفضة والمجوهرات في سراديبه، ولاينفكّ عن ارهاق كاهل أبناء شعبه بالضرائب الباهظة؛ في سبيل التمتّع بهوسه ونزواته ومنها بناء(تاج محل) و(عرش الطاووس) الذي يضاهيه بجواهره ومعادنه النفيسة وأحجاره الكريمة، والذي نهبه لاحقاً نادرشاه الإيراني في 1739م عند غزوه المدمّر للهند. ولقد امتدّ حكم شاه جهان للفترة(1727-1658) حيث خلعه إبنه (أورنكَـ زيب) وسجنه حتى مماته.

* الزمرّد: حجر كريم شفّاف، شديد الخضرة، وأجوده هو الأشدّ خضرة وأصفاه جوهراً.
* مهراجات: مفردها(مهراجا) لقب هندي معناه: أمير، نبيل. ويحسب المهراجات على الأرستراطيّة شبه الطفيليّة، وكانوا حتى عند المستعمرين الإنكَليز ذوي حظوة كبيرة؛ طبعاً لتواطؤهم ومساومتهم معهم على حساب سواد الشعوب الهنديّة.

* ناماروبا (Namarupa) : مفردة مركّبة من(ناما = داخل، باطن) و(روبا = خارج، ظاهر) وتعني في الفلسفة الهنديّة صورة العالم (الباطن ظاهري)
* السّرخس: نبتة غير مزهرة، تنمو سيقانها تحت التربة، حيث تغور جذورها عميقاً، وهي ذات وريقات كبيرة، وتكثر في المناطق الرطبة.
* زوَيْرق: مصغّر(زورق)
* سوترا: الحكم والعظات الموجزة البليغة للديانة الهندوسيّة؛ حسب تلخيص الهندوس لها.
* كارما: بمثابة قانون الجزاء والعاقبة الأخلاقيّة لأعمال الإنسان في الديانة الهندوسيّة
* شيفا: إله الدمار والقسوة المنتسب إلى عنصر النار، في الهندوسيّة.

المصدر: از بنجرهء تاج محل) ط1/ طهران1972
مع نسختها المنقحة وترجمتها الإنكَليزيّة اللتين زوّدني بهما الشاعر نفسه(مشكوراً) في2007

* الصورة الأولى للشاعر والثانية للمترجم

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *