رواية ايبولا 76 صراع داخل مجتمعات مسحوقة


أكرم خلف عراق *

( ثقافات )

 

    رواية ايبولا 76 للروائي السوداني امير تاج السر والصادرة عن دار الساقي، تبدو للوهلة الأولى وبحسب عنوانها رواية تتحدث عن مرض قاتل فتاك، خطف بمنجل عزرائيل الآلاف من سنابل الأرواح البريئة المتناثرة حول بيادر الحياة والحلم معا، ليلقي بها ذاك الموت الطارئ في حفرة عميقة من حفر الفناء الأعظم. ولكن الأمر قد يبدو مختلفا فور الانتهاء من قراءتها إذ إن القارئ يضطر إلى مقارعه أدغال شائكة معقده من التساؤلات تتلخص في ثلاثة بنود أهما : الآلة أو الإنتاج، والجهل، والسلطة.

لويس نوا، عامل النسيج البسيط في مصنع صغير لإنتاج الألبسة القطنية هو بطل الرواية. إنه ذاك الرجل الذي تتسخ حياته بوحل الخيانة الزوجية. لقد دفع ضريبة من الدموع مستحقه الهدر فوق ضريح عشيقته في مقابر كنشاسا عقب وفاتها بمرض غامض. كيف لا وهو قد جاء من مسافة بعيدة، ليهدر اكبر كميه من مياه حزنه الداخلي، عقب نوبة بكاء مستعجلة.
إنه على الإطلاق لن ينسى ذاك الحب المحرم الذي كان يكنه لتلك العشيقة والتي دغدغة شهوته وقلبه طيلة عامين مستولية على كل ود كان يكنه لزوجته في السابق.
من هنا تبدأ أحداث الرواية، حيث يتربص به فايروس ايبولا القاتل ليحجز عبر مطارات رئتيه أول تذكرة موت مؤجل, مستقلا أنفاس جسده كعربه. شاء لها قدر الأوبئة أن تصل إلى منطقه انزارا الحدودية جنوب السودان.

جيمس رياك، صاحب مصنع لإنتاج الملابس القطنية الرديئة وأحد المتمردين ضد الدولة فيما مضى. لدية عقليه سادية تنقر صخرة الدكتاتورية كما تنقر المطرقة رأس مسمار صلب لا حول ولا قوه له, إلا الولوج في عذرية قطعة خشب مهملة.
بحق, رياك هذا نموذج بشري حي للجشع والقسوة والظلم. أكثر ما يقال عنه, إن بضعة دولارات يختلسها من عرق وجهد المسحوقين والفقراء في مقاطعه انزارا, تعادل بالنسبة له ألف رجل.
الربح والخسارة هي منظومته الوجودية والأخلاقية، بعدما هجر عالم الحروب والدم، ليدخل إلى عالم التجارة والمال.
جيمس ريالك, هذا الثري الجشع اعدم ضميره على مذبح الإنسانية, مذ التحق بميلشيات المتمردين, الخارجين على سلطه القانون في الخرطوم العاصمة, فكيف به الآن, بعدما أصبح يملك ذاك المصنع الردئ لإنتاج الألبسة البالية.

إن عبور القارئ عبر مارثون القراءة لهذه الرواية يلاحظ أن هاتين الشخصيتين هما قطبي الرواية حدثا وسردا. فالأول أي لويس نوا رجل مهمش شهواني، خُلق مع بؤسه من بطن واحد اسمه الفقر. والثاني، أي جيمس رياك رجل عنيف بلا ضمير، له أحلامه الشيطانية في الاستحواذ على المال والنفوذ.
وهنا يتضح لنا ذاك الصراع المستعر بين الآلة وعمالها، أو الإنتاج إن جاز التعبير، من جهة ممثله بالعمالة في مصنع الألبسة القطنية، وبين السلطة التي تحكم قبضتها على رأس المال، ممثله بجيمس رياك مالك المصنع.
السرد الذي اتبعه تاج السر للولوج من ضفة الصفحة الأولى، إلى ضفة الصفحة الأخيرة.. سرد كثيف يمتاز بطابع ساخر للغاية في وصف الحدث والشخوص, فعلى الرغم من الواقع الحزين المؤسف للحياة البائسة التي تعيشها شخوص روايته في تلك البقعة المتخلفة في أواسط أفريقيا إلا إن الكاتب يُشعر قارئ الرواية بحس تهكمي ضاحك يبعث على الابتسامة, لكأنما يريد أن يقول لنا في رواية ايبولا 76, إن أشرعه مراكب الحياة الراكدة سيقودها ريح الأمل إلى شاطئ ما.

الذي يرصد رواية ايبولا 76, ويقرأ ما وراء السطور يفاجئ بقدرة الكاتب على سبر عوالم تلك المجتمعات الوثنية بتخلفها وانحطاطها وصراعاتها وبؤسها وكأنما تبدو لنا فحوى رسالة تلك الرواية مضمونا وفكرا واضحة للغاية, وهي أن الجهل والرجعية في المجتمعات الأفريقية, هو الفايروس الأخطر من فايروس ايبولا. نعم, الجهل والتخلف والرجعية وعدم التحضر في هكذا مجتمعات هو ما يوقد حطب الصراع بين عنصر الإنتاج والآلة وما بين السلطة ورأس المال.

* روائي من الأردن

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *