جهــات إضافيــة- قصائد


محمد علي شمس الدين *


Iـ أبعد من غيمِ أيلول

  الطيورُ تحلّق مزهوة كالشعاعْ
  وتنشر بهجتها في سماء الجنوبْ
  على حافة الأفقِ
  أيلول حرّك فوق الشجرْ
  قليلاً من الورق الأصفر لمتداعي
  سقطتْ من شعور القمر
خصلة في تراب الحديقة
ثُم نام الذهبْ
على رسلِهِ
في البلاد
. . .
. . .
قام «ميمونُ» يبحث عن طائرات القصبْ
وقد صنعتها له أمهُ
يوم ميلادِهِ
كان «ميمونُ» طفلاً صغيراً
ولكنه يقظ
مثل طفلين
في أوّل المدرسة
وقالت له أمهُ:
هذه طائراتُ اللعبْ
لا تحطم جوانحها
ولا تجعل الخيط
يفلتُ من قبضتكْ
إنها ستذهب في الجوّ
وتصبح كالغيمة الشاردة
قال «ميمونُ»
وهو يشدُّ بقبضتهِ
دونَ أن يجعل الخيط معتقلاً
أو أسيراً لهُ:
لماذا إذنْ
لا تطير الطيورُ
وجاراتها الطائراتُ
على رسلها في الفضاء؟
وهل في الغيومِ خفير
ليعتقل الناسَ
أو يأسر الغيمة الشاردة؟
لقد علمتنا السماءُ
قوانينها الخالدة:
هكذا
أن نكون جميعاً
كما الطير
والضوء
والماء في تدفقه
والفضا
أمةً واحدة
لا يقيّدنا أحد
ولا نقيّد في أرضنا أحدا



***



نظرتْ أمّ «ميمونَ»
نحو جوهرة الأفقِ
شمس المغيبْ
وهي حمراء
مفترة الثغرِ
مفتونة بالغلامِ الصغير
وألقت على طفلها
نظرة الحب
أعمق من شمس أيلول
وأبعد من غيمهِ
ثم قامت
لتكمل أشغالها
في ترابِ الحديقة


IIـ البرتقالة

البرتقالة
دمعة الليمونِ
أجراس
تدق هناكَ
من بدء الخليقةِ
بين يافا والجليلْ
والبرتقالةُ
شمسُ هذي القبّة الزرقاء
علّقها
مدبر هذه الأكوانِ
بين القوس والميزانِ
إنْ وقعتْ
فقد سقطَ الزمانْ
ولعلّها
وجه لمريمَ نائم
في دمعةِ الشجرِ النبيلْ
فاخفض سلاحكَ
أيها الصيادُ
لا تضغطْ على الزنادِ
إنَّ البرتقالة
نجمة الإصباحِ
موسيقى
محلّقة على الأشجارِ
فاحذرْ
أن تسدّد للسماءِ رصاصةً
فتصيبَ وجه الله. . .
. . .
. . .
. . .
والبرتقالةُ
سرُّ ما بين الترابِ
وحكمةِ الأجدادِ
قالوا:
كلُّ ما حَمَلَ الترابُ مقدّس
من نطفة الشجر البريئة في تفتحها
إلى الثمر المعلّق في الهواء
ومن فتون ديكِ الماءِ
حتى
حبة القمح النديّة في الطحينْ
ولأن ما حَمَلَ التراب هناك يشبهُه
فالبرتقالةُ طفلة زرقاءُ من يافا
مصوّرة على طرف الغصونْ
سوداءُ من فــرطِ الخديعة، ربما
صفراءُ من فرط الجنونْ
فاقرأ على الأطلالٍ
فاتحةً
من العهدِ الخؤون
واجلس هناكْ
في السرّ
تحت شجيرة الألمِ المضيئة في الظلامِ
فإنّ أمّك يا محمدُ
أنجبتْ طفلا سواكْ
والبث طويلاً
حافي القدمين
تُصغي
للذي
برأ الملاك بجانحين
فجاءَ مَنْ قَتَلَ الملاكْ
فاخفض سلاحكَ
أيُّها الصيادُ
واحذرْ
أنْ تسدّد للسماء رصاصةً
فتصيب وجه اللّه. . .
. . .
. . .
. . . ولعلّ من سوّى ليوسف مهدهُ
من ضلعها
سوّى لها
بيتاً يزارُ ومسجدا
ونطوفُ سبعاً حولها
حتّى إذا
وَجَدَ الرواةُ
بأنّ ما ذكروهُ
أعجب ما يكونُ
وأنّه
ما اصفرَّ
أو ما احمرَّ منها
لم يكنْ إلا توهُّج قلبها
سكتوا طويلاً
واستداروا نحو سامرهم وقالوا:
إنّ ما نرويه
ليست
برتقالة.

IIIـ القبلة

كانَ أبي
يعبث أحياناً بالكلماتِ
فيسألني مثلاً
عن معنى القبلةِ
أين تكونْ؟
فأقول له:
القبلة سرّ
معقود بين الشفتينِ
وجسر
لا يعبُرهُ
إلاّ الغاوونْ
يضحكُ من نزَقي
ويعدّل من جلسته
ويقولْ:
أنت نسيت الفكرةَ يا ولدي
وأضعتَ العبرة…
فالقبلة حيثُ توجّه وجهكَ نحو اللهِ
كانتْ ما بين اثنين
يضمّهما شغفُ الحبِّ
وما زالتْ
حتى لو ذهبتْ
نحو جهاتٍ أخرى
قلت: إذنْ
أنت تصلّي
حين تصلّي
بينَ المابينْ
بين القبلةِ
والقبلة
قالَ: نعَمْ
واعلمْ
وتعلّمْ
أنّ القبلة أجمل ما في المعبودْ
سيّانِ
أكنتَ القاصد فيها
أم كنتَ المقصودْ.


* ( السفير)

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *