الموسيقى البديلة في الأردن والسباحة ضد التيار السائد


ريما الصيفي *

مع انطلاق الربيع العربي، شهد الأردن غزارة في الأغاني الوطنية “المُجيَّشة”، التي انتشرت في قنوات الإعلام الرسمي والقنوات الإذاعية الخاصة. وفي المقابل أصبح هناك بحث أكبر من قبل الشباب على موسيقى بديلة تحاكي واقعهم.

مع أواخر العقد الأول من الألفية الجديدة ومع انتشار الإذاعات الموسيقية الخاصة في الأردن بدأ مد واسع للموسيقى التجارية في الساحة، كما أن العديد من المغنيين الأردنيين مثل ديانا كرزون والعبداللات قدما أغان عاطفية بلهجات عربية مختلفة لتحقيق انتشار أوسع. كما ظهرت موجة أخرى من الأغاني الوطنية “المُجيَّشة” التي تتغنى بقائد الوطن وقوة الجيش وبالأصل الأردني، وترهب من يتجرأ على معاداتهم “بطقطقة العظام”، كما تتغنى بالرشاش والمدفع والهامر. ولاقت هذه الأغاني تغطية واسعة من الإعلام الرسمي الأردني وحتى من قبل بعض الإذاعات الأردنية الخاصة.

ومع ظهور موجة هذه الأغاني بدأ الشباب البحث عن موسيقى مغايرة تتخطى حدود لغة هذه الأغاني، وتخاطب وجدانهم بمفردات متمردة تكسر الموانع التقليدية. وساعد في انتشار هذه الموجة البديلة تأسيس “راديو البلد” للإعلام المجتمعي وبثه لهذه الموسيقى وتخصيصه برنامج خاص قدمته الفنانة مكادي نحاس يعرف بالمشاريع الفنية الجديدة. وفيما بعد برنامج “في البال أغنية” الذي كان أول برنامج يطرح موضوعا اجتماعيا من خلال الأغاني. فكان يناقش موضوع الفقر مثلا بواسطة الأغاني البديلة التي تتحدث عن الفقر. كما أن انتشار استخدام الانترنت واليوتيوب وغير ذلك من وسائل التواصل الاجتماعي مكن الفنانين الشباب من نشر أعمالهم بشكل أوسع.

أغان بأحاسيس أعمق

لاقت هذه الموجة من الأغاني استحسانا وإقبالا لدى الشباب. وعن سر هذا الإقبال تقول معدة ومقدمة برنامج “في البال أغنية “ريم مناع: “هنالك ثورة فكرية تحصل في عقول الشباب والشابات تجعلهم يبحثون عن إجابات للكثير من الأسئلة واستكشاف موسيقى مختلفة، موسيقى غير تجارية، تحكي عن الحب بأحاسيس أعمق وأكثر تنوعا من الحب المحكي بأغاني نانسي عجرم وتامر حسني. تحكي عن الوطنية للأرض للشعب للمكان بانتماء غير موجود في أغاني العبدالات والأغاني التي تصدح بها الإذاعات لتجيش مشاعر لا دخل لها بحلاوة الشعور بحب الوطن”.

موسيقى الروك والراب بطابع عربي

ومن أبرز الفرق وأوسعها جماهيرية فرقة أتوستراد التي أطلقت منذ تأسيسها عام 2007 ألبومين وأقامت عدة حفلات في الأردن والوطن العربي، وتنوعت موسيقاها المرحة بين latinو reggaeو-funkو rock لتطغى عليها روح مشاغبة تحاكي هموم وحالات عاطفية مألوفة بموسيقى حيوية وكلام دارج. كما أن فرقة “جدل” التي تأسست في عام 2003 بقيادة محمود الردايدة وأصدرت ألبومها الأول عام 2009 بعنوان “الروك عربي”، سجلت حضورا قويا من خلال أعمالها التي تعبر عن أحوال الشباب في المجتمع العربي وتتميز بقوة الإبراز الموسيقي للكلمة وإعادة توزيع الأغاني القديمة. كما اتسمت أغاني هذه الفرق بسلاسة المواضيع التي تطرحها والنوع الموسيقي الذي يروق للعديد.

ولم تستطع فرقتا جدل واتوستراد سوى الحصول على حيز صغير في بعض الإذاعات الخاصة لإثبات وجودها على الساحة الفنية.

في العامين الأخيرين ظهرت فرق تتسم أغانيها بنقد بعض الظواهر السياسية والاجتماعية، لكنها لم تلق نفس الانتشار الذي لاقته الفرق السابقة، كفرقة “المُربع” التي أطلقت هذا العام ألبومها الذي يحمل نفس الاسم. و من أهم أغانيه “يا زين” التي تتناول موضوع تخصيب اليورانيوم والتعتيم الإعلامي عليه، والت تقول كلماتها.

يا زين ..قلي كل إلي بتخبّيه..و ما بتحكي فيه..يا زين قلي كل إلي بتخبّيه و بتخصب فيه! مش عم بحكي عن الإدمان و حبوب الفاليوم..أنا عم بحكي يورانيوم تخصيب..أي تنظير إلى نظير وحيد يسمّى يورانيوم منضّب ..فوت أنضب تحكيش كثير الموضوع انضب.



وفرقة “الفرعي” لطارق أبو كويك، التي تجمع موسيقاها بين الروك والراب، وأطلقت هذا العام ألبومها الأول “صوت من خشب”. وتتميز كلمات أبو كويك بقوة الصور الشاعرية باللهجة العامية لعل أكثرها وضوحا في أغنية “مدينة حديثة”. ومن كلماتها:

“سريع انقراض الناس العاقلة..نحنا بندفع ضرايب على منتجات هاملة ..روح اسأل أمريكا في الأربعينات شو عاملة ..بتدعم المتشددين و السلفية الفاشلة ..هي البلاد فيها جبال كثير بأي مغارة نخبيها …حبيبة قلبي مدينة حديثة. الضبع وين موديها.”

كما تعتبر فرقة “ترابية” التي تقدم راب عربي وتتميز بدمج الألحان العربية القديمة مع إيقاع الراب من أكثر الفرق مصارحة بنقدها للواقع المعاش وأكثرها انشغالا بالسياسة المحلية والعربية خاصة في أغنية “غربة” حيث لا تتحرج من استخدام عبارات بذيئة للتعبير عن الغضب.

الموسيقى البديلة بين الواقع والمأمول

هناك تغيير مثير في المشهد الموسيقي الأردني ولكن إلى أي مدى ستنجح الموجة الجديدة من الأغاني في الحصول على جماهيرية واسعة. لكن أبوكويك يبتعد عن اطلاق التسميات على موسيقاه فهي كما يقول موسيقى جديدة متأثرة بالوان متعددة و تسعى إلى انعاش الموسيقى التقليدية من خلال الأصوات التي يقدمها ويعتبر أن توخي الحذر حالة طبيعية عند اختيار كلماتها لأنه بالمقارنة لما هوموجود يعنبر نقد لاذع. كما يعترض ردايدة كذلك على إطلاق هذه التسمية فيقول “أنا شخصيا لا أعترف بمصطلح الموسيقى البديلة ولا أحبذ أن تكون أعمالي هي بديل لشيء أساسي حتّى لو كان هذا الواقع، برأيي ما تحاول فعله بعض المشاريع الموسيقية الشابة هي الأساسي”

ولكن برأي مناع فالموسيقى البديلة الأردنية ما زالت في مرحلة الطفولة حيث أن هناك شح كبير في الاغاني التي تحكي عن الواقع والمعاناة. فأغاني الراب الأردنية كسرت الحدود وعكست الكثير من القضايا. بيد أن هذا النوع من الموسيقى ليس محبذا للغالبية وهناك حاجة ليتشجع الموسيقين الغير تجارين الأردنيين على أن يخرجوا من إطار إعادة توزيع أغاني التراث والغناء للحب إلى الغناء للواقع السياسي والاجتماعي”.


DW( موقع الاذاعة الألمانية )

شاهد أيضاً

“أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني

(ثقافات) “أثر على أثر” معرض لمفاضلة في المتحف الوطني برعاية العين د. مصطفى حمارنة ينظم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *