مسار الحافلة رقم 116


بوريس شتيمان

 الترجمة من الروسية: د.باسم الزعبي

 

  بدأ كل شيء من لحظة أن ذهبنا، أنا وزوجتي، في زيارة إلى أحد الأصدقاء- «ك». لم يحدث هناك شيء مميز أو ذو خصوصية، باستثناء أنهم ضيّفونا خضارا معلبة غير عادية ولذيذة. أيّ نوع من الخضراوات كانت هي، لم أعرف. والمدهش، أيضا، أن مضيفتنا لم تكن تعرف، ماذا تَضيّفنا. لقد أحضرت مرطبانا فارغا.. حتى هذا الأمر لم توضحه. كان مكتوباً عليه الاسم بأحرف لاتينية، شيء من قبيل NEPIR.
قالت المضيفة إنها اشترت المعلبات في محل تنزيلات للمواد التموينية. لقد دهشت حقيقة، في ذلك الحين، من أنه توجد لدينا مثل تلك المحلات. قالت إنها وجدته في شارع رقم 9، ويمكن الوصول إليه من» الساحة الجديدة» عن طريق الحافلة رقم 116، بعد ذلك سيرا قليلا على الأقدام.

قررت، في اليوم التالي، أن أذهب إلى ذلك المحل خلال استراحة الغداء. كانت خريطة المدينة معلقة في المكتب الذي أعمل فيه، موضحة عليها خطوط النقل العام. لم أجد صعوبة في إيجاد «الساحة الجديدة» عليها، وكذلك خط الحافلة رقم 116. تمكنت من الوصول إلى الساحة بسرعة بواسطة قطار الأنفاق.
كان لمحطة القطار مخرجان. قررت الخروج من جهة الشمال، وبدا أنني لم أخطئ. خرجت مباشرة إلى محطة الحافلات. كانت عجوزان واقفتين تنتظران وتتحدثان بهدوء حول أمر ما. كان القطار يقذف دفعات من الناس، ويبتلع آخرين من الفتحة الأخرى، بشكل دوري. تزايدت أعداد الناس على المحطة. كان يقف خلفي مجموعة من الرجال متوسطي الأعمار، يستعجلون الذهاب إلى مكان ما ليحتسوا شرابا. وخلفهم كانت فتاتان. وخلفهما شاب يحمل أسطوانة للرسومات. وخلفه امرأة تحمل حقيبتين ثقيلتين جدا، وأخرى تحمل باقة ورد.

لم تأت الحافلة بعد، رغم مضي زمن طويل. اقترب رجل من الطابور مبديا اهتماما، وسأل ما إذا كانت الحافلة توصل إلى «الحديقة الكبيرة». صمت الجميع، بعضهم نظر إليه = باستغراب، آخرون ضموا أكتافهم بخجل. بدا لي أن الرجل كما لو كان غريبا، لكنه واصل المحاولة.
استعدت ذهنيا خريطة المدينة، وأجبت أن الحافلة رقم 116 تذهب في اتجاه آخر تماما، ونصحته أن ينتقل إلى الجهة الأخرى من الساحة. ابتعد الرجل دون أن يشكرني، ناظرا إليّ بغضب. فكرت: «أي نُمرة، هو! جزاؤك! أجبْ مرة أخرى على أسئلة مثل هؤلاء!».

ازداد عدد الناس في الطابور، ولم تأت الحافلة. رحت أقلب الخيارات أو الاحتمالات المختلفة. هل يمكن أن أغيّر خط السير؟ قد لا ينصحك أحد بذلك. قد يحدث جدل حول الخط. فكم من الوقت مضى! بعد ذلك أتت امرأة وسألت ما إذا كانت الحافلة تذهب إلى «تشورنايا ياما» (الحفرة السوداء). وتكررت مجددا القصة نفسها، التي حدثت مع الرجل. ومجددا استعدت الخريطة ذهنيا، ونصحت المرأة أن تنتقل إلى هناك بواسطة قطار الأنفاق، فالحافلة لا تصل حتى «تشورنايا ياما»، رغم أنها تذهب في الاتجاه نفسه. ابتسمت بدلع ونظرت إليّ، بطريقة، تجعلني آخذها في تلك اللحظة من ذراعها وأتجه معها نحو قطار الأنفاق. وكرد على ابتسامتها، ابتسمتُ لها بود. تذمرتْ باحتقار، ثم ابتعدت.
لقد انقضى زمن طويل من استراحة الغداء، صار لزاما علي أن أبتعد عن الطابور، رغم أنني كنت ثالث شخص فيه، وكنت سأركب حالما تصل الحافلة لا محالة. دخلت إلى محل صغير مجاور، اشتريت هناك خيارتين طويلتين خضراوين وعدت إلى العمل.
عندما دخلت قطار الأنفاق، رأيت الطابور يطول، ولم تأت الحافلة بعد.

 

( الرأي الثقافي )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *