سعدي يوسف *
أمضَيتُ ليلي أسمعُ المطرَ . المياهُ تدقُّ ألواحَ الزجاجِ . تكادُ تدخلُ . آهِ لو دخلتْ !
لقد غرقتْ شُجيراتُ الحديقةِ . والسناجبُ تختفي في الليل .ثَمَّ عواءُ ذئبٍ ! ربما …
لو كنتِ عندي لاكتفَيتُ بما تجودينَ : الدعابةِ والأغاني و الطفولةِ في الجنوبِ.
فكيفَ أُمضي الليلَ ؟ أدري أنّ ألواحَ الزجاجِ ثخينةٌ . لن يدخلَ المطرُ المزمجر ُ؛
غيرَ أنكِ تدخلين !
*
والريحُ ؟ كنتُ أرى الصنوبرَ مائلاً ، والكستناءَ الدّوحَ يَهدُرُ ، والسياجَ يكادُ يئنُّ.
يا ما طوّحتْ بي الريحُ ! يا ما ورّطتْني في معاركَ لا أرى أفُقاً بها .يا ما انجرفتُ لأنني
أهوى هواءَ الإنجراف ! الآنَ أشعرُ أن عُقدةَ محبِسي أمستْ تضيقُ ، وأن هذي الغرفةَ
العليا بلندنَ … قبريَ المفتوحُ . هُبّي يا رياحُ ، وطَوِّحي بي في مهَبِّ البحرِ …
حيثُ الإنجراف !
*
مَن يوقدُ النيرانَ في الليلِ ؟ النثيثُ ووافدُ الطّلِّ استباحا نارَ حطّابينَ مرتــعِدينَ برداً .
لم يَعُدْ في الغابةِ السوداءِ حطّابونَ . لكني أرى النيرانَ تتّقدُ ! الظلامُ الـمُطْبِقُ انكسرَ.
الحديقةُ أقبلَتْ . من أين تلكَ النارُ ؟ أهيَ قواربُ السكنى؟ اليراعاتُ المضيئةُ ؟ أهْـيَ
ما أذكتْ قِلادتُكِ الطويلةُ مثلَ جِيدِكِ ؟ لستُ أهذي … أنتِ واقفةٌ هنالك في الحديقةِ.
أنتِ ناري !
*
قد كنتُ ألتهمُ الترابَ . الطفلُ يلتهمُ الترابَ . ملاعقٌ ذهبٌ ترابُكَ أيها الطفلُ الفقيرُ.
فما تقولُ الآنَ ؟
أنتَ هنا ، كأنك لم تغادرْ أغنياتِ أبي الخصيبِ !
ترابُكَ الـتِـبْـرُ الـمُـعَـفّـرُ بالروائحِ من أعالي النخلِ ، والسمكِ الـمُـهاجرِ
في الربيعِ. أتبصرُ الفجرَ ؟ انتبِهْ !
هي ساحةُ المبنى وقد غُسِلَت ، طويلاً ، بالنثيثِ ووافدِ الطلِّ .المماشي لا ترابَ بها …
وداعاً !
لندن 17.10.2012
* شاعر من العراق يعيش في لندن
( القدس العربي )