د. خولة الشخاترة *
الآخر بداية هو ” المختلف ثقافيا من حيث العرق أو اللون أو اللغة أو الموقع الجغرافي ” (دلال البرزي ،الآخر ، المفارقة الضرورية ، ضمن كتاب الآخر ، العربي ناظرا ومنظورا إليه، ص100) بمعنى أدق ، أن تنظر إلى الآخر بوصفه ” اختلافا ثقافيا يشكل جزءا من نظرتنا إلى الذات ، سواء تقدم إلينا بوصفه شريكا متساويا أو في هيئة غاز، أو مبشر أو باعتباره كيانا متغطرسا أو مهادنا …” (نور الدين أفاية ، الغرب المتخيل ، ص13) .
تنطلق بدايات تشكل صورة في الثقافة العربية الإسلامية , من النص القرآني . فالقرآن الكريم يسوغ القول بالاختلاف حين ينفي الإكراه في الدين , ويعترف بأن لكل منكم ” شرعة ومناهجها ” (المائدة ،48) .فالاختلاف في العقيدة لا يعني , بالضرورة , إعلان الحرب على اصحابها , طالما أنهم يعيشون في المجتمع الإسلامي , ويترك الفصل بينهم إلى يوم القيامة , حيث توفى كل نفس ما كسبت , قال تعالى : } إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة { (الحج ، 17).
فعلى الرغم من موقف القرآن الكريم الحاسم من الكفار , إلا أنه يدعو الناس إلى الدخول في السلم كافة , وإلى التحاور } بالتي أحسن { (النحل ،125) , لأن الإسلام راهن ” منذ البداية على مبدأ الحرية , فأقر لمخالفيه , وبخاصة لأهل الكتاب منهم , حرية الاعتقاد والتعبير عنه والددفاع عنه , وفهم المسلمون أن هذه الحرية هي بلا قيد أو شرط ” (فهمي جدعان ، المحنة ،ط2، ص21) . وتعد مناظرات يوحنا الدمشقي ( ت قبل عام 76 هـ / 754 م ) مثالا على الحرية الممنوحة لأهل الكتاب التي كان يتعرض فيها لأخطر القضايا وأكثرها دقة وحرجا وحساسية , قضايا الصفات والعقل والتوحيد والتثليث وألوهية المسيح ونبوة محمد بن عبد الله وغير ذلك ” (السابق، ص21-22) فكانت هذه المناظرات تدفع المخالفين إلى صياغة الاحتجاجات والاعتراضات بهدف رد أو دفع القضايا الدينية والاسلامية وبيان وهنها وضعفها . وتقبل المثقفون المسلمون هذه الاحتجاجات والاعتراضات وانصرفوا إلى تصنيف المؤلفات دفاعا عن العقيدة وتثبيتا لأصولها وقواعدها (السابق ،20-22) مع الأخذ بعين الاعتبار أن يوحنا الدمشقي ناقش الإسلام بوصفه بدعة , وشدد على “أن المسلمين يتفقون مع المسيحيين في الإيمان بالإله الواحد , ولكنهم لا يعترفون بالعقائد الأساسية للمسيحيين وفي مقدمتها الطبيعية الإلهية للمسيح وصلبه (جورافسكي ، الاسلام والمسيحية، عالم المعرفة ، 215،ص71).
فالاسلام يتضمن تقليدا , يعد من أوسع التقاليد انتشارا في الاسلام ” يرى في تباين الآراء ضمن المجتمع نعمة من نعم الله . قال تعالى : } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا { .( الحجرات ،13) .
أما في الكتابات العربية الإسلامية , فيمكن القول إن صورة الآخر بدأت بالظهور في كتابات المؤرخين والرحالة وكتب الملل والنحل , على الرغم من أنها لا تسعف على تكوين نظرة محددة المعالم عن الآخر , ” فليس ثمة ما يشير الى أن المسلمين قد بذلوا جهودا لمعرفة الشعوب , معرفة جدية ” (خالد زيادة، تطور النظرة الاسلامية إلى أوربا ، ص13). فهذه الكتابات قدمت الآخر وبينت ملامحه ووصفتها في سياق الحديث عن جغرافية هذه البلدان وعاداتها وشعوبها وطباعها كما في كتابات اليعقوبي ( ت 284 هـ ) وابن خرداذبة ( ت 300 هـ ) وابن بطوطة ( ت 300 هـ ) والمسعودي ( ت 346 هـ ) والاصطخري ( ت 350 هـ ) فيما بعده , فيما اصطلح عليه بالجغرافية البشرية . فابن خرداذبة مثلا يعتمد في تقديم معلومات عن بعض بلدان أوروبا – الروم والبرجان والصقالبة – على رواية أسير مسلم لدى البيزنطيين هو مسلم الجرمي . والمسعودي قدم معلومات عن ملوك الفرس ودياناتهم , وديانة الروم وطوائفهم وأسقافهم وطوائفهم .
وفي الوقت نفسه , قام في موطن آخر ” بتنميط البشر حسب الأقاليم , وهو تنميط جنسي وعقلي وشكلي يراد منه حبس الأجناس في طبائع ثابتة, وليس تقديم وصف ” ( عبدالله ابراهيم ،المركزية الاسلامية ، ص61).
لقد تراوحت الصور المقدمة للآخر في كتب الرحالة بين تقديم صورة نمطية وفق نظرة مسبقة ،وثانية صورة تقر باختلاف ويعترف به ،وثالثة اعجاب بالآخر لا يفضي الى الانبهار بوصفه ينتمي إلى حضارة متفوقة ،وأخيرة صورة تتراوح بين الاستغراب والاستهجان ربما لعجزه عن فهم هذا الآخر المختلف االذي صدمه بصورة لم يعهدها من قبل.
* باحثة وأكاديمية من الأردن