الشاعر المزغني : الأحزاب الدينية شركة تشبه سامسونغ وكوكاكولا


حوار : فاطمة عبدالله *

شاعر يحمل في أعماقه جمال تونس الخضراء ويمتاز شعره بنكهة إبداعية خاصة، وبقدر ما يعبر عن هواجسه الوجدانية بإسلوب فني وجمالي ساخر فهو يلتقط الحس الشعبي في أصفى حالاته.



وقد حاول آخرون تقليده فلم يستطيعوا أن يكونوا المنصف المزغني، فهو يتفرد بطريقته الفنية التي يمزج بها مفردات الواقع بلمسات كوميدية ساخرة تبدو سهلة شفافة. وللشاعر نظرته النقدية الواضحة للإعلام ورسالة الإعلام وأهميتها في تقديم المعلومة الصحيحة لا في تمجيد الحاكم. وربما كانت قصيدته ‘تونس النشرة’ التي نشرها في ‘القدس العربي’ قبل نحو شهر تحمل الكثير من حكمه على اللعبة الإعلامية، انطلاقا من تونس. وفي زيارة الشاعر لمدينة أبوظبي بدعوة من مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام حيث ألقى محاضرة بعنوان: ‘تساؤلات حول الشعر وجمهوره’، وخلال وجوده في في عاصمة الإمارات خصنا مشكورا بهذا اللقاء.


* ماذا يقول الشاعر في القصيدة وهي تتشكل؟



* ‘كل التجهيزات النفسية التي يتشكل منها الشاعر قبل أن توقد القصيدة في ذهنه أول مرة، وهذا شيء مهم ولا بد أن يحصل لقاح بين الفكرة وذهن الشاعر، قد تكون الفكرة كبيرة والقصيدة صغيرة، وقد تبدأ الفكرة صغيرة جدا ثم تنمو.. لماذا؟ لأن الشاعر وهو يكتب فإنه ينزل إلى ذاته ببطء وكأنه يبحث عن شيء ما يبحث عن نفسه. بالنسبة لي، علي أن أبحث عن نفسي حتى تصبح القصيدة شبيهة بي أنا، وبعد أن أكتبها علي أن أراجعها أكثر من مرة لأن هناك احتمالات مخيفة من بينها أن الذاكرة قد تسلل إليها شيء من شعر آخر أو صورة من شعر آخر، لذلك أنا أؤمن بالكتابة وبما يمكن تسميته بالشطابة، أي علي أن أشطب وأعيد الكتابة حتى تبدو القصيدة في هيئتها التي أرضى فيها عنها، أي إن مرحلة أسميها مرحلة المخاض الإبداعي لا بد أن تكون كاملة الشروط قد يستمر هذا المخاض شهرا وقد يستمر ساعة وقد يستمر ثلاثين سنة كما هو الحال عندي الآن مع قصيدة ما زلت في صدد كتابتها. أنا مثلا كتبت قصيدة عن ناجي العلي استمر مخاضها سنتين، وكتبت قصيدة عن الدكتاتور وهذه التي ذكرتها منذ قليل وهي ما زالت مستمرة، القصيدة وهي تكتب تحتاج إلى انتباه دائم من الشاعر، فهو مضطر إلى أن لا ينسخ من غيره في زمن التشابه والتناسخ مضطر حتى لو استطاع أن لا يسرق حتى من نفسه ومن منجزه السابق. بعد ذلك بالنسبة لي، لا بد أن تكون القصيدة مكتوبة على الورق بشكل أدبي خالص. ثم إذا أتينا إلى المرحلة الثانية، فإنني أجد نفسي متأملا في هذه القصيدة متفرسا في شعابها وأبوابها، في تضاريسها، في انحناءاتها، صعودها، هبوطها، توترها، ارتخائها.. ثم بعد ذلك تأتي عملية الكتابة الصوتية للقصيدة، أي أكتبها أنا بصوتي أنا، علما أن ممثلا آخر يستطيع أن يقرأها لكن بطريقة أخرى. المهم أن تفاعلي هذا مع قصيدتي، وأنا أريد أن أوصلها إلى الجمهور، يجعلني في مسؤولية فعلي أن أحفظ هذه القصيدة لأن قراءة الشعر من الورقة هو ما يجعل الجمهور تقريبا ينفر من الحضور إلى الأمسيات. فإن كان الشاعر يقرأ من الورقة فإن الجمهور لن يأتي. يقول الجمهور إن شراء الديوان أسهل من المجيء إلى الأمسية. لكن الحضور المباشر للشاعر لا بد أن يحترم فيه عنصرا يتعلمه الشاعر الحداثي من الشاعر الشعبي هذا الشاعر الشعبي الذي هو سليقي وعفوي له وعي بقانون الفرجة عليه، أنت متفرج عليه أما إذا كنت شاعرا في كتاب فأنت مقروء في أكثر من حالة وأكثر من مكان. إذاً، قبل الأمسية علي أن أعرف ما هو هذا الجمهور، ما هي توجهاته، لا لأعطيه ما يطلبه المستمعون بل لأنجز هذا التواصل الضروري بيني وبين هذا الجمهور.



* بعد هذه المسيرة الشعرية، قصيدة الشباب وقصيدة اليوم هل ترتبط بالنضج في العمر وهل تختلف طقوسها عن طقوس القصيدة الشبابية؟وكيف يلقى الشاعر نفسه بين كتابة القصيدة الشبابية والقصيدة بعد هذه المسيرة الطويلة سواء من الناحية الجمالية أو السرعة والذاكرة؟ أي هل تخضع القصيدة بجماليتها لتجربة الشاعر؟


* ‘كل القصائد شابة حتى تلك التي كتبها الشيوخ لأن الراقص أحيانا يكبر ولكن الرقصة تبقى على شبابها، كذلك القصيدة. لكن في سؤالك ثمة إشارة إلى المراحل التي يمر بها الإنسان من شباب وكهولة وشيخوخة، ويمر بها الشاعر طبعا. إن الشاعر الشاب الموهوب خاصة يتميز بالجرأة والروح الاقتحامية فهو لا يحسب وهو ينطلق بقصيدته وكأنه سيد في هذا الكون ويحكم ويقول ما يريد. نحكي دوما في شروط الفن، عندما يكبر الشاعر تكبر تجربته وتنضج تقنياته في الكتابة فإنه يصبح (أقل شجاعة) ربما ولكن أكثر حكمة وتحكما في نصه، هذا التحكم في النص ربما قد يوصله إلى أن يتجاوز هذه الصبيانيات التي كان يقوم بها. ونجد هنا الآن الكثير من الشعراء الذين يطبعون أعمالهم الكاملة يخفون قصائدهم الأولى، إنها تذكرهم بالصبيانية التي كانوا عليها عندما كانوا يكتبون، وأعتقد أن هذا خطأ لأن الإنسان يحمل جيناته ولون عينيه وأنفه وشفتيه ولا يمكن أن يتخلص منهما، فأقول لماذا يحرم بعض الشعراء النقاد والدارسين أو عشاقهم من تلك النصوص الأولى وكأنها صورة الطفولة الأولى؟ الشاعر الكهل يمضي نحو التقطير، إنه يقطر قصيدته ويحسبها ويمضي بها إلى المدى الذي يريده، وقد تفلت منه القصيدة وهو يريد شيئا فتمضي القصيدة إلى شيء آخر، ولكنه في النهاية متحكم بسير العملية الإبداعية، قد يصل الشاعر الكهل إلى مرحلة من السهولة الصعبة، هذه السهولة لن يصلها إلا بعد أن يكون قد مر بتجارب كثيرة صعبة، فهو لا بد له أن يدير القول مرات ومرات وينتبه إلى أن عليه أن يضيف شيئا جديدا إلى معمار الشعر، فهو يسعى إذا إلى إيجاد هذا الخيط الذي يشده إلى حياته الشعرية بشيء من الأناقة واليسر والسهولة والتي مازلت ألح على أنها سهولة صعبة، فأن تكتب شعرا صعبا هو أمر سهل وأن تكتب شعرا سهلا هو أمر صعب’.



* التاريخ الشعري عند العرب زاخر بأسماء شعراء لمعت وما زالت معروفة حتى لدى الأجيال الشابة، وهناك أسماء لامعة من الجيل الجديد وقد كانت مرتبطة بقضية. أنت من تونس، والثورة في المنطقة العربية انطلقت من تونس، هل برأيك المخاض الذي تمر به المنطقة سينتج عنه أسماء شعرية كانوا موجودين بالأصل أو شعراء جدد يستمرون لزمن طويل كجبران ودرويش والسياب؟


* ‘هنا لا بد من النظر إلى الأسماء التي ذكرتها على أساس أنها أسماء ارتبطت بقضية، وأشهر الأسماء هو محمود درويش والذي عاش معذبا لأن له قضية شخصية وطنية هي قضية فلسطين، ولكن له قضية أخرى كونية وهي تتعلق بعالم الكتابة، وهو ماذا أضاف محمود درويش للشعر، وهذا كان هاجسه وكان هاجس كثيرين. عندما نذكر مثلا أدونيس، أية قضية سياسية وراءه؟ لا توجد، إنما توجد القضية الشعرية، الشعر والتأمل بالشعر. عندما ننظر جبران نجد أن جبران هو هذا الكلام الذي به الكثير من الخضرة الأدبية في عالم كان الخشب والأوراق اليابسة هو ما يعمر الكتب. قضية الشاعر الأساسية هي أنه يكون الشاعر ثوريا داخل المنطقة التي هو فيها والتي رشح نفسه لها التي هي الكتابة شعرا كانت أم نثرا أو مسرحا أو غير ذلك، المهم أن يكون الشاعر شاعرا. بالعودة لمحمود درويش الذي تأذى وهو شاب من قضية وضع الجميع في سلة واحدة، أنقذونا من هذا النقد القاسي! كانت صرخة حتى ينتبه النقاد إلى أنه كي تكون شاعرا ليس بالضرورة أن تكون فلسطينيا، لا بد أن تكون شاعرا أولا. فالقضية التي طرحتها هي أنه هل يوجد أو هل سوف يوجد شعراء جدد أو شعراء قدامى معاصرون سيواصلون هذا النفس؟ هذه عائدة لمجهوداتهم الذاتية، أما الكتابة السريعة عن الثورة فإنها تدخل الشاعر في منطقة التأريخ، والتأريخ هذا للمؤرخين والصحفيين، هو ليس عارضا لأحوال شعبه، إنه يستقطرها وينتج إبداعه من خلال تفاعله معها مباشرة ومع فن الشعر على امتداد العصور. إذاً، هو مواطن شعري ومواطن مواطن بين هذين (قد يرتكب الشاعر) قصائد واضحة مباشرة، وهذا حدث للشاعر بابلو نيرودا الذي كتب في المرحلة الأخيرة من حكم الوحدة الشعبية في تشيلي ديوانا عنوانه تحريض على إبادة نيكسون، الرئيس الأميركي وتقريظ للثورة التشيلية. هذا الكتاب أيضا فيه محاولة لكسر هذا التعفف الذي يحاول الشاعر أن يختبئ فيه، فقال أنا الآن كل أسلحتي الشعرية سأرمي بها وسأقولها، ربما سقطت في المباشرة ولكن هو نفسه ابتدأ قصيدته ضد هذا الكتاب عن نيكسون، ابتدأها بالابتهال إلى الشاعر الأمريكي ولت ويتمان. هنا تبرز القيمة، قيمة الشاعر إذا كان شاعرا. أما ما يكتب الآن من نصوص يكتبها شباب ويكتبها شيوخ أو يكتبها أناس متعاطفون أو مستاؤون من الثورة، فإنها كلها لا بد أن ترقى إلى مستوى من الفن، وإلا مصيرها الهباء مصيرها الاندثار’.



* طبعا الشاعر التونسي مع ثورة تونس وقد كتب قصيدة فيها سياسة ولمسات كوميدية وتمس الإعلام وتغطيته لهذه الثورات، هذه القصيدة التي نشرت كذلك في ‘القدس العربي’ وهي آخر إنتاجك وأثارت ما أثارت في الإعلام وخاصة في محطات التلفزة، كيف كانت هذه القصيدة؟ وكيف استطاع الشاعر أن يمزج بين الكوميديا والسياسة؟ وهل الجمهور في هذه الأيام يتقبل هذا النوع من القصائد بشكل أفضل من القصائد الأدبية البحتة؟



* ‘بدأت كتابة هذه القصيدة بعد احتقان ما بين السلطة الحاكمة وما بين الإعلام، كانت لنا مع الرئيس المخلوع قصة اختناق إعلامي، وأجمل ما أنجبته الثورة هو هذه الحرية المطلقة، كما أن الطريف أن هذه الحرية التي لا تعطى ولكن افتكها الشعب بنفسه والثورة التونسية بلا رأس وبلا رؤوس، فهذه الثورة افتكت هذه الحرية. ونحن في سنة ثانية ثورة نرى أن هناك معركة بين السلطة من جهة وبين الإعلام من جهة أخرى، الإعلام هو الذي يتصدر. أما الكتاب والصحافيون والشعراء والمسرحيون فهم يأتون في الواجهة الثانية. عندما تتصدى سلطة وصلت إلى سدة الحكم وتذكرنا بعهد نحن مللناه وثرنا عليه أو كنا مختنقين تحته، لذلك تم هذا الرفض وتونس الآن تعيش هذه اللحظة الفارقة بين: إما أن نكون أحرارا أو أن نكون عبيدا ونعيد إنتاج القصة من جديد وإنتاج الدكتاتورية من جديد. كل سلطة في العالم تحب الأخبار وتحب أن تروج عن أخبارها. ولكن السلطة الآن في تونس تريد من الإعلام أن يكون خادما، والإعلام يريد أن يكون سيدا وسلطة رابعة – كما يقال. هذه هي المعركة التي منها انطلقت قصيدتي (هنا تونس النشرة)، فهذه القصيدة بدأت وكأنها نوع من محاولة للسخرية، فهي كلها سخرية من هذه المحاولات التجهينية واخترت الشكل الفني وهو نشرة الأخبار، نشرة الأخبار بما فيها من أخبار القائد: أخبار حكمته، أخبار موهبته، ماذا أنجز، من استقبل، من أبرق له وصوره التي لا بد أن تمر في التلفاز، نحن الآن لسنا في حاجة كإعلام ثورة إلى مثل هذه الأخبار، فهناك الكثير من المشاكل التي لا بد وقد كشفت أن تزداد انكشافا وشفافية لدى الناس، الحاكم يريد أن يؤبد سلطته من خلال الحديث المستمر عنه، الحاكم امرأة جميلة لا تشبع من الغزل، في هذا الإطار بدأت القصيدة وكأنها لعبة بالنسبة لي في البداية، ثم أصبحت جادة، وظللت بها شهرين وأنا أتعالج معها وفيها أكثر من مستوى: على المستوى الفني أنا راض عنها، وعلى مستوى التقبل أنا أريد أن أعرف ما صداها عند العرب لذلك نشرتها في القدس لأنها قصيدة فيها إشارات محلية يفهمها العربي، ولكن التونسي يتلمظها ويتذوقها أكثر لماذا لأنه يعرف بعض الإشارات التي تتلمس الوعي التونسي الآن’.


* خلال الثورات التي حدثت في المنطقة وخاصة الثورة السورية ،هناك من حمل بعض الشعراء والفنانين بأن عليهم أن يحددوا مواقفهم: إلى جانب الثورة أو إلى جانب السلطة وهناك البعض الصامت، هل برأيك الفنان يجب أن ينحاز إلى طرف ما؟ وكيف تنظر للمبدع؟ ما الذي يتوجب عليه في مثل هذه الظروف، وخاصة أنت تعلم من أهم الرموز التي تعرض للنقد اللاذع الشاعر أدونيس، فهل نحمل الشاعر أكثر مما يحتمل؟



* ‘عندما انطلقت الثورة في تونس، عندما رحل بن علي كنت فرحا، ولكني كنت صامتا. وعندما أسير في الشوارع، الشعب يسألني هل من قصيدة؟ فأقول له إن القصيدة قادمة.. لماذا؟ لأني لا أستطيع أن أكتب فورا، علي أن أتأمل، علي أن أتألم حتى أنجز قصيدتي. الشعب في عمومه دل على مستوى مختلف من التعامل مع الفنانين والشعراء والمسرحيين. وكذلك كل الناس الذين هم غير إعلاميين، الإعلامي عليه أن يعلم فورا. أما من يشتغل في قطاع تأملي إبداعي فإن الإبداع له زمنه الذي هو غير الزمن اللحظوي. لقد بدا للكثيرين أن على الفنانين أن يأخذوا مواقف فورا، وهذا يحيلنا لسؤال إذا كان النظام السابق يطلب المساندة بالأمس والثورة تطلب المساندة الآن، فإننا ظللنا في نفس المنطقة، منطقة الخفة، منطقة السرعة. وإذا أسرعنا في المواقف تشابهنا مع الناس، والفنان مبدع ومختلف عن الناس بصفته هذه. لقد بدا للناس أن الفنان يطبق عليه ما يطبق على السياسي حتى ذهب في ظنهم أنهم يمكن أن يقولوا لعادل إمام مثلا انخلع أو لأدونيس أعطنا موقفا الآن وقل: هل أنت معنا أو أنت ضدنا؟ هذه نظرة بوشية منسوخة عن بوش في حرب العراق: من لم يكن معنا فهو ضدنا! لا نجد في تاريخ الفن عموما المواقف السياسية. هناك الكثير من الشعراء الرديئين الذين كانوا في القمة القيادية للأحزاب الناشطة، ولكن شعرهم رديء أو إنتاجهم رديء. ونحن نذكر أن سيلفادور دالي كان مع الفرانكوية الفاشية وبيكاسو كان مع الاشتراكيين، ولكن الإثنين على اختلاف موقعهما قد تركا بصمات هي الأبقى، وهي بصمات الفن والتشكيل وروح المبادرة والمغامرة. قد نجد شاعرا ذا مواقف رجعية، لكن قصائده تقدمية، ليس بالمعنى السياسي لكن بالمعنى الفني، أي ما هو فيه من فن. أنت كتبت قصيدة وأعلنت عن موقف، حسنا قرأنا القصيدة وبقي الموقف أو تغير الموقف، لكن ما الذي يبقى من كل هذا؟ لا يمكن أن نحكم على القطاع الثقافي والفني والإبداعي والفكري بمثل هذه السهولة، وإلا فإننا لن نقرأ للمتنبي لأنه شاعر مداح!’



* في الختام، لا بد أن نمر على مجريات ما يحدث في المنطقة، برأيك وبعد سنتين من بدايات الثورات أو أكثر، وحسب الأحزاب أو الأشخاص سيطروا على هذه الثورات، هل ترى أن هذه الثورات تحاول بناء ديمقراطية فعلية، خاصة في مصر وتونس والآتي في سوريا أيضا؟



* ‘عندما هبت الثورات العربية انطلاقا من الشارع هشمت زجاج الخوف الذي كان يخيم ويحجب الناس عن الفعل السياسي، الحاكم هو الذي يمارس السياسة والسياسة هي زوجته الخاصة التي لا يجوز لأحد أن يقترب منها أو أن يخطب شيئا منها. عندما هبت الشوارع وسقط الحاكم، كان هناك أجهزة تتهيأ مثل الشركات لاستلام هذه السلطة، ونحن تكلمنا أن الثورة كانت بلا رأس، كانت فوضى والفوضى باللغة العربية تعني قوما بلا رأس. الآن تحاول هذه الجهات التي تتعطر بالدين، أن تصل إلى السلطة، والسلطة بالنسبة إليها ووصولها للسلطة هي تذكرة ذهاب فقط لن يكون معه إياب. إنها تدعي مثل هذه السلطة الصاعدة الآن في كل من مصر وتونس خاصة على أنها ليست منتخبة من الشعب فقط بل ومباركة من الرب. لدي فقط حذر وشك، ولا أريد أن أستبق الأحداث.. لماذا؟ لأنه تنقصني الكثير والكثير كما ينقص غيري الكثير الكثير من المعلومات حول الكواليس، وحول حتى الكوابيس التي قادت هؤلاء إلى السلطة. أنا أعتبر حزب التحرير مثلا هو شركة كبرى مثل سامسونغ وكوكاكولا، لها فروع في كل مكان والناس الذين فيها أو جمهورها ممول تمويلا. الشعب مشكلته ليست الدين، نحن شعب مسلم لا نحتاج إلى غزوة جديدة من هؤلاء، لكنها غزوة سلطوية هذه المرة وليست غزوة لنشر الدين بل غزوة لبسط النفوذ، كما لا يمكننا أن نتجاهل العبقرية الأمريكية في تعاملها المرن مع التحالفات الجديدة بحيث أن العقل أصبح غير قادر على الإلمام بأطراف هذه التحالفات. لماذا العقل غدا غير قادر؟ لأنه تنقصنا الكثير من المعلومات التي لن تظهر حسب الأوساط الأوروبية إلا بعد خمسين سنة’.



* هل برأيك المؤسسات الإعلامية لها الدور الأكبر أو كانت مهيأة مسبقا لما تقوم به من نشر الفوضى ونشر المعلومات غير الدقيقة؟ وما المقصود من نشر هذه المعلومات التي تأتي من أطراف عدة وأحيانا يكون هناك تصريح وبعد ساعتين يسحب التصريح ويكون لشخصية مهمة؟



* ‘الإعلام لا يستطيع أن يتحرك إلا وسط الإثارة، فالإثارة يريدها الإعلامي. لكن عليك أن تثير ما يثار لكن أن تثير وتستثير وتحرض على الإثارة فهذا عمل إعلامي فاشل. هناك الكثير من القنوات الإعلامية العربية التي بدأت وكأنها نشرات أخبار سرية، أنا أستطيع أن أجزم وليس لدي معطيات بأن جميع الرؤساء العرب لا يتفرجون على زوجاتهم، أي قنواتهم الوطنية، بل يتفرجون على القنوات الأخرى.. لماذا؟ لأن القنوات الأخرى هي التي تثير ما حاولت الأنظمة السابقة أن تغطيه. أما إذا غدا الخبر مثارا بطريقة تدعو إلى الريبة، فهذا الأمر يدعو إلى الريبة والحيطة، فهناك الكثير من الانحرافات عن الخط الإعلامي الذي يرتقي بمستوى المواطن حتى نحن عندما نشاهد قناة عدوة نحترم على الأقل أساليب العمل وتقنيات العمل، أما أن يصبح هناك تلفيق ومحاولة لتقويض الأنظمة مهما كانت، فإن هذا أمر يدعو إلى مراجعة فهمنا أيضا للإعلام. المهم أن الشعب العربي بفضل تعدد هذه القنوات غدا يميز بين هذا وذاك، وحبل الكذب قصير’.


* صحفية من سوريا تقيم في ابوظبي


( القدس العربي )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *