فاطمة عبدالله
في 17 شباط من العام 1955، ولد مو يان في بلدة غاومي في مقاطعة شاندونغ شرق الصين لعائلة من المزارعين عرفت الفقر المدقع بين عامي 1959 و1961 بسبب سياسات ماو تسي تونغ الاقتصادية. الظروف الاجتماعية آنذاك والثورة الثقافية تحديداً أرغمتاه على ترك المدرسة للعمل في أحد المصانع التي تنتج النفط. عندما بلغ العشرين من عمره، التحق بصفوف “الجيش الشعبي للتحرير”، الجناح العسكري للحزب الشيوعي الصيني، من دون ان يتخلى عن شغفه بالكتابة، الى ان أصبح، بعد ثلاث سنوات، مدرّساً في قسم الآداب في أكاديمية الجيش الثقافية.
“مو يان”، معناها بالصينية “لا تتحدث”، ليس الاسم الذي منحه إياه والداه. اسم هذا الرجل الحقيقي هو غوان مو، فكيف أصبح مو يان؟ أثناء إلقائه خطاباً عاماً في جامعة هونغ كونغ المفتوحة، أعلن أمام الحضور ان روايته الأولى “مطر يتساقط فوق ليلة ربيعية” 1981 ألحّت عليه لتغيير اسمه. هذا الصيني أرفق كلامه بذريعة تبدو لوهلة على هيئة أحد الحوارات التي تتسمك بها شخصيات الرواية لتُشبّع الحوادث بالتطورات الدراماتيكية: “لأني معروف باستفاضتي في الشرح وأنا أتكلم، ولأن هذا ليس محبباً دائماً لدى الصينيين، اخترت اسم مو يان لأذكّر نفسي كلما شطحت بألا أتحدث إلا قليلاً!”.
بنى مو يان أسلوباً يميزه في الكتابة “من خلال الجمع بين الخيال والواقع وبين البعد التاريخي والاجتماعي”، حتى استحال له “عالماً يذكّر من خلال تعقيداته بعوالم كتّاب مثل وليم فولكنر وغبريال غارثيا ماركيز، مع جذور ضاربة في الأدب الصيني القديم وتقليد القصة الشعبية”، بحسب البيان الصادر عن الأكاديمية الأسوجية.
يوصف مو يان بالأشهر والأكثر تأثيراً بين الكتّاب الصينيين، وقد ذاعت شهرته في الغرب من خلال قصصه ورواياته التي تحول بعضها أعمالا سينمائية أميركية مثل فيلم “عشيرة الذرة الرفيعة” عام 1987. كما يعد واحداً من أكثر الروائيين غزارة، إذ يُقال انه كتب روايته “الحياة والموت أضنياني” عام 2008 في 43 يوماً فقط! نشر العشرات من القصص والروايات بالصينية: “جمهورية النبيذ” 1992، “الثوم الفردوسي” عام 1995، “الصدور العارمة والأوراك الكبيرة” عام 1996، الى العديد من المؤلفات بين رواية وقصة قصيرة وبحث.
يُعتبر مو يان أحد أبرز الكتّاب الذين منعت السلطت الصينية أعمالهم، فكتبه تصاب عادة بلعنات القرصنة أكثر من كتب أي صيني آخر، هذا ما أثار التساؤلات حول اختيار لجنة نوبل له ليكون الفائز رقم 109 بالجائزة منذ استحداثها.
كان الكاتب الصيني الكبير ما جيان شجب عدم تضامن مو يان مع غيره من الكتّاب الذين يواجهون قمعاً من السلطة الصينية “على الرغم من حرية التعبير التي يكفلها الدستور”. على كل حال، أحدٌ لا يستطيع اخفاء شجاعته في خرق تابوات المجتمع الصيني المعاصر وهو يعالج قضايا الجنس والسلطة والسياسة مع لمسة فكاهية خاصة، ومن دون مواربة أو ادعاء.
( النهار )