أحمد علي البحيري
تكريم النجمة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينالي، والنجمة المصرية سوسن بدر، وحضور الممثلة والمخرجة الايطالية إيزابيلا روسيليني ابنة الأسطورة إنجريد بيرجمان والمخرج الايطالي الشهير روبرتو روسيليني وغيرهم، في الدورة السادسة من مهرجان أبوظبي السينمائي، قد يفوقه الحضور اللافت الذي سيحققه حضور النجم الهوليوودي ريتشارد جير. فأنت هنا تتحدث عن نجومية من نوع خاص، وعن ممثل تعرفه المهرجانات الدولية، بل يتسابق بعضها للفوز بحضوره وتكريمه، نظرا لما يتمتع به من شعبية، ومن كاريزما وإطلالة سحرية على الشاشة الفضية من خلال أفلامه العظيمة، ومنها على سبيل المثال: فيلم افتتاح المهرجان “أربيتراج” للمخرج نيكولاس جاريكي، ويقدم جير فيه دور مستثمر طموح وزوج وأب محبّ يرى عائلته تنهار وتتفكك تحت وطأة الاحتيال والفساد، وفيلم “شيكاغو” 2002 أمام النجمتين رينيه زيجلر وكاثرين زيتا جونز، وفاز عنه بجائزة أفضل ممثل كوميدي، وافلام مهمة منها “خريف نيويورك”، و”شرطة بروكلين”، و”امرأة جميلة” الذي قدمه عام 1991 أمام جوليا روبرتس، وكذلك فيلم “أيام الجنة” للمخرج ترينس ماليك. ونال جير شهرة عالمية واسعة بعد مشاركته في فيلم “أميركان حيجولو” عام 1980 للمخرج بول شرايدر.
يذكر أن جير المولود عام 1949، بدأ حياته السينمائية عام 1975 بدور بسيط في فيلم “رسالة الى المفوض”.
يحضر ريتشارد جير الى أبوظبي، بعد أن تم تكريمه في شهر أغسطس الماضي في الدورة الثامنة من مهرجان زيوريخ السينمائي بالعاصمة السويسرية جينيف، حيث منح جائزة (جولدن آيكون أوورد)، تقديراً لأعماله التي زادت عن خمسين فيلما، وتقدير لإسهاماته في مجال تطوير وصناعة السينما. وكان مهرجان القاهرة السينمائي قد كرمه في دورته الرابعة والثلاثين، وكذلك كرمه مهرجان روما السينمائي بجائزة (ماركوس أورلياس)، وذلك عن جملة أعماله السينمائية وعلى وجه الخصوص فيلميه “ضابط وجنتلمان” و”راقص أميركي”، وكذلك عن جملة أعماله الموسيقية والدرامية في المسرح، مثل مسرحية “جريز” و”ترويض النمرة” لوليام شكسبير.
نستذكر مع حضور ريتشارد جير كوكبة جميلة من روائع افلامه، مثل “هيا بنا نرقص” أمام النجمتين سوزان سراندون وجينفر لوبيز، وفيلم “سومرسبي” مع الحسناء جودي فوستر، وفيلم مثير بعنوان “الخوف” مع الممثل الشاب إدوارد نورثون، ومن أفلام جير أيضا “الخائنة” و”العروس الهاربة” و”التحكيم”.
ريتشارد جير متعدد المواهب في السينما والموسيقى والمسرح، كما أنّه نجم محظوظ، فقد كان عام 1973 عام حظه، بعد أن فتحت له عاصمة الضباب لندن ذراعيها ليدخل بابا جديدا من ابواب الشهرة للعمل في مسرح (فيك) الذي قدّم له نخبة من المسرحيات الممتازة تصدرتها مسرحية بعنوان “ترويض شو”، وقدّم للسينما افلاما مهمة، منها “فرسان من القرون الوسطى” و”أوغاد بلا رحمة”، متميزا بأدائه الهادئ المؤثر، حتى أصبح من أكثر الممثلين الشباب تألقا ونجومية لدى الجمهور والنقاد وشركات الانتاج.
وبعد كبوة قصيرة تمثلت في أفلام ضعيفة مثل “الملك ديفيد” و”نادي القطن”، عاد الى النهوض عام 1994 بأفلام ذات قيمة عززت نجوميته مثل: “تقاطع” و”الفارس الأول” و”السيد تي” و”النساء”. 16
مخرجة في مسابقة أفلام الإمارات
أهم ما يلفت الأنظار في مسابقة أفلام الإمارات أنها تقدّم سينما المرأة وفن المخرجات في أبهى صورة، من حيث مواضيع الأفلام ولغتها وجرأتها سواء في الطرح والتناول والاهتمام بالصبغة المحلية أو في الكم، حيث تشارك في الفروع الثلاثة للمسابقة من الافلام الروائية القصيرة، والافلام الروائية القصيرة للطلاب، والافلام الوثائقية للطلاب، نحو 16 مخرجة من أصل 45 فيلما لمخرجين ومخرجات يمثلون الامارات ودول مجلس التعاون الخليجية. من بين الأفلام المهمة في هذه القائمة فيلم بعنوان “عشاء سلمى” في 9 دقائق للمخرجة نجوم ناصر الغانم من الامارات، صاحبة فيلم “أمل” الذي أنتج بدعم من مهرجان الخليج السينمائي، وهذا الفيلم كما هو معروف حائز الجائزة الثانية في الدورة الخامسة من مهرجان الخليج السينمائي بدبي، كما عرض في العاصمة الفرنسية باريس بتنسيق مع جمعية السينما الاوروبية، ونال الجائزة الاولى في مسابقة المهر الاماراتي في منافسات مهرجان دبي السينمائي.
نجوم الغانم الحاصلة على شهادة الإنتاج والإخراج التلفزيوني من جامعة أوهايو بالولايات المتحدة الاميركية عام 1996، وشهادة الماجستير في الاخراج السينمائي من جامعة جريفيت باستراليا عام 1999، خير مثال لاحترافية المرأة المخرجة، فهي صاحبة أفلام ذات قيمة فكرية عالية وتقنية تقوم على جماليات الصورة والمشهدية العالية المستوى. وبحسب سيرتها الفنية يمكننا أن نطلق عليها لقب صائدة الجوائز، فقد نالت عن فيلمها “المريد” إنتاج عام 2008 جائزة أفضل فيلم وثائقي في فئة مسابقة أفلام إماراتية، كما نالت جائزة المخرجة الاماراتية الأكثر موهبة في مهرجان دبي السينمائي عن جهدها وتنوع قدراتها وإنجازاتها في مجالات الكتابة والانتاج والاخراج، بعد أن قدّمت جملة من الاعمال الناجحة من بينها: حمامة 2011، ما بين ضفتين 1999، الحديقة 1997، آيس كريم 1997. وقد استفادت الغانم من ثقافتها الأدبية شاعرة وإصدارها لستة دواوين شعرية هي: مساء الجنة 1989، الحرائر 1991، منازل الجلنار 2000، لا وصف لما أنا فيه 2005، ملائكة الأشواق البعيدة 2008، أسقط في نفسي 2011، في كتابة العديد من السيناريوهات، كما انعكس ذلك على لغتها الشاعرية التي اضفت جماليات خاصة على أعمالها السينمائية، ومنها “عشاء سلمى” الذي يبدو لنا في تقنياته ولغته يحمل سمة شاعرية، وهي تتفنن في تصوير الاغتراب الداخلي لدى الانسان.
في هذه المسابقة أيضا ثمة مخرجات مميزات منهن: هند الفهد “ثلاث عرائس وطائرة ورقية”، وهنا مكي “الرحلة”، و أمنية العفيفي “الكفيلة”، وايمان السويدي “النخلة العجوز”. والمهم في الأمر هو التدفق الذي تحدثه هذه المسابقة في إعداد جيل جديد من المخرجات من الهواية الى الاحتراف، وما يحققه ذلك من تطويرات في مجال صناعة الفيلم الاماراتي والخليجي، وما يرتبط بها من خصوصية نحو تشك لهوية وشخصية الشخصية الاماراتية، من خلال الافلام التي سنتابعها في هذه الدورة التي تؤكد كما يبدو على سينما المرأة بكل تفاصيلها.
واقع كوريا في «المنطقة الأمنية المشتركة»
حينما نتحدث عن سينما كوريا الجنوبية، فلا نغفل أنها سينما إنسانية بالدرجة الأولى على مستوى مواضيعها وطريقة تناولها لقضايا ومشاكل وهموم الفرد بوسائل جذابة من خلال فن التصوير واستثمار أمثل للطبيعة والروح الشرقية، وعلى مستوى الثقافة التقليدية التي تصدرها للعالم بلغة سينمائية خاصة. وهنا لابد من التذكير بالأفلام الرائعة التي قدّمتها هذه السينما التي تقوم على ثقافة وروح شرقية تحمل أبعادها الانسانية أولا، ورؤيتها للعالم من زاوية الابداع والفيلم ثانيا. في السياق نتذكر افلاما مثل “الشروق السّري” للمخرج لي شان دونج، الحائز جائزة في مهرجان كان عام 2007، وجوائز متعددة في مهرجان آسيا للسينما، ويتناول الفيلم قصة امرأة يموت زوجها، لتقرر أن تصطحب ابنها للعيش في مسقط رأس أبيه، وهناك تواجه مشاكل وتحديات جمّة مع أهل البلدة المتزمتين. وفيلم كوري تعرفه المهرجانات العربية جيدا بعنوان “الملك والمهرج” إنتاج عام 2001 للمخرج لي هون إيك، والحائز على جملة من الجوائز في مهرجان كيبتاون السينمائي الدولي عام 2007. ولا ننسى واحدا من أجمل الافلام الكورية للمخرج لي شانج دونج بعنوان “حلوى النعناع” الحائز جوائز جراند بيل عام 2000، وفيلم “مرحبا بكم في دونج ساكجول” للمخرج باك كوانج هيون، وأفلام كثيرة تعكس صورة هذه السينما القريبة جدا من الجمهور العربي، والتي تلقى رواجا لدى مهرجانات السينما العربية وبخاصة في القاهرة وتونس والمغرب. ولا ننسى العروض الجميلة والرائعة لفيلم “بيتا الذي سبق له تحقيق نتائج طيبة في الدورة الماضية من المهرجان، كذلك حصده لجائزة الأسد الذهبي لمهرجان فينيسيا السينمائي في دورته التاسعة والستين، وهو للمخرج كيم كي دوك صاحب فيلم “الرحمة”، وفيلم “خمسة جنود مارينز”. ويبرز في السينما الكورية اهتمامها بسينما الاطفال، ونتذكر أنها غزت مهرجان مهرجان القاهرة الدولي لسينما الاطفال في دورته الحادية والعشرين، بعشرة افلام دفعة واحدة.
وتنفرد السينما الكورية على مستوى العالم من خلال تنظيمها لواحد من المهرجانات النوعية الذي يحمل اسم “مهرجان كوريا السينمائي للافلام الخيالية”، وضمّ هذا العام في الدورة السادسة منه 231 فيلما روائيا وقصيرا من 48 دولة. وتأسس هذا المهرجان عام 1997، ويطلق عليه الأهالي اسم مهرجان الأمطار، كونه يتزامن دائما مع موسم سقوط الأمطار في كوريا، بالإضافة الى تنظيم مهرجان بوسان الدولي للفيلم (ملتقى السينما الآسيوية الكبير) المخصص لعرض إنتاجات السينما الاقليمية والعالمية، والمهم في أمر هذا الحدث أنّ القائمين عليه لا يجدون ضيرا في استضافة سينمائيين من جارتهم الشمالية.
وفي السينما الكورية التي لم تغب كثيرا عن دورات مهرجان أبوظبي تستعيد الذاكرة مع فيلم مهم بعنوان “نباح الكلاب” للمخرج يونج جو هو، ويتحدث عن خريج جامعي يسكن في أحد الأحياء الهادئة التي تقطنها غالبية من الطبقة المتوسطة، وما يواجهه من معاناة.
وهذ الدورة من المهرجان تستضيف فيلم “المنطقة الأمنية المشتركة” ضمن برنامج العروض الخاصة 17 أكتوبر الجاري، وهو للمخرج باكتشان سووك، بترجمة عربية، إنتاج عام 2000، في 110 دقيقة، حائز عدة جوائز في مهرجان دوفيل للافلام الآسيوية عام 2001، ومهرجان سيت السينمائي الدولي 2003، وفي سنة إنتاجه حصد جملة من الجوائز الكورية في مهرجاني الآزرق وبوشون للأفلام.
تدور أحداث الفيلم في بمنطقة منزوعة السلاح بين كوريا الجنوبية وجارتها الشمالية، بعد حادث إطلاق نار، ومقتل جنديين من كوريا الشمالية في تلك المنطقة، وفي سياق هذا الحادث الخطير، يتمّ تكليف مهمة التحقيق في الواقعة للجنة تتكون من شخصيات من دول عدم الانحياز، ورغم العقبات التي يضعها طرفي النزاع أمام رئيسة اللجنة، إلا أن الدلائل تظهر تدريجيا ظروف الحادثة التي يرفض الجميع الاعتراف بها.
يمتاز فيلم “المنطقة الأمنية المشتركة” في أنّه يعكس الصورة الواقعية للمجتمع الكوري، كما يقدم إطارا نموذجيا في القصة والتمثيل والملابس والتصوير المصقول، وعلى رغم ثقل اللغة التي يتحدث بها الممثلون، إلا أنك على الدوام ستجد فسحة للفهم والتعرف على تقاليد وهوية الشعب من خلال أحداث الفيلم، كذلك التعرف على روح الثقافة الكورية التقليدية، إذ تسعى السينما في هذه البلاد الى ترويج الأماكن مثلما تسعى الى ترويج الثقافة الكورية ذات الصلة بالروح الشرقية.، هي بإاتصار سينما الواقع، البعيدة عن التوليف، وقريبة جدا من السرد المتسلسل، وقد تجد هذا في فيلم كبير مثل “الفتى العجوز” “البحر الأصفر” و”الأم” وغيرها من الافلام التي لا تخلو من التشويق والرومانسة والمشاعر الانسانية، وهي قيم نابعة من طبيعة الحياة في مجتمع هذا البلد.
عتيق رحيمي ينقل «حجر الصبر» الأفغاني إلى أبوظبي
مثلما يصنع الإعلام رجال السياسة والدول، وكما يصنع النقاد والمنتجون النجوم والأفلام، فعلى هذه الشاكلة يمكن أن يصنع العنوان اللافت للنظر نجاح فيلم، وقد تنجح بعض عناصر صناعة السينما وعلى وجه الخصوص التمثيل والمونتاج والموسيقى والسيناريو في صناعة فيلم ناجح، بل ربما تجعل منه حدثا يشغل بال النقاد والجمهور والصحافة وشباك التذاكر. في التطبيق يمكن أن يكون فيلم الشاعر والروائي والمخرج الافغاني عتيق رحيمي “حجر الصبر” 99 دقيقة، إنتاج فرنسي أفغاني ألماني، الذي سيشاهده جمهور المهرجان ضمن مسابقة آفاق جديدة، واحدا من تلك الافلام التي ستحظى بثقة الجمهور والنقاد، إن لم يكن له نصيب وافر من جوائز هذه المسابقة المهمة التي تضم 14 فيلما من دول عديدة منها: الدنمارك، جورجيا، الولايات المتحدة، تركيا، ماليزيا، ايران، السويد، الهند، فرنسا وأفغانستان.
أما لماذا “حجر الصبر” وأمامه أفلام كثيرة قوية في هذه المنافسة؟ في الواقع إن هذا الفيلم الذي يأتينا بتوليفة غربية بروح أفغانية، يمتلك الكثير من الخصوصية، والعديد من أسباب النجاح أولها أن بطولته مسندة الى الممثلة الايرانية الشهيرة كلشفيتة فراهاني، والممثل المغربي أمين الناجي، والممثلة المغربية الشابة صباح بنصديق التي تؤدي دورا صعبا مركبا يعكس حياة فتاة ليل أفغانية تحصل على قوتها بطرق غير مشروعة، كما تواجه مصاعب كثيرة في مجتمعها لممارسة مثل هذه المهنة، وثانيا إن نص السيناريو الذي كتبه عتيق رحيمي عن رواية له بذات الاسم حازت جائزة (جونكور) الفرنسية عام 2008، بمشاركة الفرنسي جان كلود كاربير، يتناول قضية خطيرة حول صناعة الموت والحرب. إذ يحكي قصة زوجة شابة في بلد في حالة حرب، تسهر على جثة زوجها الذي أصيب بعيار ناري في الرقبة من قبل أحد رجال الميليشيات التابعة له، واصبح جثة هامدة لا أمل في عودتها الى الحياة، فيما هي تخاطبه وتتحدث إليه طوال الفيلم في مونولوج سينمائي طويل يقوم على فكرة الحدث الاسترجاعي، عن أحلامها في حياة دون قتل ودماء. والفيلم كما يبدو ينقل أحاسيس ملايين النساء اللواتي يعشن مأساة الحرب في افغانستان وغيرها حول العالم بطريقة واقعية.
ونقل رحيمي الذي يحمل الجنسية الفرنسية أحداث ومشاهد فيلمه المؤثر، من خلال عدسة كاميرا المصور العالمي أربو غارست، ومونتاج ماكس ريختر، وربما أهم ما يميز هذا الفيلم هو نجاحه في ترسيخ مفهوم دراما الفكر ودراما الصورة في اطار انساني معاصر. فيلم “حجر الصبر” على صلة وثيقة بالواقع، ويقدم نخبة من المبدعين الذين يتعرف إليهم جمهور المهرجان لأول مرة. كما سيتعرف الجمهور إلى أجمل المناطق والأماكن التي تمّ التصوير فيها في مدينة الدار البيضاء المغربية.
والذي أسهم في نجاح هذا الفيلم وتقديمه للمهرجانات ـ غير مخرجه ـ هو فن التمثيل الراقي الذي قدّمته صباح بنصديق، وهي ممثلة على شهرة واسعة على مستوى السينما المغاربية والدولية، بعد أن قدّمت أجمل افلامها “قلبه وكأنه شيطان” للمخرجة التشيكية ماري بليدناكوفا، وجسدت فيه دور إحدى زوجات رجل مهم اختطف فتاة تشيكية للحصول على فدية من عائلتها، فيما تنجح مع تطور الأحداث في توطيد علافتها بزوجاته الثلاث اللواتي يعملن على حل هذه الأزمة. في الدراما التلفزيونية يعرف الجمهور العربي بنصديق من خلال المسلسل التلفزيوني “دموع الرجال” لمخرجه حسن غنجة، وبذلك يكون هذا الفيلم قد قدّم للمسابقة والجمهور ممثلة عربية عالمية من الطراز الاول، قدمت سلسلة من الافلام الناجحة منها: طاكسي، الزمان العاكر، أرض الجموع.
أما الممثلة الايرانية الشابة كلشفيتة فراهاني (28 عاما)، فهي واحدة من ممثلات السينما الاستثنائيات في مجالات السينما الايرانية والعالمية، فقد أكدت حضورها ممثلة من خلال فيلمها “شجرة الأجاص” إنتاج عام 1997، للمخرج داريوش مهرجويي، كما حازت جائزة أفضل ممثلة في ثلاث قارات بمهرجان نانت بفرنسا، وحصلت على لقب أفضل ممثلة في الدورة السادسة عشرة لمهرجان (فجر) السينمائي الدولي بطهران عن أول دور لها في السينما عندما كان عمرها 14 عاما، وربما يكون اهم ما أنجزته في مجال السينما العالمية هو دخولها هوليوود بفيلم “كتلة أكاذيب” أمام النجمين الأميركيين ليوناردو دي كابريو وراسل كرو. وكما يبدو فإن فيلم “حجر الصبر” يقدم لنا نماذج عالمية من الممثلين، يضاف إليهم مخرج مغامر وموضوع ممتاز ينبذ الحرب والعنف والتطرف، ما يحقق له جودة المنافسة والاستقطاب الجماهيري.
أهمية هذا الفيلم إنه يعطي لمحة عن السينما الأفغانية المتراجعة، بسبب النزاعات ونقص التمويل، على الرغم من وجود 23 دار سينما في العاصمة كابول، وعلى الرغم من أنها تملك أسماء كبيرة في هذا المجال من بينها المؤلف والمنتج والمخرج سالم شاهين الذي قدّم للسينما نحو 40 فيلما، آخرها فيلم ممتاز بعنوان “دين” ويتمحور حول فكرة الموت والانتقام.
«قيصر يجب أن يموت».. مخاتلة شكسبيرية من الواقع الإيطالي
مع نهاية تدريبات الممثلين السجناء على مسرحية شكسبير يوليوس قيصر، على خشبة أحد السجون في روما، وانحسار الإضاءة عن الممثلين وهم يعودون الى زنزاناتهم، نكتشف ملامح الفيلم الايطالي “قيصر يجب أن يموت” في 76 دقيقة بترجمة إنجليزية، من إخراج الأخوين المخضرمين باولو تافياني وفيتوريو تافياني (كلاهما في العقد الثامن من عمره)، والذي سيتابعه جمهور المهرجان ضمن برنامج عروض السينما العالمية. أما سيناريو الفيلم فيعالج باختصار عالم وأسرار السجون والسجناء وعذاباتهم وأحلامهم في محيط ضيق. وقد تم تصوير الفيلم بطريقة الأعمال الوثائقية (دراما وثائقية)، وقام بتجسيد أدواره الرئيسية: كوزيمو ريجا، سافاتور ستريانو، جيوفاني أركوري. فيما استوحيت فكرة الفيلم عن مسرحية شكسبير وما تحمله من أحداث مثيرة عن التاريخ الروماني الشهير.
تكمن أهمية الفيلم في مادته ذات الصلة بالواقع لمساجين في سجن (ربيبيا) المشدد الحراسة، ومشاركة سجناء حقيقيين فيه زاد من حدّة الدراما التي تصورها مسرحية يوليوس قيصر.
أحد جماليات هذا الفيلم أن أحداثه لم تتعرض بشكل مباشر الى جرائم السجناء، وخطر عصابات المافيا، بقدر ما اهتمت بالحالة السينمائية للشخصيات التي انغمست بقوة في أداء أدوار مسرحية يوليوس قيصر، بما يحيطها من صداقات وخيانات ومؤامرات وسلطة وعدم أمانة وخداع للشعب، في توليفة سينمائية تجمع ما بين دراما المسرح ولغة الصورة السينمائية، التي عكست جانبا من التحليل النفسي للشخصيات وسط أجواء خشنة رمادية، عكست المستوى الاجتماعي لكل شخصية. ولك أن تتخيل مدى أهمية الأزياء والموسيقى والديكورات في صناعة هذا الفيلم، الذي يجعلك تحبس الأنفاس وأنت تتابع المفارقة الدرامية التي تصنعها الأحداث لمساجين يجسدون تعاستهم في مسرحية وفشلهم في الحياة وراء القضبان الحديدية بعد أن يكتشفوا في النهاية مدى التشابه بين واقع كل واحد منهم وبين أحداث المسرحية. لن يرى المتفرج أزياء تاريخية لملوك واباطرة من تلك التي إرتداها أبطال مسرحية يوليوس قيصر، لكنه سيرى ملابس عصرية تصنع ذلك الانفصال النقدي المباشر الذي قصده الإخراج، بل إن الشخصيات قد تضع سيفا أو خنجرا في بنطلون الجينز، فلا تستغرب وانت ترى يوليوس وهو يرتدي (تشيرت) أبيض، بينما يرتدي ماركوس أنطونيوس (تيشرت) أسود، الى جانب المناظر المدهشة، حيث تتحول ساحة السجن الى ما يشبه المدرجات الرومانية، فيما ستتماهى الشخصيات الشكسبيرية مع السجناء، هكذا يتداخل المسرح مع السينما، والواقع المعاصر مع التاريخ، فيما يلتقي الجميع تحت فكرة نبذ الخيانة والمؤامرات والعنف والدّم، وهي ملامح اصبحت معتادة في حياتنا هذه الأيام.
يتضمن الفيلم مشاهد من تجربة المخرج فابيو كافللي الذي قرّر إخراج مسرحية يوليوس قيصر مع معتقلي السجن الايطالي الذي يمضي بعضهم حكما مؤبدا، بتركيز خاص على الأحاسيس الانسانية للسجناء ومدى إدراكهم مفاهيم الصداقة والوفاء، وذلك عبر تجربة الأداء المسرحية، وربما يشكل هذا التقاطع بين المسرح والسينما، أهمية أخرى لتركيبة هذا الفيلم الذي تم تصويره الى حد بعيد بالاسود والابيض، وهو ما أضفى بعض البرودة المفصودة على مناظره، مع جزء كبير من الألوان، تمتعه بحس سيكولوجي مذهل، مع توافر الكثير من لحظات الدعابة.
ووصف بعض النقاد الفيلم بأنه “فيلم إنساني عميق، يمزج بروح حلوة مريرة المرح والدعابة الرقيقة بضربة عاطفية”.
«بريق» ويتني هيوستن.. بروح تركية
ضمن برنامج “عروض السينما العالمية” يتابع جمهور المهرجان في 15 الجاري واحدا من أجمل وأمتع الأفلام الدرامية الموسيقية الاستعراضية للمخرج التركي العالمي المعروف سليم أكيل بعنوان “بريق”، بعد أن حقق نجاحات ساحقة في دور السينما الاميركية والارجنتينية والفرنسية والاسترالية والنيوزيلاندية والبرازيلية والبرتغالية. وتكمن أهمية هذا الفيلم في أنه يعيد لأذهان الجمهور رحلة ومسيرة نجمة البوب الأميركية السمراء الراحلة ويتني هيوستن، والشريط الذي تصل مدته الى 116 دقيقة من إنتاج أميركي، يعيد تصوير الكوميديا الموسيقية (سباركل) التي ظهرت عام 1976، ويشبه في موضوعه الى حد كبير حياة النجمة المحبوبة هيوستن التي رحلت عن 48 عاما في ظروف غامضة (توفيت في 12 فبراير 2012)، بعد أن تربعت على عرش موسيقى البوب في الثمانينيات والتسعينيات، حققت خلالها شهرة عالمية، باعت خلالها نحو 170 مليون ألبوم، ونالت ست جوائز غرامي طوال مشوارها الفني الذي بدأته عام 1985، وقدمت خلاله للسينما جملة من الافلام الموسيقية والدرامية الناجحة من بينها فيلم بعنوان “الحارس”، وكان أهم ما في مشوارها الغنائي أنها نجحت في التأثير على جيل كامل من المغنيات الأميركيات وغيرهن، بعد أن جددت في أساليب الغناء (الأفرو ـ أميركي) وجعلت منه موضة عالمية، وقد حازت أجمل لقب يمكن أن تحصل عليه مغنية من النقاد بعد أن وصفوها بأنها تملك أجمل حنجرة في العالم. من أجمل أغنياتها التي سيتمتع بها جمهور الفيلم أغنية بعنوان (هاي آي ويل نو) و(سايفينغ أول ماي لوف فو يو) و(آي ويل أولويز لوف يو).
أما هذا الفيلم الذي بلغت تكلفة انتاجه نحو 17 مليون دولار، فيتحدث في إطار إنساني عن الانحدار الذي عاشته ثلاث شقيقات في حي (هارلم) الشهير، وذلك بعد أن أصبحن نجمات مشهورات في مجال الغناء، ولكن كما نرى في الشقيقات الثلاث اللواتي صورهن الروسي أنطون تشيكوف في مسرحية، يعشن حياة متأزمة متهالكة بسبب المخدرات وعدم القدرة على التكيّف مع عالم النجومية. أما قصة الفيلم، فتصور الشقيقات الثلاث وكيف بدأن الغناء بالمشاركة في كورال الكنيسة، وكيف نجحن في تكوين فرقة غنائية ناجحة، وكيف سقطن بعد هذا النجاح المفاجئ. يشارك هيوستن بطولة الفيلم كل من: جوردين سباركس، كارمين إيجوجو، مايك إيبس، سي لووديريك، لوك ويريلي إيفانس، مايكل بيتش، وسيناريو مارا بروك أكيل، وهوارد روزينمان وليندا بوسطن.
وهذا العمل الموسيقي الفائق الجودة نصا وإخراجا وتمثيلا وتقنيات سينمائية، هو فيلم ويتني هويستن بكل المقاييس، والتي ما زالت واقعة وفاتها موضع الشك. في الفيلم تلعب هيوستن دور والدة (سباركل) الأخت الصغرى النابغة موسيقيا وثقافيا، وهي في هذا الدور لا تعترف بهذا النبوغ ولا تشجعه. يمتاز الفيلم بخصوصية في مجال الغناء، بحيث يطرح أغانيه من الفيلم الأصلي الذي كتبه الموسيقار كورتيس مايفيلد، وفي توزيع جديد، فيما يكرّس الفيلم لذكرى نجمة البوب هيوستن، من خلال استثمار روح بعض أغانيها ضمن الموسيقى التصويرية لهذا العمل الكبير الذي يحمل فسحة جميلة من الغناء المنطلق مع قصة درامية تبرز معاناة الفنان، كما يجعلك تعيش مع أغان نابضة بالحياة، تدفعك الى الحركة والشعور بالحياة، ويعود ذلك للمخرج سليم أكيل المعروف باهتمامه بصناعة أفلام إنسانية بالدرجة الأولى مع الاهتمام بتقنيات الصورة الفائقة الجودة.
تكمن أهمية هذا الفيلم في أنّه ينجح في إعادة ويتني هيوستن المولودة عام 1963 إلى عالم التمثيل بعد آخر عمل قدمته للسينما عام 1996 بفيلم حقق لها شهرة عالمية بعنوان “زوجة المبشّر” (أو زوجة القس)، إضافة الى ما يتمتع به من روح موسيقية في إطار تراجيكوميديا لا تخلو من المشاعر الانسانية وتصوير الاحلام الضائعة، وأداء عال القيمة، مضافا الى كل ذلك تلك الروح الشرقية التركية التي يبثها المخرج سليم أكيل في هذا الفيلم وأعماله السينمائية بوجه عام، والتي تحقق إيرادات عالية في شباك التذاكر، وهذا قلما يحدث مع مخرج أجنبي، فهو صاحب واحد من أهم الأفلام الكوميدية بعنوان “القفز في الهواء” بطولة النجمة الحسناء أجيلا باسيت وبولا باتون ولاز ألونسو.
إذا كنت من محبّي السينما الراقية، فإنك ستجد في فيلم “بريق” متعة إضافية بمشاهدتك لمجموعة من الفتيات الحالمات في مشهدية بصرية رائعة وهن يبحثن عن أحلام ضائعة كما يحدث لكثير من الناس في هذه الحياة القاسية، فهنا مادة سينمائية حقيقية على مستوى الدراما والأداء والغناء والصراع الانساني في طبعة جديدة من الفيلم الذي قامت بأدائه إيرين كارا عام 1976.
عمر الشريف يستعيد دراما التاريخ في «لورانس العرب»
بعد أن أتحفنا الفنان العالمي عمر الشريف بفيلمه “المسافر” الذي عرض في إطار الدورة الرابعة من مهرجان أبوظبي السينمائي، يعود هذه المرة بواحد من أهم أفلامه من روائع كلاسيكيات السينما العالمية، بل ومن أشهر الافلام في تاريخ السينما على الاطلاق “لورانس العرب” بعد ترميمه، ورشح من خلاله لجائزة الأوسكار عن أفضل دور مساعد. ومن المقرر أن يتابع جمهور المهرجان أحداث هذا الفيلم الذي تمّ إنتاجه عام 1962، للمخرج البريطاني الكبير ديفيد لين (صاحب فيلم “جسر على نهر كواي”)، ضمن عروض برامج خاصة في 19 الجاري.
هذا الفيلم الذي قام بأدواره الرئيسية كل من بيتر أوتول وأنطوني كوين وأليك جينيس، يذكرنا بحقبة صنعت فيها السينما أجمل أفلامها وروائعها الخالدة. وقد جرى تصوير أحداث “لورانس العرب” التي صاغها في دراما مؤثرة الكاتبان دافيد بولت ومايكل ويلسون، ما بين الصحراء الاردنية وأماكن في المغرب وإسبانيا. واستندت كتابة السيناريو والحوار على كتاب توماس إدوارد “أعمدة الحكمة السبعة” الذي يروي قصة الثورة العربية الكبرى، وأحداث الحرب العالمية الأولى وتأثيرها على المنطقة العربية، واستغلال المخابرات البريطانية لأحداث المنطقة عبر لورانس.
وقد عرضت النسخة المرممة من الفيلم التي أنجزتها شركة “سوني بيكتورز آنترتاينمنت” في مهرجان كان السينمائي، بمناسبة العيد الخمسين لإصدار الفيلم الذي يعد واحدا من التحف والروائع من نتاجات السينما العالمية. ونظرا لأهمية هذا العمل فقد عرضه مهرجان كان ضمن كلاسيكياته عام 1989، ثم أعاد عرضه ثانية ضمن فعاليات سينما الشاطئ عام 2009 يحكي الفيلم باختصار قصة الملازم الانجليزي لورانس الذي يكلّف بمهمة من قبل السلطات البريطانية لمساعدة العرب في حربهم لتحرير بلادهم من العثمانيين، كما يلقي الفيلم الضوء على الخلافات القبلية بين العرب في تلك الفترة، مع إبراز العديد من القيم والتقاليد للبدو.
من المهم جدا أن يكون ممثل كبير من نجوم الستينيات بحجم عمر الشريف (77 عاما) واسمه الحقيقي، موجوداً عبر فيلم سينمائي بهذا الثقل، فهو سواء حضر بشخصه أم ل، فهو يمثل قيمة كبيرة للسينما العربية قبل السينما العالمية التي قدّم لها “دكتور زيفاغو” ونال عنه جائزة الجولدن جلوب عام 1966 كأفضل ممثل، و”فتاة مرحة” و”الرولزرويس الصفراء” و”الثلج الأخضر” و “بذور التمر الهندي” و”الوادي الأخير” و”النمر الوردي يضرب مجددا” و”السّر” و”نداء الموانئ” و”عبور الصحراء” وغيرها من الافلام التي جددت حيوية سينما الاعمال الرومانسية التي كان جديرا بها أمام أجمل فاتنات السينما، نظرا لحضوره الطاغي، وقدرته على امتلاك القلوب بشخصيته الهادئة. ولا ننسى أجمل ما قدمه الشريف للسينما المصرية من بين 26 فيلما، أهمها “صراع في الوادي” و”سيدة القصر” و”نهر الحب” و”صراع في الميناء” و”أيامنا الحلوة” و”أيوب” و”المواطن مصري” و”الأراجوز”.
لقد حقق الشريف شهرته العالمية وعمره 30 عاما من خلال هذا الفيلم الذي أدخله ساحة المشاهير، ومعه الممثل المصري جميل راتب الذي قام بدور ماجد، بحيث مثّل الفيلم قيمة فنية عظيمة بمضاهاة أفلام كبيرة ومهمة مثل: ذهب مع الريح، المواطن كين، كازابلانكا، والعرّاب.
يتمتع الفيلم بجماليات تصوير رائعة مثل صحراء وادي رمّ الاردنية، ومدن مغربية تعد والنموذج الشرقي لهوية المكان مثل: ورزازات، الصويرة، ازيلال وغيرها، بحيث إحتلت مناظر هذه المدن مساحة كبيرة من المناظر الطبيعية بدلا من الديكورات الصناعية في هوليوود، ولعبت الكاميرات دورا مميزا في تجسيد وقائع أحداث الفيلم التي يجري معظمها في الصحراء، واستغرق تصوير الأحداث لمدة عام كامل بتكلفة وصلت الى 15 مليون دولار. وقد سجل “لورانس العرب” في المرتبة السابعة في تصنيف أفضل الأفلام المائة لمعهد (أميريكان فيلم إنستيتيوت)، كما حقق 7 أوسكارات كأفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل تصوير وإدارة فنية، وأفضل صوت وموسيقى للفنان موريس إدجار.
عمر الشريف المولود في الاسكندرية عام 1932، يفاجئ المتبعين في آخر تصريح له حول النجومية إذ يقول: “الشيء الوحيد الذي ندمت عليه في حياتي هو رحلتي مع النجومية والعالمية فكم تمنيت لو تعود عقارب الساعة الى الوراء كثيرا، حتى أرفض بشدّة رحلة النجومية والشهرة التي أنفقت خلالها دون أن أدرك سنوات شبابي وعمري”.
«المواطن» خالد النبوي بمقاييس أميركية
ربما يكون أهم ما يحيط بفيلم “المواطن” للمخرج الأميركي من أصل سوري سام كادي وسيناريو وحوار جازمين دارنيل براون وسامر يونس ووسام القاضي، هو تسجيل الممثل العربي خالد النبوي نفسه في سجل “العالمية”، من خلال هذا الفيلم الذي سيشاهده جمهور المهرجان في الرابع عشر من الشهر الجاري، ضمن منافسات آفاق جديدة، وهو من إنتاج أميركي في 99 دقيقة. ما يلفت الانتباه في اسم الفيلم أنه يتطابق مع العديد من أسماء الأفلام العربية والأجنبية منها على سبيل المثال فيلم بعنوان “المواطن مصري” من بطولة النجم العالمي عمر الشريف، وإنتاج عام 1991 لمخرج الواقعية الراحل صلاح ابوسيف، وشارك الممثل خالد النبوي بدور مهم في هذا الفيلم، وأيضا فيلم “المواطن كين”، الذي يعد مرجعا للسينمائيين في مجالات فنون السيناريو والتصوير والمونتاج وتكامل عناصر صناعة العمل الدرامي، وهو من إخراج ويلسون ويلز. ويعتبر فيلم “المواطن” الثالث بالنسبة للنجم خالد النبوي في السينما العالمية، بعد أن قدّم لها فيلم بعنوان “مملكة الجنة”، مع المخرج الكبير ريدلي سكوت، وفيلم “اللعبة العادلة” مع المخرج دوج ليمان وسيناريو وحوار جير بتاورس، وحقق شهادات نقدية طيبة أثناء عرضه في مهرجان كان السينمائي عام 2010، وإن كان مثل هذا الفيلم قد جرّ على خالد النبوي العديد من التهم، من بينها تهمة التطبيع بعد أن شاركته في هذا الفيلم ممثلة إسرائيلية هي ليراز شارهي.
وقد حقق فيلم “المواطن” جائزة أفضل فريق عمل بمهرجان بوسطن السينمائي الدولي في الولايات المتحدة الاميركية مطلع العام الجاري، بعد عرضه ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، وحظي بإهتمام وإعجاب نقدي وجماهيري كبيرين، كما حقق للنبوي نجومية خاصة بعد أن انفرد بالبطولة المطلقة لأول مرة. أما أحداثه فتحكي قصة شاب عربي فاز مصادفة ببطاقة (جرين كارد) أهلته للوصول الى بلاد الحلم الأميركي، ومع تصادف حدوث تفجيرات 11 سبتمبر، فيواجه العديد من المشكلات غير المتوقعه، الى جانب ما يكتشفه من هوّة حضارية ضخمة بين ثقافتي الشرق والغرب، كما تبرز أحداث الفيلم تاثيرات تلك التفجيرات التي أطلقت صفة الارهاب على كل مواطن أميركي من أصل عربي، وكذلك تأثيرها على الزوار والسياح العرب. شارك النبوي بطولة هذا الفيلم كل من ويليام أثيرتون، أجنيس بروكنر، كاري إيلوس وريزوان مانجي.
“المواطن” هو فيلم مهرجانات بكل المقاييس، سواء لجانب موضوعه، أو جوانب كثيرة تتعلق بالتمثيل والتقنية والحرفيات السينمائية في مجال التصوير والمونتاج وإدارة الممثلين، والاخراج المحترف، وهذا ما جعله في قائمة الطلب الدائم من قبل المهرجانات السينمائية العالمية، حيث ينتقل مباشرة بعد مهرجان ابوظبي السينمائي الى عروض تنافسية في الدورة الحادية والعشرين من مهرجان هارتلاند السينمائي الدولي بأميركا الشمالية. من جانب ثان يمكن القول إن هذا الفيلم حقق بنجاحه ثنائية جديدة لسينما مشتركة، سينما يؤكد فيها العرب على حضورهم من خلال الكتابة والتمثيل والتواصل مع تجربة السينما العالمية المتقدمة بثقة.
خالد النبوي الذي يعتبره النقاد واحداً من أهم اكتشافات المخرج الراحل يوسف شاهين، هو خريج المعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة عام 1989، قدّم للسينما العربية ما يزيد على عشرين فيلما من أهمها: المصير، المهاجر أمام الممثلة يسرا، فتاة من إسرائيل، لعبة عادلة، المسافر، تايه في أميركا، كما عرفه جمهور الدراما التلفزيونية من خلال أهم أدواره في مسلسل “حديث الصباح والمساء” عن قصة الاديب العالمي نجيب محفوظ.
نافس فيلم “المواطن” أفلاما قوية في مهرجان بوسطن السينمائي، وينتظر منه أن ينافس بقوة في الدورة الحالية من مهرجان ابوظبي السينمائي، فهو يمتلك إمكانات كبيرة على كافة المستويات، فما يحققه الفيلم من إتقان حرفي، وسيناريو مشوّق يهم المتفرج العربي على وجه الخصوص، يجعل منه محط الانظار من قبل النقاد والجمهور ولجنة تحكيم المسابقة، ثم إن معاصرة وحداثة موضوعه تدفع به الى حلبة جوائز المسابقة بقوة. أما بالنسبة للجمهور فسيحصل على متعة إضافية بمشاهدة ممثل عربي يحتل نجومية في السينما الاميركية التي تكاد تكون محتكرة لنخبة من النجوم وشركات الانتاج.
المقربون من النجم خالد النبوي الذي يتقن اللغتين الانجليزية والفرنسية يعرفون أنه خجول جدا في حياته الشخصية، وجريء جدا في أدائه للأدوار الصعبة المركبة، مثل دوره المميز في فيلم “المصير”، وكذلك دوره في “المواطن” حيث وصفه بعض النقاد الاميركيين بأنه يسير بقوة على خطى مواطنه عمر الشريف. كما نال النبوي خلال مسيرته الفنية العديد من الجوائز من اهمها جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “المهاجر” من مهرجان جوهانسبيرغ السينمائي الدولي عام 1995، كما نال شهادة تقدير من جمعية فن السينما عن الفيلم نفسه، كما حصل على جائزة السينما المصرية كأفضل ممثل عام 1998 عن دوره في فيلم “المصير”.
الاحتفالية الجزائرية: تاريخ الثورة السينمائي
مثلما كانت “الثورة الفرنسية” ملهمة للكتّاب والأدباء والفنانين والمبدعين في فرنسا والعالم، كانت “الثورة الجزائرية” كذلك، مضافا الى هذا اشتغالها ضمن منظومة جادة تعمل على الذاكرة الجمعية وتمجيد الثورة التحريرية، التي مكّنت الجزائريين من استعادة صورتهم العربية التي عمل المستعمر على تشويهها وتخريبها. كان مهمّا الحديث عن هذه السينما التي تحمل إشكالياتها، ليس لأنها ضيف شرف مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته السادسة، ولا لأنها تحتفل بمولدها الخمسين بعد الاستقلال، وما أنجزته خلالها من أعمال جريئة، ولكن لأنها تتميز عن سائر التجارب السينمائية في الوطن العربي في ثقافتها ورؤيتها وتجربتها. فقد ولدت في قلب (معركة التحرير) وكان هاجسها الأول خلق سينما تواكب مسيرة حرب التحرير التي بدأت في أكتوبر عام 1954، وقدّمت لنا أعمالا ومخرجين حققوا حضورهم اللافت على مستوى المهرجانات الدولية، بجانب نجاحها في تحرير الانتاج السينمائي من الاحتكار والمتاجرة.
ما يلفت الانتباه أن صورة السينما الجزائرية في المهرجان، متكاملة على مستوى أجيال المخرجين، ومضمون الأفلام التي تناولت الثورة ورموزها، ومواضيع أخرى من داخل الشارع المحلي، وافكار تتناول قضايا الحياة السياسية والمجتمع الجزائري وتحديات الثقافة الجزائرية. وربما يكون أهم ما في هذه التظاهرة الثقافية ما تجسده أعمال أهم مخرجين في هذه السينما، أولهما أحمد راشدي (صاحب فيلم “تحيا الجزائر”) بفيلمه “الأفيون والعصا” إنتاج عام 1969، في رؤية سينمائية للتاريخ مقتبسة عن رواية للكاتب المولود معمّري. وثانيهما محمد لخضر حامينا بفيلمه “وقائع سنوات الجمر” إنتاج 1975، الذي منح الجزائر والعرب السعفة الذهبية الوحيدة في مهرجان كان السينمائي الى اليوم. صحيح أن المخرج الراحل يوسف شاهين منح (سعفة خاصة) من المهرجان عام 1997، لكنها جاءت تكريمية عن جملة أعماله، ولا تتعلق بفيلم واحد، وحصل عليها لمناسبة عقد الدورة الخمسين للمهرجان، ولهذا بحسب النقاد اكتسبت صفة (الإحتفالية) لا الطابع الفني، كما نال شاهين جائزة المهرجان الكبرى عام 1951 عن فيلمه “ابن النيل”، وكرر الفوز بذات الجائزة عام 1954 عن فيلمه “صراع في الوادي”، وفي السياق نتذكر مخرجين عربيين آخرين في مهرجان كان، هما اللبناني مارون بغدادي عام 1991 عن فيلمه “خارج الحياة”، والفلسطين إيليا سليمان عام 2002 بفيلمه “يد إلهية”، وقد نال كلاهما جائزة لجنة التحكيم الخاصة، لتظل السعفة الذهبية عربية بيد الجزائري حامينا، الذي قدم للسينما أهم أفلامه أيضا بعنوان “رياح الأوراس” عام 1967، والذي أطلق العنان للسينما الجزائرية ونجاحاتها، وكان فيلما نضاليا ثوريا عكس صورة هذه السينما في العالم، كما كان مفتاحا لجماليات السينما في أكثر الافلام الجزائرية احتراما وتقديرا “وقائع سنوات الجمر” التي يعدّ بحق علامة وبصمة في تاريخ السينما الجزائرية والعربية. وربما يكون هذا الفيلم وغيره من الافلام المميزة، مضافا إليها جهود السينمائيين الجزائريين الواضحة في بناء سينما طليعية، قد قادت الدولة الى تبني جملة من المهرجانات السينمائية منها المهرجان الدولي للفيلم العربي في وهران، ومهرجان تاجيت الذهبي للفيلم القصير.
وفي الاحتفالية الجزائرية أفلام لمخرجين مؤثرين مثل موسى حداد بفيلميه “حرّاقة بلوز” ضمن مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، و”عطلة المفتش طاهر” ضمن برامج خاصة، وفيلم “عطور الجزائر” للمخرج رشيد بلحاج، ضمن منافسات مسابقة الافلام الروائية الطويلة، وفيلم “الجزيرة” للمخرجين ياسين بوعزيز وأمين سيدي بوميدين، و”صبيحة يوم منهك” لسونيا دياما، و”باب الواد سيتي” لمرزوق علواش إنتاج فرنس جزائري مشترك، ويعرض ضمن برامج خاصة، هذا الى جانب مشاركة الجزائر في إنتاج فيلم بعنوان “معركة الجزائر” للمخرج الايطالي جيلو بونتيكوفو إنتاج عام 1966، فائز بجائزة الدّب الذهبي لمهرجان برلين السينمائي، ورشح لجائزة الأوسكار لثلاث مرات، وأثار جدلا واسعا في فرنسا التي منعت عرضه الى غاية عام 2004، وليصبح بعدها فيلم المهرجانات المعبّر عن روح وثقافة السينما الجزائرية.
كما تضم قائمة الأفلام المخصصة لسينما الجزائر في المهرجان فيلم بعنوان “زد” للمخرج الفرنسي اليوناني الأصل مؤسس السينما السياسية كوستا جافراس (صاحب أفلام: الى الغرب من عدن، المدينة المجنونة، علبة الموسيقى)، إنتاج مشترك بين الجزائر وفرنسا واليونان، ويعرض ضمن برامج خاصة، ويتحدث عن قاضي تحقيقات مكلّف بالتحقيق في ملابسات جريمة قتل أحد النشطاء السياسيين. نختار، هنا، فيلم “وقائع سنوات الجمر” إنتاج عام 1974، في 155 دقيقة، للمخرج محمد لخضر حامينا، وسيناريو وحوار توفيق فارس ورشيد بوجدرة، ليس لفوزه بالسعفة الذهبية، ولكن لموضوعه الذي يروي قصة المجتمع الجزائري بين أعوام 1939 و1954، مرورا بمراحل تاريخية تروي حالة الجفاف الرهيب الذي اصاب الأراضي الزراعية، الذي دفع الفلاحين والقرويين الى أكبر هجرة تشهدها الجزائر الى المدن، كما يتناول الفيلم الحياة القبلية في جبال وصحراء الجزائر، التي تحولت الى ساحة قتال مريرة ضد المستعمر لنيل الحرية والاستقلال. باختصار يقرأ الفيلم بمفردات سينمائية احترافية وفرجة بصرية مدهشة تاريخ الجزائر النضالي من خلال تتابع وعرض الأحداث والحقب التاريخية التي قادت الى الثورة الجزائرية العظيمة، ليدخل هذا الفيلم بعد ذلك دائرة كلاسيكيات السينما العالمية.
الفيلم يعبق بلغة سينمائية متميزة، ويحمل تقنيا قدرة على جعل الكاميرا تتسلل الى داخل الأحداث والاماكن وتبرز هويتها، كما تبرز هوية وشخصية المناضل الجزائري الذي قهر الصحراء والمحتل. يقول حامينا عن فيلمه هذا: “أنا لم أصنع فيلما تاريخيا، فيلمي هذا ليس سوى رؤية شخصية، وإن كان يستند الى وقائع محددة، ولم أزعم ابدا تقديم رؤية شاملة لما كانت عليه الجزائر خلال الفترة التاريخية التي أتحدث عنها، خصوصا أنني أنا شخصيا كنت خلال تلك الفترة أعيش منزويا في قرية صغيرة، في تلك الآونة لم يكن لدى الفلاحين وعي سياسي بالمعنى الذي يمكن أن نفهمه اليوم، كان هناك، وكما يمكنني أن أذكر احتجاحاً وثورة، وكان المستعمر يعرف كيف يسيّر هذه الأحاسيس وما ينتج منها من أفعال في قنوات قبلية”.
يذكر أن لخضر حامينا من مواليد عام 1934، في مدينة المسيلة الجزائرية، العديد من الأفلام المهمة منها: حسان تيرو ديسمبر عام 1972، الصورة الأخيرة ، وريح الرمال عام 1982.
( الاتحاد الثقافي )