“الهواء ثلثا زجاجتي .. ونديمي البحر” للشاعر حنا حيمو



( ثقافات )


 


ينحاز الشاعر السوري المقيم في العاصمة السويدية ستوكهولم في مجموعته الشعرية الصادرة مؤخراً عن دار نون للنشر والتوزيع في إمارة رأس الخيمة بالإمارات العربية المتحدة لقصيدة النثر في أول إصدار شعري له بعد مسيرة طويلة مع قصيدة التفعيلة، حيث جاءت المجموعة الشعرية “الهواء ثلثا زجاجتي .. ونديمي البحر” محملةً بثلاثِ وثلاثينَ نصاً شعرياً تنتمي جميعها لقصيدة النثر، فاتحاً بذلكَ طريقاً جديداً له مع قصيدة النثر التي يعتبرها أكثر رحابةً واقل قيوداً، والأكثر شاعرية في التعبير في مقابل التفعيلة التي يأتي الوزن والإيقاع الموسيقي فيها على حساب الشاعرية.



المجموعة الشعرية التي هي باكورة إصدارات دار نون الإماراتية في رأس الخيمة، والتي استكملتها الدار بمجموعة من الإصدارات لعدد من الكتاب والشعراء العرب المقيمين معظمهم في المهجر، جاءت في 132 صفحة من القطع المتوسط، صمم غلافها الشاعر سعد الياسري فيما زين غلافها لوحة للفنان التشكيلي سعد عباس وفي الخلفيّة صورة بعدسة الفوتوغرافي عادل عبّاس، كُتبت قصائدها في العاصمة السويدية ستوكهولم ما بين عامي 2011 و2012، يهديها الشاعر لشقيقه فهمي “أخر الزيت في قنديل أهلي” كما جاء في أولى صفحاتها.



المجموعة تنتمي إلى التأملات الشعرية المكثفة نصاً، ليست فقط مجموعةً من النصوص الشعرية المتميزة بإبداعها ورؤيتها المتميزة للواقع، بل هي أكثر من ذلك، فهي تحملُ الكثيرَ من الرؤى الفلسفية استطاع الشاعر أن ينسجها في بناء القصيدة بطريقته الخاصة والمتميزة التي لها خطّها ورؤيتها ولونها وتميزها الفريد، كما يحضر الرمز التاريخي والفلسفي بقوة في نسيج القصائد، مانحاً إياها جماليةً عاليةً لم تأتِ على حساب شاعرية النص أو انسابيته، بل إضافة جمالية رغم التكثيف العالي في شكل النص وتكنيك بنائه.



وتنطوي المجموعة الشعرية أيضاً على نقد عنيف، ومحاولة للتمرد على القولبة النمطية، كما تطرح أسئلةً حيوية ومصيرية تطال مناحي متنوعة في الحياة وتغوص في عمق فلسفة الحياة والذات، وهناك تمرد واضح ما بين سطور النصوص كما هنالك شخصيات واضحة الملامح.


يمكن وصف المجموعة الشعرية الأولى لحيمو بأنها حملت خصوصية ذاتها، حيث امتلك صوته الخاص الذي ميزه، فكان شاعراً واثقاً من شاعريته وأفكاره ورؤاه وأدواته، وبرزت قدرته على توظيف الصور والاستعارات وأحياناً الطباق والجناس، ما جنب الكثير من القصائد رتابة الوصف والسرد.
ينحاز الشاعر بشكلٍ واضح لمضمون القصيد وبنائها الفكري على حساب الموسيقى الشعرية التي تحضر أيضاً في مواضعَ عدة، وتشيرُ لشاعرٍ متمكنٍ من أدواته، منحازٍ لشاعرية قصيدته ومضمونها بالتساوي، وتتنوع القصائد أيضاً في موضوعاتها ما بين التأمل، العبث، التوق، الشوق، واستحضار الذاكرة والحالة الإنسانية بتأملات يرافقها وفاءه لأصدقاءه الذين تأثر بهم وتأثروا فيه، موثقاً هذه التأثرات من ناحيته في المجموعة والتي تظهر بشكل اضح كما في قصيدة “هباء عن عبث إبراهيم عبد الملك” متأثرةً بقصيدة عبث للشاعر العراقي المقيم في السويد إبراهيم عبد الملك، أو في قصيدته المهداة إلى الشاعر فرج بيرقدار والشاعر كريم راهي.


جدير بالذكر أن الشاعر السوري حنّا حيمو يقيم في مملكة السويد منذ ما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً، ظلّ خلالها وفياً لتراثه الشرقي ولغته العربية، فإلى جانب الشعر، فإن حيمو يعزف على معظم الآلات الموسيقية ويؤلف ويلحن ويوزع الموسيقى الشرقية.

شاهد أيضاً

فصل من سيرة عبد الجبار الرفاعي

(ثقافات)                       الكاتب إنسان مُتبرع للبشرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *