طاقات أردنية تتبارى في التمثيل السينمائي


ناجح حسن *

 تتبارى طاقات اردنية تمثيلية فيما بينها، ولكن هذه المرة ليس على صعيد ظهورها المعتاد من خلال الشاشة التلفزيونية، بل عبر شبابيك التذاكر في صالات السينما بالسوق المحلية.
ففي الفيلم الروائي الاردني الطويل المعنون ( لما ضحكت الموناليزا) لمخرجه الشاب فادي ج حداد، هناك أدوار متباينة لكل من: نادرة عمران، فؤاد الشوملي، تهاني سليم، نبيل كوني، هيفاء الاغا، حيدر كفوف، سهى النجار وسواهم في ادوار قصيرة لافتة.
كما يزخر فيلم (مملكة النمل) لمخرجه التونسي شوقي الماجري الذي انطلقت عروضه في الصالات المحلية الى جوار (لماضحكت موناليزا)، باسماء اردنية لامعة في حقل الدراما مثل: جميل عواد وصبا مبارك ومنذر الرياحنة وجولييت عواد، وهو ما شكل الفرصة للمهتمين وعشاق الدراما، المقارنة بين اداء نجومهم في الشاشتين التلفزيونية والسينمائية، والوقوف على اجتهاداتهم في تقديم الوان من اساليب التعبير الادائي عن قصص وحكايات محملة برؤى وافكار من داخل الواقع.
يحكي فيلم (لما ضحكت موناليز) الذي يعتبر اول اعمال مخرجه حداد الروائية الطويلة والذي يحمل شهادة الاخراج من معهد البحر الاحمر للعلوم السينمائية بالعقبة بعد ان قدم ثلاثة افلام روائية قصيرة، تلك العلاقة التي تجمع بين الفتاة الاردنية (موناليزا) والشاب حمدي العامل الوافد مصري الجنسية يقيم ويعمل في عمان، مثلما يطرح ايضا جملة من العلاقات الاتية من داخل نسيج ثقافة المجتمع الاردني.
وتنطلق احداثه بسرد بصري فتان ينهج اسلوبية السينما الصامتة وفي اللجوء الى اللقطات الفوتوغرافية المتعاقبة مع نزول عناوين الفيلم، وفيها يرسم المخرج بمهارة ابداعية الملامح الرئيسة لشخوصه في مواقف مليئة بالدعابة والاحداث المتباينة باحساس فني لافت في قدرته على الربط بين احداث الماضي والحاضر .
مثل هذا الموضوع السينمائي قلما عالجته السينما العربية بمثل هذه الفطنة من الاحاسيس والمشاعر ، فقصة الفيلم تحتشد بالتفاصيل البسيطة للمكان والعلاقات المتسامحة بين الناس وتبدو في تجليات ابعادها مثالا على التالف والود والانسجام رغم الاختلافات الشكلية وتنامي مشاعر البذل والوفاء والاخلاص .
رغم ايقاع الفيلم المتصاعد والتدرج في احداثه التي تروي جوانب من علاقة انسانية دافئة تفصح عنها سلوكيات شخصياته بشكل متقن في لحظات الاداء المقنع والمنطقي بمصاحبة توظيفات متينة لطاقات ممثليه خصوصا دور الممثلة نادرة عمران العميق والمدروس بدقة في القدرة على تجسيد نمط انساني صعب المراس بسلاسة التعبير الهاديء المقتصد، وهناك ايضا شريط الموسيقى الذي برع فيه الدكتور نجاتي الصلح وزميله عزيز مرقة وقدرتهما على النفاذ الى دواخل الشخصية على نحو يوحى بفهم رغباتها واحلامها وطموحاتها المتواضعة الذى يحتار فى أمرها المتلقي بين أفاقها الرحبة وفيما اذا كانت صادقة ومقنعة في طرح حجتها بمواقف تتميز بالجرأة والافتتان في احداث تتداعى الى ان تنتهي احداث الفيلم على نحو متماسك وحميم .
من ناحية ثانية، تشارك اسماء اردنية في اداء الادوار الرئيسة بالفيلم السينمائي الروائي الطويل (مملكة النمل ) لمخرجه التونسي شوقي الماجري، وهو من بين الأفلام العربية التي احتفت بعروضه صالات السينما المحلية في الوقت ذاته مع عروضه بصالات اكثر من بلد عربي.
يدور موضوع الفيلم المستمد عن سيناريو للمخرج والكاتب المسرحي الاردني خالد الطريفي بالشراكة مع المخرج الماجري، في بيئة فلسطينية تشهد على جذور الصراع العربي الاسرائيلي وتحولاته عبر التاريخ في اتكاء على موروث لعادات وتقاليد وانماط عيش لشخصيات رئيسة وجماعات في تحديها اليومي لممارسات وعسف الاحتلال الاسرائيلي.يكشف الفيلم عن صنوف من ظلم واستبداد الاحتلال الاسرائيلي وتنكيله اليومي بالناس هناك، مستعيدا محطات في تاريخ المنطقة وما شهدته من احتلالات جرت مقاومتها باساليب متعددة من الوان الصمود والمقاومة.
يقدم الفيلم حكايته في اندفاع يغلب عليه عنصر التحريض على خلفية لموسيقى والحان ونغمات حزينة وضعها المؤلف الموسيقي الاردني وليد الهشيم، حيث يفتتح الفيلم حكايته بمشهدية عريضة تصور خروج فتى فلسطيني من جوف شجرة معمرة تتوسط بيئة طبيعية خلابة يأخذ بالجري بعيدا عن احدى مداهمات الجيش الاسرائيلي، ثم تنزل عناوين الفيلم على جدار الفصل الذي اقامته اسرائيل كعازل يقيها من ضربات المقاومة، وايضا لتحقيق غايات ترمي الى ما هو ابعد من ذلك في الاستحواذ على فلسطين برمتها.
رغب صناع الفيلم في اثراء الاحداث الدرامية بافكار تنهل من الذاكرة والأساطير والموروث الشعبي والشفوي في حياة المجتمع الفلسطيني اليومية في سرديتها للشخصية المتمردة ضد الاحتلال والظلم والقهر، الى ان تصبح رمزا للمقاومة والشجاعة دون تمييز، سواء ان كانت هذه الشخصية عائدة لرجل او امرأة أو طفل ، رغم كل محاولات الاخضاع والترهيب بالسجن أو التشريد والقتل، فان تلك الشخصيات لم تكف عن الصمود وتصر على المضي قدما في فضح الاحتلال ومقاومته .
مثل تلك الرغبة الطموح التي كان الفيلم يبغي الوصول اليها، اضاعتها المعالجة السينمائية القاصرة التي كان يؤمل تصويرها بطاقة تعبيرية تراعي المنحى الشعري الكامن في نص السيناريو المجبول بالمعاني والأفكار الكبيرة، قبل ان تختلط على مخرجه صاحب تجارب عديدة في الفيلم القصير والمسلسلات التلفزيونية فطنة الاسلوبية التي تنافرت فيها الحدود الفاصلة بين ما هو عالق بالمخيلة أو الحقيقة.
يشار الى ان الفيلمين الروائيين الاردنيين: (كابتن ابو رائد) لامين مطالقة الحائز ممثل الدور الرئيسي فيه نديم مطالقة على جائزة أفضل في مهرجان دبي السينمائي، وفيلم (الشراكسة) لمحيي الدين قندور واضطلع بادواره الرئيسية محمد العبادي وعبدالكريم القواسمي ومحمد الضمور وجميل براهمة ورفعت النجار وابراهيم ابو الخير، حققا نجاحا واسعا لدى عرضه بالصالات المحلية، مثلما تجري الاستعدادات لاطلاق المزيد من عروض الافلام الاردنية في صالات السوق المحلية قريبا، ليطلع عليها المشاهد المحلي، بعد ان حققت حضورا نقديا واقبالا ملحوظا في الكثير من مهرجانات وملتقيات السينما العربية والدولية.

 

 

* ناقد وصحفي من الأردن

( الرأي )

شاهد أيضاً

العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية

(ثقافات) “طربوش أبو عزمي العلي”:   العلاقة بين الشخصية الحقيقية والروائية في مسلسل التغريبة الفلسطينية زياد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *