اشتهرت السيدة “اونغ سان سو كوي” بمعارضتها الطويلة وإقامتها لسنوات طويلة في السجن من قبل الحكم العسكري في بلادها برمانيا. وهي حائزة على جائزة نوبل للسلام على أساس أن نضالها ضد الدكتاتورية العسكرية اتسم دائما بـ”اللاعنف”، على طريقة المهاتما “غاندي” قبلها في الهند.
ويطلق عليها أنصارها لقب “السيدة” “سيدة رانغون”، هذا اللقب غدا مستخدما في الصحافة الدولية أيضا. والصحفي بيتر بونام، مراسل صحيفة “الاندبندنت” البريطانية في العديد من البلدان الآسيوية، يكرّس كتابه الأخير لسيرة حياة “اونغ سان سو كوب” تحت عنوان: “السيدة والطاووس”، سيرة حياة اونغ سان سو كوي” واسمها مركب من اسم أبيها “اونغ سان” وجدتها لأبيها “سو” واسم أمها معدلا “كوي”.
يأتي هذا الكتاب في سياق تعرف فيه برمانيا “تحركا اجتماعيا وسياسيا كبيرا بعد عقود من الجمود”، وحيث تشارك السيدة البرمانية ذات الشهرة العالمية في الحياة العامة لبلادها من جديد بعد سنوات السجن والإقامة الجبرية. وهي تترأس حركة سياسية تحمل تسمية “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية”.
إن سيرة حياة “السيدة” البرمانية تبدأ، كما يحدد المؤلف القول، مع سيرة حياة والدها “مهندس استقلال برمانيا الذي جرى اغتياله عندما كان عمرها عامين فقط”. ترعرعت “اونغ سان سوكوي” في الهند حيث كانت أمها تعمل كسفيرة لبلادها. وبعد دراستها المراحل الأولى في الهند انتقلت للدراسة في جامعة اكسفورد لتعمل بعد تخرّجها في الأمم المتحدة بنيويورك لمدة ثلاث سنوات. تزوجت من أستاذ جامعي بريطاني “مايكل اريس” وأنجبا طفلين.
لكنها “لم تنس أبدا أنها ابنه البطل الوطني لبرمانيا”. هكذا عاشت ،كما اختارت،بعيدة عن أطفالها وزوجها الذي توفي وهي بعيدة عنه أيضا. في شهر أبريل من عام 1988 عادت “اونغ سان سو كوي” إلى بلادها برمانيا كي تسهر على صحة أمها المريضة.
ولكنها لم تكن غائبة عن الشأن العام وعن الاهتمام بالعمل النضالي حيث كانت وراء حركة تمرّد شعبية كبيرة لم تعرفها برمانيا من قبل. ولم تتردد الحكومة العسكرية في وضعها رهن الإقامة الجبرية، الأمر الذي لم يمنع واقع أن الحركة السياسية التي تتولى قيادتها حققت انتصارا كبيرا في انتخابات عام 1990.
انتصار رفضت السلطات القائمة الاعتراف فيه. وفي عام 1991، كانت لا تزال رهن الحجز، لكنها نالت في تلك السنة جائزة نوبل للسلام. تتم الإشارة في هذا السياق أن “السيدة” أمضت أكثر من 15 سنة رهن الاعتقال والإقامة الجبرية، ونجت بـ”أعجوبة” من محاولتي اغتيال كانت قد تعرّضت لهما.
إن مؤلف هذا الكتاب يقدم فيه ثمرة خمس سنوات من البحث والتقصّي، كما يقول، التقى خلالها مرات بـ”السيدة” وبأصدقائها وأسرتها. وهو يركز على تبيين “اللحظات المهمة” في حياتها وما عرفته من “نجاحات” ومن “إخفاقات” وما عانت منه على الصعيد الشخصي. وتأكيده في جميع الحالات على تمسّكها الشديد بـ”التحرك السلمي” والابتعاد عن العنف، رغم “الثمن الكبير الذي دفعته ثمنا لذلك. ويصل المؤلف إلى حد القول أن السيدة “اونغ سان سو كوي” هي “أحد أكبر الشخصيات السياسية في القرن الحادي والعشرين”.
وإلى جانب سيرة حياة صاحبة هذه السيرة يمثل الكتاب بأحد وجوهه نوعا من التأريخ لبرمانيا، وبالوقت نفسه تأريخ لسيرة “اونغ سان” والد “السيدة”، والبطل الوطني المشهود له.
ويشرح المؤلف على مدى العديد من الصفحات الظروف التي رافقت استعمار برمانيا والمسار الذي تطورت فيه حركة النضال من أجل الاستعمار بعد ذلك. تلك المعطيات كلها وضعت أمام “اونغ سان سو كوي” تحديات كبيرة لاحقا إذ توجّب عليها أن توحّد المجموعات الاتنية المتنوعة واصطدمت من “مواجهة” بالعسكر الذين كانوا يسيطرون على السلطة.
إرث الأب ـ الرمز
إن السيدة “كوي”، كما يتم ذكرها غالبا في الكتاب بعد الصفحات الأولى، لم تستطع الحضور شخصيا لاستلام جائزة نوبل للسلام فهي كانت “أسيرة الإقامة الجبرية”. زوجها وابنهما تسلّما الجائزة نيابة عنها. لكن سلسلة طويلة من المشاهدات والأحداث تشهد على أنها حظيت باستمرار باحترام الملايين من أبناء برمانيا. ومن بين تلك الأحداث الاحتفال بذكرى وفاة والدها “غيلة”. وقد أطلقوا على المناسبة تسمية “عيد الشهداء”، الذي يمثل الاحتفال الأكثر شعبية، الأمر الذي دفع السلطات العسكرية إلى إلغائه لاحقا.
المؤلف في سطور
يعمل بيتر بوفام مراسلا لصحيفة “الاندبندنت” البريطانية منذ أكثر من 20 عاما. كان قد دخل إلى برمانيا للمرة الأولى عام 1991 ثم استمر بـ”التسلل” إليها بصفته الصحفية مرات عديدة بعد ذلك. كما عمل في عدة بلدان آسيوية. سبق له وقدّم كتابا تحت عنوان: “طوكيو: مدينة في نهاية العالم”.
الكتاب: السيدة والطاووس، سيرة حياة اونغ سان سو كوي
تأليف: بيتر بوفام
الصفحات: 480 صفحة
القطع: المتوسط
The lady and the peacock Peter
480 .
– البيان